دفعت الحكومة التونسية برفع في أسعار المواد الأساسية في سياق خطتها لرفع الدعم تدريجيا عن تلك المواد تنفيذا لإصلاحات يطالب بها المانحون الدوليون في خطوة تُنذر بتفجر الوضع الاجتماعي، خاصة أن هناك أطرافا سياسية دعت الشعب إلى رفض تلك الزيادات والاحتجاج عليها.
تونس – أقرت الحكومة التونسية زيادات في مواد أساسية مساء الثلاثاء في سياق إجراءاتها الرامية لرفع الدعم عن تلك المواد، وهو ما أثار مخاوف من احتمال تفجر الوضع الاجتماعي، لاسيما أن هناك دعوات سياسية لرفض الزيادات والاحتجاج.
ودعا حزب حركة الشعب (قومي) إلى الاحتجاج على تلك الزيادات ورفضها قائلا “إنّ حركة الشعب إذ تعبر عن رفضها لهذه الزيادات العدوانية تذكر بما نبهت إليه مرارا من أن حكومة هشام المشيشي مدفوعة بحزامها البرلماني تقود البلاد نحو انفجار اجتماعي غير مسبوق، خاصة في ظل حالة العطالة السياسية التي تعاني منها البلاد بسبب اندفاع الحزام البرلماني الداعم للحكومة نحو فرض أمر واقع يتعارض مع تطلعات وانتظارات عموم المواطنين”.
وأضاف الحزب في بيان نشره الأربعاء أن “التركيز على خدمات النقل وقطاع المحروقات والمواد الغذائية الأساسية بمثل هذه الزيادات المشطة يعني إعلان حرب على أوسع شريحة من المواطنين لصالح نفس الفئة المتمعشة من الأزمات والمحمية من الأطراف السياسية التي تعودت سلوك السمسرة والزبونية وصياغة القوانين حسب الطلب”.
وأوضح أن “حركة الشعب ترى أنه من حق المواطنين المتضررين من هذه الزيادات المشطة والعدوانية أن يعبروا عن رفضهم واحتجاجهم على حكومة لم يروا منها سوى الفشل والاستعداد للتضحية بالأغلبية المفقرة لصالح لوبيات المال وبارونات الفساد. وأنه لا يحق لأي طرف سياسي أو حكومي الاعتراض على هذه الاحتجاجات أو تشويهها أو مجرد التفكير في قمعها”. ورفعت الحكومة التونسية مساء الثلاثاء في سعر السكر الموجه للاستهلاك العائلي بنسبة 22 في المئة، في خطوة تستهدف خفض العجز المالي في إطار خطة إصلاحات اقتصادية تشمل تقليصا تدريجيا للدعم.وتعاني تونس وضعا ماليا خانقا تفاقم في ظل جائحة فايروس كورونا، بعجز مالي بلغ 11.5 في المئة العام الماضي وانكماش الاقتصاد 8.8 في المئة، وهي تجري مفاوضات مع صندوق النقد سعيا للحصول على قرض.
وقال مسؤول حكومي إنه تقرر رفع سعر سكر الاستهلاك العائلي إلى 1.4 دينار (0.5 دولار) للكيلوغرام من 1.150 دينار.
وترى أوساط سياسية تونسية أن حكومة المشيشي ستتحمل لوحدها مسؤولية تلك الزيادات والإجراءات الرامية وفقا لهؤلاء لاسترضاء المانحين الدوليين فقط.
كيف ستتعامل الحكومة التونسية مع تداعيات إجراءاتها؟
وقال رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق إن “الحكومة ماضية في حلحلة الأزمة الاقتصادية على حساب قوت الشعب، وخاصة الطبقات الضعيفة والوسطى وحتى أجزاء من الطبقات العليا التي ينهار مستوى معيشتها دون أن تجد نقاشا أو حوارا مع الحكومة، ومن جهة أخرى لا يوجد أي برنامج لإقلاع اقتصادي من أجل حلحلة حقيقية للأزمة، مشكلتهم الوحيدة كيفية إرضاء الدائنين لمنحهم قروضا جديدة لتزيد بذلك في تدهور المعيشة ورفع الأسعار”.
وأوضح مرزوق في تصريح لـ”العرب”، أن “الحكومة الحالية التي لم نفهم بها صيغتها هل هي حكومة مستقلة أم حكومة محاصصة؟ من الواضح أنه ليس لها أي تواصل مع الناس والشعب لذلك هي تتخذ قرارات هكذا دون أن تقدم حلولا أو تضحيات أولية في انتظار تحسن الوضع، هي ماضية في حلحلة الأزمة على حساب قوت الناس”.
وتابع “ونحن في حركة مشروع تونس طبعا نرفض هذه السياسة ونحمل الحكومة مسؤولية التداعيات الاجتماعية لهذه الزيادات، وكل تأزيم للوضع الاجتماعي المتفجر أصلا، ونحن دعونا من نوفمبر 2019 ومايو 2020 إلى حوار وطني اقتصادي وإدماج الجميع في اتفاق حول خطة اقتصادية لكن لا حياة لمن تنادي، لأن الأطراف التي هي في الحكم مهتمة بصراعاتها فقط، وللأسف يوما بعد يوم تدخل تونس السيناريو اللبناني: تفكك السلطة وانهيار اقتصادي ما يؤدي إلى أزمة اجتماعية حادة، تونس انتقلت من مسار الانتقال الديمقراطي إلى مسار الانحلال”.
ويُساير خبراء اقتصاديون مرزوق في رأيه، حيث يشدد هؤلاء على أن الهدف من الزيادات إرضاء المانحين الدوليين على غرار صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
واعتبر الأستاذ الجامعي الباحث في الاقتصاد آرام بالحاج أن “الحكومة أقدمت على إقرار زيادات مشطة في الماء والسكر والنقل، وزيادة أخرى منتظرة في المحروقات، لإثبات حسن نواياها وتسهيل عملية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.
وقال بالحاج في تصريح لإذاعة “موزاييك أف.أم” المحلية إن حجم الزيادات مخيف، موضحا أن “قيمة الزيادات الأخيرة غير مدروسة” ومؤكدا أن وجود مفاوضات مع صندوق النقد الدولي سرع في إقرار الزيادات بشكل ارتجالي.
وفي المقابل، يرى خبراء أن القرارات كانت مدروسة حيث جرى الترتيب لها بالتوازي مع التفاوض مع المانحين الدوليين.
وقال الخبير الاقتصادي الصادق جبنون، وهو كذلك الناطق باسم حزب قلب تونس (الممثل في الائتلاف الحاكم) “من يقول إن الزيادات غير معلن عنها خاطئ لأنه معلن عنها منذ مدة، عندما نتحدث عن مفاوضات مع صندوق النقد من أجل إعادة هيكلة منظومة الدعم فإنه من المعلوم أنه سيقع إقرار زيادات، ومواد في الدعم يتمتع بها أشخاص لا يستحقون الدعم وهم ليسوا من الطبقات الفقيرة”.
وأردف جبنون لـ”العرب” أن “العجز في الميزانية تجاوز الـ10.5 في المئة فاقم المشكلة وهناك استحقاقات متراكمة على الميزانية ما يعني ضرورة الاقتراض الآن، ومبلغ الاقتراض ارتفع الآن إلى 20.5 مليار دينار عوض 18 الذي كان مبرمجا، هناك صعوبة في الحصول وتعبئة الموارد المالية لذلك كان من الضروري إجراء هذه التعديلات”.
وشدد على أن “هناك في المقابل اتفاقا تحدث عنه حتى صندوق النقد عن مبالغ مالية ستُصرف للطبقات الفقيرة عبر بطاقة الأمان الاجتماعي وأيضا يتم النقاش حول إمكانية القيام ببعض الزيادات في الأجور كصيغة تعديلية”.
العرب