فرضت بغداد سيادة القانون بشكل فعال من خلال اعتقالها قاسم مصلح، آمر “اللواء الثالث عشر” في «قوات الحشد الشعبي» (“لواء الطفوف”) المرتبط باغتيال إيهاب الوزني، أحد قادة الاحتجاجات في 9 أيار/مايو. ومع ذلك، من الضروري أيضاً أن تقوم الحكومة العراقية باعتقال الآخرين المشتبه بهم بالقيام بعمليات قتل كي تظهر للجمهور أن انتخابات تشرين الأول/أكتوبر ستكون آمنة.
في 26 أيار/مايو، اعتقلت السلطات العراقية قاسم مصلح قائد في إحدى الميليشيات المرتبط باغتيال أحد قادة الاحتجاجات إيهاب الوزني في 9 أيار/مايو. ومصلح شخصية بارزة في جهود إيران للسيطرة على الحدود العراقية السورية من خلال وكلائها من الميليشيات العراقية، ويعمل بشكل وثيق مع «كتائب حزب الله»، المُدرجة من قبل الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية وتُعتبر من كبار الميليشيات في «قوات الحشد الشعبي» العراقية. وعند إلقاء القبض عليه، تم نقله إلى المقر العسكري العراقي في “قيادة العمليات المشتركة في العراق”، وهو موقع في بغداد آمن بشكل خاص ضد الميليشيات لأنه يضم أيضاً الوجود الرئيسي لقوات التحالف وحلف شمال الأطلسي.
وكما حدث بعد اعتقال مماثل في حزيران/ يونيو 2020، حاولت الميليشيات اقتحام المركز الحكومي وتخويف السلطات من أجل إطلاق سراح مصلح. ولكن هذه المرة، تجنبت الحكومة النتيجة المهينة من المواجهة التي وقعت العام الماضي، عندما حاصرت الميليشيات مقر رئيس الوزراء وسرعان ما تم إطلاق سراح المشتبه بهم. ولا يزال مصلح قيد الاحتجاز داخل العراق حتى كتابة هذه السطور، ولم يُطلَق سراحه لأصدقائه كما تدّعي جهود الدعاية المحمومة للميليشيات. وأظهر هذا الحدث أن الحكومة وشركائها الدوليين تعلموا بعض الدروس – وإن لم يكن كلها – التي وفّرتها حادثة حزيران/يونيو 2020.
قصة اعتقال شخصين
على الرغم من أن عمليتَي الاعتقال الكبيرتين المذكورتين أعلاه ليستا المداهمتين الوحيدتين اللتين نفذتهما حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلّا أنهما الأكثر شيوعاً، لذا من المفيد مقارنتهما.
حزيران/يونيو 2020: تراجُع مذل. في 25 حزيران/يونيو 2020، اعتقل “جهاز مكافحة الإرهاب” أربعة عشر عضواً من «كتائب حزب الله» أثناء قيامهم بتحضير هجمات صاروخية على مطار بغداد والسفارة الأمريكية. ورداً على ذلك، استعرضت الميليشيا عضلاتها في “المنطقة الدولية”، فتوجه قائد العمليات في «كتائب حزب الله»، أبو فدك، وقوة قوامها حوالي 150 مقاتلاً في شاحنات نقل صغيرة مدججة بالسلاح إلى مقر إقامة الكاظمي، وطالبوا بالإفراج عن المشتبه بهم تحت وصايتهم. وسرعان ما تم إطلاق سراح 13 من المعتقلين وسط ضجة كبيرة على قنوات الدعاية التابعة للميليشيات، وتم الإفراج عن الشخص الوحيد المتبقي (الوحيد المذكور في مذكرة الاعتقال الأصلية) بأمر من المحكمة تحت ضغط من السياسيين المدعومين من الميليشيات. فكان مشهد الجماعات المسلحة التي طوّقت مقر رئيس الوزراء وفرضت الإفراج السريع عن رفاقها مشهداً هدّاماً، ألحق أضراراً كبيرة بالثقة بين الكاظمي، وقادته الأمنيين، والشعب العراقي، والتحالف.
أيار/مايو 2021: سيادة القانون تسود. بعد اغتيال الوزني في كربلاء في 9 أيار/مايو، اندلعت احتجاجات جماعية في القنصلية الإيرانية في المدينة، حيث اتهم متظاهرون طهران وميليشياتها الوكيلة باستهدافه. وعند التحقيق في الحادث، أصدرت السلطات مذكرة توقيف بحق مصلح، الذي هو آمر “اللواء الثالث عشر” في «قوات الحشد الشعبي» (“لواء الطفوف”) وأحد أتباع «كتائب حزب الله». ومجدداً قام “جهاز مكافحة الإرهاب” بعملية إحضار المشتبه به إلى بغداد. ومع ذلك، فعلى عكس الاعتقال الذي جرى العام الماضي، كانت “المنطقة الدولية” محميّة بقوة تحسباً لرد فعل قوي من قبل الميليشيات. وعلى الرغم من أن بعض المقاتلين حاولوا استعراض عضلاتهم داخل “المنطقة الدولية” – حيث يُسمح للميليشيات بالحفاظ على وجود تحت مظاهر مختلفة – إلّا أنه لم يتم تعزيزهم من الخارج. وتمت السيطرة على المنطقة [من قبل قوات الأمن]، وتأمين كل من رئيس الوزراء والسجين.
وبالمثل، ساهمت عوامل أخرى في نتيجة أفضل هذه المرة. فالدعم الدولي لأعمال الحكومة هو أقوى بكثير مما كان عليه في العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى رفع الروح المعنوية [لحكومة] بغداد بدلاً من ترك الكاظمي معزولاً بالمعنى الحرفي للكلمة في “المنطقة الدولية”. بالإضافة إلى ذلك، من خلال اعتقال مصلح فقط بدلاً من حبس المشتبه بهم الآخرين دون أوامر توقيف، منعت الحكومة الميليشيات من الحصول على أي إطلاق سراح فوري وتحقيق نصر دعائي شامل. وإذا كان الضعف المستمر واضحاً، فقد كانت مقاومة الحكومة واضحة لمواجهة المزاعم الكاذبة للميليشيات بأنها سيطرت على “المنطقة الدولية” وضمنت إطلاق سراح مصلح.
جهود الميليشيات لإنقاذ ماء الوجه
لا يشكّل اعتقال مصلح سوى إحدى النكسات العديدة التي عانت منها الميليشيات المدعومة من إيران خلال العام الماضي. ففي كانون الثاني/يناير 2020، خسرت هذه الميليشيات زعيمها الإيراني (قاسم سليماني) وعرابها العراقي (أبو مهدي المهندس) في غارة جوية أمريكية. وبعد خمسة أشهر، أصبح خصمها اللدود الكاظمي رئيساً للوزراء على الرغم من معارضتها الشديدة لتعيينه. وحتى أن انتصارها في حزيران/يونيو 2020 على الحكومة أثبت أنه خسارة بحتة، لأنه دفع بغداد إلى تطوير أساليب أقل وضوحاً لدحر نشاط الميليشيات داخل المطارات، ومنشآت الشحن، والمقار العسكرية، والنظام المصرفي. وفي غضون ذلك، أُحيل مطلب إيران والميليشيات، المردَد غالباً والمتمثل في الانسحاب العسكري الأمريكي الكامل، إلى لجنة خبراء عراقية للبت فيه، بناءً على مقتضيات الأمن القومي المحلي بدلاً من مصالح طهران. والأكثر وعداً من ذلك كله أن الأحزاب السياسية عبر الطيف الإثني – الطائفي تناقش اتفاقاً قبل الانتخابات من شأنه أن يقلل من دور إيران في اختيار حكومة جديدة بعد الانتخابات المقررة في تشرين الأول/أكتوبر.
ويتضح قلق الميليشيات وإحباطها المتزايدان من هذه النكسات في أعمالها الأخيرة. فقد صعّدت عملياتها بقيامها بهجمات بطائرات بدون طيار داخل العراق، وشنها ضربات غير فتاكة على أربع قواعد أمريكية منذ آذار/مارس، بالإضافة إلى قيامها برحلات مضايقة جوية أقل شهرة فوق مواقع القيادة الاتحادية والكردية. حتى أن بعض الجماعات بذلت جهوداً مضحكة للاستمتاع بالمجد المنعكس من هجمات «حماس» على إسرائيل من خلال ادعائها بإطلاق صواريخ من سوريا. وردّاً على اعتقال مصلح، حاول قادة الميليشيات تحقيق التوازن الدقيق بين إخافة الكاظمي لتبرئته رسمياً وتجنب الإفراج غير المبرر والخارج عن نطاق القانون الذي قد يبدو غير شرعي بشكل واضح في نظر الجمهور، لأن نتيجته قد تجعلهم يظهرون بصورة لا تقل سوءاً عن السجن المستمر.
لكن حتى الآن، تمسّكت بغداد بإجراءات التقاضي السليمة، لذا فإن هذه الجولة من التوترات بين الحكومة والميليشيات قد بدأت للتو. وبما أن مصلح زعيم ميليشيا أقدم، فلن تتخلى عنه إيران ولا وكلائها بسهولة. وسيتحول ضغط الميليشيات الآن إلى القضاء، بهدف ترهيب المحكمة لكي ترفض التهم الموجهة إليه.
توصيات في مجال السياسة العامة
بعد حادثة حزيران/يونيو 2020، قدّمت الولايات المتحدة مساعدة أمنية إضافية للقوات التي تحمي “المنطقة الدولية”، وهي خطوة مكّنت بغداد من اتخاذ قرارات أقوى مع الحصول على ثقة واشنطن بشأن القضايا المتعلّقة بسيادة القانون. وقد تم تعزيز هذه المساعدة من خلال ضمانات الدعم العلنية والخاصة من شركاء العراق الآخرين في الأمم المتحدة، و”الاتحاد الأوروبي”، والتحالف، وحلف شمال الأطلسي. وكان هذا التعزيز الاستباقي من خلال شبكة كثيفة من الاتصالات ذا قيمة كبيرة ويجب أن يستمر، خاصة وأن الميليشيات تبتكر طرقاً جديدة لمعاقبة الحكومة على تمسّكها بسيادة القانون في قضية مصلح.
لقد هزّت حادثة حزيران/يونيو 2020 القادة العراقيين لدرجة أنهم قللوا من شأن الاعتقالات اللاحقة لأعضاء الميليشيات، تاركين العديد من المواطنين دون أدلة تذكر على قدرة رئيس وزرائهم على حمايتهم أو التصدي للميليشيات. وفي المرحلة القادمة، على بغداد أن تعلن عن عمليتها الناجحة في 26 أيار/مايو على نطاق واسع، وعلى الشركاء الدوليين أن يرددوا كثيراً هذه الرسالة نفسها.
على واشنطن أيضاً أن تحث الحكومة العراقية على عدم منح الميليشيات أي فرص لحفظ ماء الوجه: على سبيل المثال، لا ينبغي الترخيص [بوضع] كاميرات في أي مكان بالقرب من مصلح، ولا ينبغي السماح لأي مسؤولين بأخذه إلى منازلهم أو مكاتبهم للحصول على فرص لالتقاط الصور. ومثل هذا الإفراج المشروط والمؤقت من الحجز أمر شائع عندما يتدخل كبار المسؤولين العراقيين في قضايا محددة لتحقيق مكاسب سياسية، لكن القيام بذلك في هذه الحالة من شأنه أن يقوّض الهدف الكامل لاعتقال مصلح. وبناءً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة والشركاء الآخرين الإشارة إلى رئيس “مجلس القضاء الأعلى” في العراق، فائق زيدان، بأن العالم سيراقب قضية مصلح، وأن مصداقية القضاء على المحك.
من المهم أيضاً أن نتذكر مقتل اثنين من قادة الاحتجاج الآخرين هذا الشهر بالإضافة إلى الوزني، لذلك من الضروري قيام الحكومة بمزيد من الاعتقالات بشكل عاجل. على “اللجنة 29″، التي هي هيئة التحقيق الخاصة المكلفة بالكشف عن هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، أن تواصل عملها، ويجب تشجيع الكاظمي على استخدام أي من القوات الخاضعة لقيادته لضمان تنفيذ أوامر التوقيف. يجب أن تبقى الميليشيات في موقف ضعيف في الفترة التي تسبق الانتخابات، بما يتماشى مع الهدف العراقي والأمريكي المتمثل في ضمان تصويت حر ونزيه مع مشاركة جيدة – وهو هدف مستحيل إذا شعرت الميليشيات بالحرية في القتل والترهيب.
أخيراً، على واشنطن استخدام مساعيها الحميدة لطلب المساعدة من قادة عراقيين آخرين مثل الرئيس برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وكبار السياسيين كمسعود بارزاني، وحيدر العبادي، وعمار الحكيم، وإياد علاوي. وعلى وجه الخصوص، يجب تشجيعهم على الإدلاء بتصريحات تلفزيونية في الوقت المناسب لدعم الحكومة أثناء الأزمات مثل محاولة دخول الميليشيا في مواجهة في “المنطقة الدولية”، وليس فيما بعد حين تصبح قيمتها موضعاً للشك.
مايكل نايتس
معهد واشنطن