أشارت مجلة “فورين بوليسي” إلى صداقات الرئيس السوري الجديدة مع العالم العربي، فبعد 10 أعوام من الحرب بات أعداؤه يرحبون به.
وقالت أنشال فوهرا في تقرير بالصحيفة، إن التصويت في سوريا لم يكن سريا أو مقدسا، ففي 26 أيار/ مايو عقد النظام انتخابات لم تدع أي مجال للشك بعودة الرئيس الحالي إلى منصبه في فترة رابعة. ولم يهتم أي أحد في البلاد بالنتيجة المعروفة. وقال محمد المحامي من حي الميدان، في دمشق “الانتخابات هي نكتة”.
وقال أحمد اللاجئ في السويد من دير الزور عن الانتخابات بأنها “مزورة” ولا شرعية لها في ظل غياب المراقبين الدوليين. أما يارا العلوية التي طلبت اللجوء السياسي في إيطاليا، فقد وصفت الانتخابات بـ”لعبة دمى” يتلاعب فيها الأسد بالخيوط.
فعلى مدى 10 أعوام، استخدم الأسد القوة المفرطة لقمع الانتفاضة التي بدأت بمطالب الحرية والديمقراطية والعدالة. ولكن هذه الشعارات لم تعد موجودة، فالشغل الشاغل للناس في مناطق النظام هو كيفية الحصول على الخبز وإطعام عائلاتهم والنجاة من الانهيار الاقتصادي الذي زاد سوءا منذ العام الماضي. ومن ترك بلاده هاربا إلى المنافي يحاول جهده الاندماج في المجتمعات التي هاجر إليها ليقلل من فرص ترحيله مرة أخرى إلى سوريا.
وفقد السوريون في كل مكان الأمل بالديمقراطية كطريق سريع لحل مشاكل بلادهم، وقبلوا بحقيقة بقاء الأسد الذي لم يتردد باستخدام كل الوسائل وتحويل بلاده إلى أنقاض من أجل البقاء في السلطة. وابتسم الأسد وهو يدلي بصوته من مركز اقتراع بمدينة دوما المدمرة، ولم يفوّت الوقت للتأكيد على شعاره “الأمل بالعمل” والذي عبّر فيه عن التحول من مرحلة الحرب إلى الإعمار. وبعقده انتخابات حاول الأسد أن يظهر للعالم أن المؤسسات السورية فاعلة، وأن البلد الذي يستطيع عقد انتخابات، آمنٌ لعودة اللاجئين. وهي مهزلة، تتعاطف مع الدول العربية خاصة في الخليج معها، وحاول أصدقاء سوريا من العرب وبعد أن أكدت سيطرة الأسد على السلطة بالضغط لتخفيف العقوبات الأمريكية عنه.
وأشارت فوهرا إلى أن عزلة الأسد بدأت بالتلاشي في العالم العربي. والسؤال هو إن كان التقارب العربي سيتبعه تقارب في أماكن أخرى. وتقول إن الأسد وحتى سنوات ماضية كان شخصية غير مرغوب بها في العالم العربي، واليوم أعيد تأهيله تقريبا. وعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية باتت مسألة وقت بعد تعليق عضويتها مع اندلاع الحرب الأهلية في 2011.
وظل لبنان والسودان والجزائر والعراق من الدول الداعمة له، وطالما طالبت بإلغاء تعليق العضوية. لكن خصوم الأسد السابقين، والذين عملوا على دعم المعارضين له يعاملونه كحليف لمواجهة طموحات الدول غير العربية، أي إيران وتركيا. وقوّت مصر والإمارات علاقاتها مع سوريا، وأعادت أبوظبي فتح سفارتها في دمشق العام الماضي. بل ومنحت أثناء الحرب الملجأ للنخبة السورية بمن فيهم رجال الأعمال وحتى أفراد من عائلة الأسد.
ومع تراجع الولايات المتحدة من المنطقة ودعم روسيا للأسد، رأت الإمارات فيه حليفا في التحالف المعادي لتركيا والإخوان المسلمين. وقال نيكولاس هيراس من معهد “نيولاينز”: “تحاول الدول العربية التي خافت من الاضطرابات وحمل سكانها السلاح ضدها، تحاول تعلم مهارات الديكتاتورية من نظام الأسد”.
وفي الوقت نفسه، بدأت السعودية بمبادرات لإبعاد الأسد عن شراكته مع إيران. ووجدت دول عربية في الأسد حليفا مشتركا ضد حركة الإخوان المسلمين المنظمة التي تدير معظم المعارضة ضد النظام، وتمثل تهديدا على استمرارية معظم الأنظمة الوراثية في الخليج.
دول عربية وجدت في الأسد حليفا مشتركا ضد حركة الإخوان المسلمين
ويأمل أصدقاء سوريا العرب بالتعاون مع الأسد لتخفيف تأثير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الداعم التقليدي للإخوان. ويريد السعوديون والإماراتيون المشاركة في عمليات الإعمار والتعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية السورية من أجل احتواء الخطر الإسلامي في بلادهم. وكذا استخدام الدعم المالي كورقة نفوذ ضد التأثير الإيراني في الأرض العربية.
ونقلت عن المحلل في بريطانيا سامي حمدي قوله إن الأسد يشعر بالإحباط من إضعاف كل من موسكو وطهران قراره. وسيتمكن حالة توفر حلفاء جدد له من لعب الحليفين التقليديين ضد بعضهما البعض. وقال حمدي إن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدأ وبشكل متزايد بتبني خطاب قومي عربي، ويعتقد أن هذا قد يساعد على كسر الراوبط بين إيران وحلفائها العرب والتركيز على جوانب الشبه العرقية العربية”.
وأضاف أن “التوسع التركي أدى لتغيير أولويات دول الخليج وجعلت من الأسد رصيدا ممكنا”.
وبدأت عملية الانفتاح العربي على النظام السوري منذ فترة. ففي زيارة للكاتبة عام 2017 أخبرها عدد من المسؤولين السوريين أن “الأشقاء العرب” سيدفعون الأموال المطلوبة لإعادة الإعمار وهو “ما أدهشني، نظرا لوجود عدد من الجماعات المدعومة من السعودية بمناطق حول دمشق وتواصل قتال الأسد”.
وبعد عام، أشارت مصادر لبنانية مقربة من النظام السوري إلى أن “السعوديين بدأوا تعاونا أمنيا مع الأسد، وكان من المبكر جدا تصديق هذا الكلام، ولم يعد هذا هو الواقع الحالي. ففي بداية الشهر الماضي عقد الجنرال خالد الحميدان، مدير المخابرات السعودية لقاء مع نظيره السوري علي مملوك في دمشق”.
وقالت الكاتبة إن قطر هي الدولة الخليجية المتمسكة بموقفها من الأسد، لكن المحللين يرون أن الدوحة تفهم أنها لن تكسب الكثير من مواجهة المحتوم، مع أن المسؤولين القطريين أكدوا على رفضهم التقارب مع الأسد.
وتؤكد الكاتبة أن عزلة الأسد وإن انتهت عربيا، لكن هذا لا يترجم لمكاسب على صعيد إعادة الإعمار، فربما كان لدى السعودية والإمارات تأثير على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكنهما تواجهان مصاعب لتحسين علاقاتهما مع إدارة جوزيف بايدن.
ويقول جورجيو كافيرو، مدير معهد “غالف ستيتس أناليتكس” في واشنطن، إنه لا يعتقد أن إدارة بايدن قج تقوم بمعاقبة الحكومات العربية لقبولها عودة سوريا إلى الجامعة العربية. لكنه يستبعد قيام بايدن برفع العقوبات التي فرضت على النظام بناء على قانون قيصر مما يسمح بعودة الاستثمارات. مضيفا: “أعتقد أن إيران ستكون في موقع قوي لاستغلال الوضع وتقوية تأثيرها في سوريا” و”هذا هو سبب عدم رضى عدد من دول مجلس التعاون الخليجي من استمرار إدارة بايدن فرض العقوبات التي أعلنت عنها إدارة ترامب على نظام دمشق”.
ويرى عدد متزايد من المراقبين في واشنطن، أن إدارة بايدن التي تركز على منطقة آسيا، لن تفعل الكثير في منطقة الشرق الأوسط، وفوّضت الأمر للقوى الإقليمية طالما خدمت قراراتها المصالح الأمريكية. ويقول حمدي إن الولايات المتحدة استسلمت لواقع عدم إمكانية التخلص من الأسد، وهي في بحث عن سيناريو على الطريقة العراقية، أي إنشاء كيان كردي واستخدامه كورقة نفوذ في دمشق بنفس الطريقة التي يلعب فيها أكراد العراق كورقة نفوذ لأمريكا في بغداد.
وتضيف الكاتبة أن حقيقة عقد الانتخابات في سوريا المقسمة تعني أن الأسد قبل بالواقع الراهن، أي سوريا منقسمة إلى ثلاثة أقسام. فطالما أنهى هذا وضعه المنبوذ، فلربما نظرت الولايات المتحدة والدول الغربية التي تثمن الاستقرار على الديمقراطية وأعادت الروابط مع الأسد وأسهمت في الإعمار. وليس من الواضح إن كانت إدارة بايدن ستفكر في تخفيف العقوبات مقابل إصلاحات في النظام. ومهما كان الأمر فالدول العربية الغارقة في همومها الأمنية ولديها طموحاتها الإقليمية لديها أسبابها لمواصلة الوقوف مع الأسد.
القدس العربي