وجد البنك الدولي أنسب وصف للوضع الاقتصادي والنقدي والاجتماعي في لبنان، بأنه “ضمن أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ القرن التاسع عشر”.
وأمام خطورة الوضع الاقتصادي والنقدي، لم ينجح الفرقاء في “الدولة العتيدة” -كما يسميها اللبنانيون- في تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة سعد الحريري منذ قرابة 4 شهور، تنشلها من المستنقع الغارقة فيه.
هذا الوضع ظهر بشكل جلي على المواطنين، إذ يتكشف الضجر المتزايد لديهم من سوء الأوضاع وضبابية مستقبل البلاد، وسط اكتمال مسببات الاضطرابات الاجتماعية، وهو أسوأ تجليات الانهيار الاقتصادي.
اندلعت شرارة الأزمة اللبنانية الحالية في أكتوبر/ تشرين أول 2019، وتدحرجت ككرة ثلج مع مرور الأسابيع والشهور، وصولا إلى الوصف الذي قدمه البنك الدولي في تقرير له، الثلاثاء.
وعلى الرغم من إعلان مصرف لبنان (المركزي) مؤخرا، تخفيف قيود السحب بالليرة اللبنانية والدولار الأمريكي، كان فرضها نهاية 2019، إلا أن هذه الحلول قد تجهز على ما تبقى من متانة القطاع المصرفي.
في نهاية 2019، قيّدت البنوك العاملة في السوق المحلية، حرية سحب الأفراد والشركات حاجتهم من النقد من حساباتهم سواء بالدولار أو بالليرة، خوفا من تحول القطاع المصرفي، إلى قطاع بلا أموال.
لكن حالة العوز التي اجتاحت أصحاب الحسابات وتراكم الديون، رغم امتلاكهم سيولة داخل البنوك، قد تدفع بهم إلى سحب كافة مدخراتهم، خاصة أولئك أصحاب الحسابات دون 20 ألف دولار.
وأمام هذه الفرضية، سيكون مصرف لبنان أمام أزمة مركبة، طرفها الأول تراجع أداء القطاع المصرفي، وهو آخر ما تبقى في البلاد من مؤسسات خاصة كبرى قائمة، وطرفها الثاني عدول صندوق النقد الدولي والمؤسسات الأممية عن مساعدة البلاد.
وسبب الحالة المأساوية للبنانيين، تعود إلى انهيار أسعار صرف العملة المحلية، فبينما يبلغ السعر الرسمي لدى مصرف لبنان 1510 لكل دولار، تراجعت في السوق الموازية إلى 12.9 ألفا.
هذه الحقائق على الأرض، سببها الرئيس الدولار وعلاجها أيضا الدولار، إذ يعتبر دعم العملات الأجنبية الحالي مشوها ومكلفا؛ وأصبح يشكل ضغطا كبيرا على ميزان مدفوعات لبنان.
وبسبب شح الدولار وانهيار سعر صرف الليرة وعدم مواءمة الأجور بتغيرات سوق العملة، تم تقويض الخدمات العامة الضعيفة بالفعل من مياه وكهرباء وصرف صحي وتعليم وصحة.
إذ يهدد النقص الحاد في العملات الأجنبية، بإنهاء عقود القطاع الخاص لصيانة محطات الطاقة وتوليد الطاقة المؤقت، وفي غضون ذلك، تتقلص إيرادات شركة كهرباء لبنان، وهي بالليرة، بسبب زيادة الخسائر وتراجع التحصيل، وتراجع فترات إمدادات الطاقة في عموم البلاد.
وفي قطاع المياه، شهدت مؤسسات المياه الحكومية في البلاد استنزافا خطيرا في الإمدادات والإيرادات والموارد المالية والبشرية، كما تأثرت بارتفاع التكاليف، ما يعني لجوء السكون إلى البديل الأكثر كلفة.
وبسبب انخفاض إمدادات المياه، كان على اللبنانيين الاعتماد بشكل أكبر على بدائل المياه الأخرى، مثل صهاريج المياه والزجاجات المعبأة، والتي ارتفعت أسعارها مع انهيار الليرة.
كذلك، يهدد انهيار خدمات الصرف الصحي، بتكثيف انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، مما يؤثر سلبا على صحة عامة ضعيفة بالفعل، وزيادة الضغط على القطاع الصحي، الممتلئ أصلا بسبب وباء كورونا.
أيضا، أدت الأزمات المتفاقمة إلى وضع قطاع التعليم في لبنان تحت ضغوط شديدة؛ حيث تؤدي الزيادة في معدلات الفقر إلى نزوح جماعي للطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس العامة.
في العام الدراسي 2020 – 2021، انتقل 54 ألف طالب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية (يشكلون 11 في المئة من طلاب القطاع العام)، إضافة إلى الطلاب المتسربين، لا سيما من الأسر الأكثر تهميشا، وفق البنك الدولي.
أمام كل ما سبق، إلى جانب تبعاتها على الفقر والبطالة والتضخم البالغ 85 في المئة، يقدّر البنك الدولي أنه في 2020، انكمش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 20.3 في المئة، بعد انكماشه بنسبة 6.7 في المئة في 2019.
(الأناضول)