لتركيا وإسرائيل جبهة مشتركة الآن، إن “بي.دي.اس”، ذلك التنظيم الفلسطيني الذي يشجع على مقاطعة إسرائيل، لم يعد مقتصراً على إسرائيل. إنما باتت طريقة ناجحة حتى ضد تركيا؛ فهناك مشروع قانون جديد تم تمريره الأسبوع الماضي على مجلس شيوخ ولاية كاليفورنيا، يسمح لصناديق التقاعد الكبيرة في أمريكا بعدم الاستثمار في السندات التي تصدرها تركيا، ويبلغ رأس مال هذه الصناديق الإجمالي 650 مليار دولار، ويمكنها أيضاً سحب الأموال التي تم استثمارها في السندات التركية.
مشروع القانون الذي حصل على أغلبية ساحقة بادر إليه اللوبي الأرمني رداً على نفي تركيا لإبادة الشعب الأرمني والمساعدة العسكرية التي قدمتها لأذربيجان في الحرب الأخيرة بينها وبين أرمينيا من أجل السيطرة على جيب ناغورنو قره باغ. وصودق على مشروع القانون عندما كان الرئيس التركي، أردوغان، ينوي تجنيد المزيد من المستثمرين الأمريكيين إلى الاقتصاد التركي الغارق في أزمة، التي يمكن أن تجعل الشركات الأمريكية تعيد فحص سياسة استثمارها في الدولة.
من الجدير بالذكر أنه منذ قرار الرئيس جو بايدن الاعتراف بإبادة الشعب الأرمني، وبعد إدانة أردوغان الشديدة لهذا القرار، يسود هدوء نسبي في وسائل الإعلام التركية، ولا تسمع الحكومة التركية التهديدات التي اعتاد أردوغان على توجيهها لكل دولة اعترفت بإبادة الأرمن. وتركيا تفسر هذا الصمت بإدراك أردوغان لوضع العلاقات الهشة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والخوف من قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها. في محادثة فيديو أجراها أردوغان الاثنين الماضي، مع رؤساء الشركات الكبرى، منها “الأمازون” و”بيبسي” و”كلوغ” و”سيسكو” و”بوينغ” وغيرها، قال إن “إعلان بايدن عن أحداث عام 1915 يلقي في الواقع عبئاً آخر على العلاقات بين الدولتين. ولكني آمل أن يكون اللقاء الشخصي بيننا، الذي سيعقد في 14 حزيران في قمة الناتو، إشارة انطلاق لعهد جديد”. من يريد “عهداً جديداً” لا يمكنه مهاجمة بايدن في الوقت نفسه. هبطت في أنقرة الأسبوع الماضي نائبة وزير الخارجية الأمريكي، فندي شيرمان، إعداداً للقاء الرئيسين. وقد شمل ملفها الثقيل العبوات الناسفة التي تهدد العلاقات بين الدولتين: شراء تركيا لصواريخ روسية مضادة للطائرات من نوع “اس 400″، وغزو سوريا ومحاربة الأكراد، والتنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وقمع حقوق الإنسان في تركيا.
إذا حاكمنا حسب تصريحات بايدن في حملته الانتخابية، حين وصف الرئيس التركي آنذاك بـ “الديكتاتور”، وأوضح بأنه -خلافاً لترامب- “أعرف كيفية التعامل مع أردوغان”، يبدو أن بايدن مسلح بالقليل جداً من التسامح تجاهه. إن تعامله قد يكون مثابة امتحان لـ “العهد الجديد”، وليس بالصورة التي يقصدها أردوغان. يكفي أسلوب ليّ الأذرع الذي استخدمه بايدن مع نتنياهو في عملية “حارس الأسوار”، وسلوكه القاسي تجاه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي ما زال ينتظر مكالمة هاتفية منه، وتصميمه على التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران… كل ذلك يكفي من أجل استنتاج الاستنتاج المطلوب. إذا كانت تركيا تريد النجاة من شبكة القيود التي تلتف على أرجلها الاقتصادية، فمن الأفضل أن يحضر الرئيس التركي معه “علبة راحة” عند لقائه بايدن في بروكسل.
أردوغان ليس في فترة مد في الساحة الداخلية. تشير استطلاعات الرأي العام مؤخراً إلى انخفاض غير مسبوق في شعبيته وشعبية حزبه، بسبب الأزمة الاقتصادية ومعالجة معيبة لوباء كورونا. صحيح أن انتخابات الرئاسة ستجري بعد سنتين، ولكن باعتباره منشغلاً طوال السنة في حملة انتخابات، يحتاج أردوغان إلى اختراق يعيد له مكانته في أوساط الجمهور.
ولكن مثل عمل الشيطان، اندلعت في الأسابيع الأخيرة قضية أثارت عاصفة برق ورعد تهدد أردوغان. أحد رؤساء المافيا في تركيا، سادات بكار، الذي يعيش في دبي، نشر على “يوتيوب” سبعة أفلام فيديو فصّل فيها علاقات الحكومة مع المافيا. وحسب قوله، ابن رئيس الحكومة السابق بنالي يلدريم، وهو من تعيينات أردوغان، قام بفتح خط استيراد للكوكايين من فنزويلا؛ وعضو في البرلمان اغتصب طالبة، توفيت بعد ذلك. واعترف بكار أيضاً بأنه دفع مبلغاً شهرياً يبلغ 10 آلاف دولار لعضو برلمان آخر. ولكنه لم يمس شخصاً واحداً، وهو أردوغان.
لقد وعد الـ 55 مليون مشاهد له بأنه سيستكمل السلسلة إلى 12 فيلماً، وسيقدم فيها المزيد من المعلومات عن سلوك الحكومة، لا سيما سلوك وزير الداخلية سليمان صويلو. إن غضب بكار ثار على صويلو بعد أن اقتحمت الشرطة منزله في نيسان، وصادرت وثائق ومعدات. كان بكار زبوناً ثابتاً في السجون التركية. في العام 2007 حكم عليه 14 سنة سجناً، قضى منها سبع سنوات، بتهمة إنشاء وإدارة منظمة إجرامية، وفي العام 2008 حكم عليه 10 سنوات سجناً بسبب عضويته في تنظيم “اركينغون”، الذي حسب الاشتباه يتم الزعم بأنه قام باستفزاز النظام بهدف إسقاطه. وقد تبين أن هذه القضية كانت خدعة، وتم إطلاق سراح بكار وأصدقائه بعد بضعة أشهر.
بعد إطلاق سراحه، أصبح بكار ناشطاً في حزب “العدالة والتنمية”، بل وشوهد مع أردوغان في حفلات زفاف ومناسبات اجتماعية. اعتقاله لم يزعجه حتى للفوز بجوائز تقدير كرجل أعمال ورجل صداقات ممتاز. نفى أردوغان علاقته مع بكار، ووصف أفلامه بـ “هجوم على تركيا”، وقدم الدعم الكامل لوزير الداخلية. ولكن القضية تراكم المزيد من طبقات الوحل التي سيصعب دفنها.
بقلم: تسفي برئيل
القدس العربي