قد تكون عبارة “هذه المرة مختلفة” هي أخطر الكلمات في عالم الأعمال، فقد فُقدت مليارات الدولارات بسبب المراهنة على أن التاريخ لن يعيد نفسه. مع ذلك، في عالم النفط، يبدو أن التاريخ لن يتكرر حقا.
يقول الكاتب خافيير بلاس، في تقريره الذي نشره موقع “بلومبيرغ” (bloomberg) الأميركي إن شركات النفط -لأول مرة منذ عقود- لا تتعجّل في زيادة الإنتاج لملاءمة ارتفاع أسعار النفط، مع بلوغ خام برنت مستوى 71 دولارا.
ويضيف: حتّى في بيرميان -حوض الصخر الزيتي الغزير في قلب طفرة الطاقة الأميركية- يقاوم المنقبون دورة الإنفاق التقليدية للازدهار والكساد.
وبحسب الكاتب، أصبحت صناعة النفط في وضع صعب، حيث إنها مقيدة من قبل مستثمري وول ستريت الذين يطالبون الشركات بإنفاق أقل على التنقيب، في وقت يشهد مطالب برد مزيد من الأموال إلى المساهمين، واحتجاج نشطاء تغيّر المناخ ضد الوقود الأحفوري. وتعدّ شركة إكسون موبيل (ExxonMobil) نموذجا عن هذا الاتجاه، بعد هزيمتها المهينة على يد مجموعة صغيرة من النشطاء.
هذه الأحداث الدراماتيكية تظهر كأنها فرصة لمنتجي أوبك بلس (+OPEC)، مما يمنح هذا التحالف الذي تقوده السعودية وروسيا مساحة أكبر للمناورة لإعادة إنتاجها، في وقت فشل الإنتاج من خارج أوبك في الانتعاش بأسرع مما توقعه الكثيرون.
يشار إلى أن منتجي النفط في أوبك بلس اتفقو الثلاثاء على التقيد بوتيرة التخفيف التدريجي الحالية لتخفيضات المعروض النفطي حتى نهاية يوليو/تموز المقبل، في مسعى للموازنة بين توقعات تعافي الطلب والزيادة المحتملة في الإمدادات الإيرانية.
وكانت منظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفاؤها -في إطار مجموعة أوبك بلس- قد قررت في أبريل/نيسان الماضي إعادة 2.1 مليون برميل يوميا من الإمدادات إلى السوق في الفترة من مايو/أيار الماضي إلى يوليو/تموز المقبل، توقعا لزيادة الطلب العالمي رغم ارتفاع إصابات فيروس كورونا في الهند.
وقال الأمين العام لأوبك محمد باركندو إنه لا يتوقع أن تتسبب زيادة المعروض الإيراني في مشكلات، متى توصلت طهران إلى اتفاق نووي مع القوى الغربية في مقابل تخفيف العقوبات النفطية.
وما زالت أوبك بلس تتوقع أن يقفز الطلب على النفط 6 ملايين برميل يوميا في 2021 -بما يعادل 6% من الاستهلاك العالمي- مع تعافي العالم من جائحة كوفيد-19.
يقول الكاتب في تقريره بموقع بلومبيرغ إن المساهمين من شركة إكسون موبيل طلبوا تقليل الحفر والتركيز على إعادة الأموال إلى المستثمرين.
وفي هذا الصدد، قال كريستوفر أيلمان كبير مسؤولي الاستثمار في نظام تقاعد المعلمين بولاية كاليفورنيا “لقد كانوا ينفقون المال في الحفر كالمجانين. لقد رأينا حقا أن الشركة تتّجه نحو الهاوية، ولن تبقى صامدة في المستقبل، ما لم يتغيروا ويتكيّفوا مع الوضع. وفي الوقت الراهن، ينبغي عليهم فعل ذلك”.
وقال الكاتب من غير المرجح أن تكون إكسون موبيل وحدها، ففي الحقيقة، خسرت شركة رويال داتش شلّ (Royal Dutch Shell) معركة قانونية تاريخية الأسبوع الماضي، عندما أمرتها محكمة هولندية بخفض الانبعاثات بشكل كبير بحلول عام 2030، وهو أمر يتطلب إنتاجا أقل للنفط.
ويخشى الكثير في الصناعة موجة من الدعاوى القضائية في أماكن أخرى، مع استهداف شركات النفط الغربية الكبرى بشكل مباشر أكثر من شركات النفط المملوكة للدولة التي تشكّل جزءا كبيرا من إنتاج أوبك، وفق ما أورد الكاتب.
لكن الكاتب يرجح أن يرتفع إنتاج النفط في بعض الدول -بعد عام 2021- بما في ذلك الولايات المتحدة والبرازيل وكندا وغويانا، المنتجة الجديدة للنفط. وفي المقابل، سيشهد الإنتاج تراجعا في دول أخرى، أبرزها المملكة المتحدة وكولومبيا وماليزيا والأرجنتين.
وقال المسؤولون التنفيذيون وبعض التجار إنه إذا استمر الإنتاج خارج أوبك بلس في التراجع بنسبة أقل من الطلب العالمي على النفط، فستسيطر المنظمة على السوق. على عكس ما حدث في السابق، عندما استجابت شركات النفط لارتفاع الأسعار بالاندفاع للاستثمار مرة أخرى، مما أدى إلى زيادة الإنتاج من خارج أوبك.
لا يزال نمو إنتاج النفط خارج أوبك بلس متراجعا في السوق. ومع استمرار جائحة فيروس كورونا في تقييد الطلب العالمي على النفط، سيستمر هذا الوضع إلى غاية أواخر هذا العام وحتى عام 2022، وفق تقرير بلومبيرغ.
وبحلول ذلك الوقت، من المحتمل أن تؤتي حملات التطعيم ضد كوفيد-19 أكلها، وينتعش الطلب العالمي على النفط، جنبا إلى جنب مع العودة المتوقعة لإيران إلى السوق. وفي المقابل، من المحتمل أن تكون هناك حاجة للمزيد من الإنتاج.
ويشير الكاتب إلى أن شركات النفط الصخري تلتزم بإعادة المزيد من الأموال إلى المساهمين من خلال توزيع الأرباح.
ويوضح أنه على الرغم من أن شركات النفط الصخري أعادت استخدام ما بين 70% و90% من تدفقاتها النقدية في عمليات الحفر الإضافية قبل انتشار الوباء، فإنها لا تزال تحافظ في الوقت الراهن على مقياسها عند حوالي 50%. ونتيجة لذلك، ظل إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة ثابتا عند حوالي 11 مليون برميل يوميًا منذ يوليو/تموز 2020.
المصدر : بلومبيرغ + رويترز