إدارة بايدن لا تريد أن يستهلكها الشرق الأوسط لكنها مجبرة على ذلك

إدارة بايدن لا تريد أن يستهلكها الشرق الأوسط لكنها مجبرة على ذلك

واشنطن – على الرغم من أن الولايات المتحدة تسعى على ما يبدو إلى إعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية من خلال خفض مستوى انخراطها في الشرق الأوسط، والتركيز بشكل أكبر على آسيا لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين، تظل قضايا المنطقة وفي القلب منها القضية الفلسطينية تمثل عنصرا جوهريا يحتاج إلى دور أميركي أكثر حسما للحيلولة دون الاصطدام بخيارات أكثر سوءا وربما بتكلفة أكبر.

ويقول الدبلوماسي الأميركي المخضرم دينيس روس في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية، إن الشرق الأوسط لديه وسيلة تجعله يفرض نفسه على الرؤساء الأميركيين وإداراتهم، ويتجلى هذا الأمر مع الرئيس جو بايدن.

وأوضح روس، الذي كان الرجل الأول لعملية السلام في الشرق الأوسط أثناء ولاية إدارة كل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون، حيث كان يعمل عن كثب مع وزراء الخارجية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت، أنه من خلال ست مكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومكالمات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أدرك بايدن أنه مهما كانت آماله، فإن مشاركته الشخصية كانت ضرورية للمساعدة في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.

وأشار روس، الذي عمل أيضا مساعدا خاصا للرئيس الأسبق باراك أوباما ومستشارا خاصا لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، أنه في حين أن زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن للشرق الأوسط لم تكن على جدول أعماله في الوقت الحالي، فقد شعر بالحاجة إلى الذهاب إلى المنطقة في محاولة لتعزيز وقف إطلاق النار، وتلبية الاحتياجات الإنسانية واحتياجات إعادة الإعمار في غزة، وإقامة مسار دبلوماسي لإدارة العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية وإعادة الالتزام بإقامة دولتين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

دينيس روس: إذا ما أثبتت الأسابيع القليلة الماضية أي شيء، فهو أن القضية الفلسطينية لن تزول

وأردف بالقول “إنني كشخص تفاوض مع الطرفين لعقود، أعرف أن كل مهمة من هذه المهام تنطوي على تحدياتها الخاصة. ومن المفارقات أن أقلها صعوبة هو تعزيز وقف إطلاق النار”.

ويضيف “صحيح أن وقف إطلاق النار لم يتم فيه الاتفاق على شيء سوى كف إطلاق الأسلحة، ولكن الحقيقة هي أن كلا الجانبين كان لديه سبب للتوقف. فحركة حماس تدفع ثمنا باهظا من حيث بنيتها التحتية العسكرية، وقد حققت بالفعل ما تعتزم القيام به، وهو فرض ثمن على إسرائيل ردا على الأحداث في القدس وجعل حماس النقطة المحورية للقضية الفلسطينية أكثر من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”.

من جانبها، نجحت إسرائيل أيضا عسكريا في ما كانت ستحققه إلى حد كبير من خلال الهجمات الجوية، فقد دمرت منشآت إنتاج صواريخ حماس وجزءا حاسما من شبكتها من الأنفاق التي تحمي أسلحة حماس ومقاتليها ووسائل استخباراتها، وحتى بعض قادتها. ومن شأن الضربات الإضافية، في أحسن الأحوال، أن تسفر عن نتائج متضائلة في وقت كان فيه الرأي العام الدولي ينقلب بالفعل بقوة ضد إسرائيل.

ومع ذلك، وحتى عندما يكون إنهاء التصعيد في مصلحة الطرفين، فإن وقف إطلاق النار لم يحدث بالضرورة من دون وسيط وتدخل خارجي، وقد لعبت مصر وإدارة بايدن هذا الدور في خلق غطاء وضغط وتوضيح للجانبين.

ويشكل موضوع إعادة الإعمار في القطاع الذي تحكمه حماس والتي تعتبرها إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية – محورا في الجهود الدبلوماسية لواشنطن.

ويتساءل روس: ماذا عن تلبية الاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار؟

وأوضح أنه قبل أن يتعرض مدير الأونروا في غزة ماتياس شمالي لانتقادات بسبب تعبيره عن الحقيقة، اعترف بأن الضربات الإسرائيلية، وإن كانت وحشية، كانت دقيقة، وأنه مع فتح معبر كرم أبوسالم، لم يكن هناك نقص في الغذاء أو الوقود أو الأدوية في غزة.

وهناك حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار، مع وجود 77 ألف شخص إضافي من سكان غزة بلا مأوى والبنية التحتية عموما، والمياه والصرف الصحي بصفة خاصة، في حاجة ماسة إلى الإصلاح وإعادة البناء. وهنا، وبحسب روس، يكمن التحدي الحقيقي، وهو كيف نعيد إعمار غزة ولا تقوم حماس بتحويل المواد اللازمة لذلك لصالح إعادة تسليحها.

وقد اعترف بلينكن بهذه المشكلة، مؤكدا عندما كان في القدس “سنعمل مع شركائنا.. لضمان عدم استفادة حماس من مساعدات إعادة الإعمار”.

مع ذلك لن يكون هذا سهلا وقد جرت محاولة مماثلة في أعقاب النزاع في عام 2014، باستخدام آلية إعادة إعمار غزة وفشلت.

صحيح أن التعهدات بتقديم أموال إعادة الإعمار لم يتم الوفاء بها، ولكن ذلك يرجع جزئيا على الأقل إلى الفشل في منع تحويل المواد وتعزيز حماس لوضعها العسكري.

ولفهم مدى حجم الفشل وجهود إعادة تسليح حماس، يشير روس إلى ما يلي “في بداية الصراع في عام 2014، الذي استمر 51 يوما، كان لدى حماس ما يقرب من 10 آلاف صاروخ، وأطلقت 4500 صاروخ، واعترضت إسرائيل حوالي 2200 صاروخ، مما يعني أن حماس احتفظت بنحو 3300 صاروخ في النهاية. وفي عام 2021، كان لدى حماس 30 ألف صاروخ في البداية وأطلقت 4350 صاروخا في عشرة أيام”.

ولم يكن هناك فقط تعزيز عسكري يعادل عشرة أضعاف من الناحية العددية، ولكن حماس كان لديها صواريخ أبعد من حيث المدى وذات حمولة أكبر، وكانت قادرة على إطلاق المزيد بشكل كبير يوميا.

لكن على أي حال، هناك بالتأكيد حاجة إلى جهد دولي، تحشده الولايات المتحدة على أفضل وجه، لجمع الأموال من أجل إعادة إعمار غزة، وكذلك لوضع آلية دولية للإشراف على ما يأتي إلى القطاع، ونقله إلى المستودعات، ومن ثم استخدامه النهائي في مواقع البناء.

ويلفت روس إلى إنه على عكس ما كان عليه الحال من قبل، يمكن لمصر أن تبذل جهدا حاسما على الحدود. وبمساعدة دولية، يمكن لمصر تحويل معبر رفح، الذي لا يتعامل الآن سوى مع الأشخاص، وجعله نقطة لقاء مركزية إلى جانب المعابر مع إسرائيل لإجراء فحص شامل لجميع المواد القادمة إلى غزة.

ويلاحظ أنه سيكون لجميع الشاحنات التي تنقل المواد طرق محددة وتحتاج إلى أن تكون مجهزة بأجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.أس) وستحتاج جميع مستودعات المواد الواردة إلى كاميرات للمراقبة على مدار الساعة طوال الأسبوع.

لكنه يعتقد أن حماس سوف تقاوم ذلك، وإذا كان الأمر كذلك، فإن القضية سوف تصبح قضية إعادة إعمار غزة مقابل إعادة تسليح حماس.

ويتوقع أنه دون فرض شروط صارمة، لن تكون هناك إعادة إعمار جادة.

وفي تقديره لن يستثمر أحد على نطاق واسع في إعادة الإعمار إذا تمكنت حماس من تحويل المواد، وإعادة بناء ترسانتها، وإشعال حرب عندما تناسب أهدافها المتمثلة في السيطرة على الحركة الوطنية الفلسطينية.

وكما أظهرت حماس مرة أخرى، إذا كانت تعتقد أنها تستطيع أن تكسب سياسيا، فإنها لا تهتم كثيرا بالثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون في غزة.

ويخلص روس إلى أنه إذا ما أثبتت الأسابيع القليلة الماضية أي شيء، فهو أن القضية الفلسطينية لن تزول.

وفيما أقر بأن إدارة بايدن لا تريد أن يستهلكها الشرق الأوسط، لكن في رأيه تحتاج أيضا إلى القيام بما يكفي لإدارة ما يحدث في المنطقة لتجنب الانجرار إليها، في ظروف توفر خيارات أسوأ بتكاليف أعلى.

العرب