منذ نشأتها احتفظت إسرائيل بعلاقات جيدة مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وخلال السنوات الأخيرة رأت بعض الدوائر الأميركية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أضر بالعلاقات بين الدولتين بسبب شخصنته علاقاته مع الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما سهل دفع الديمقراطيين لتبني مواقف غير مسبوقة تجاه إسرائيل كما ظهر خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
اختار نتنياهو التقرب من التيار اليميني المتشدد في الحزب الجمهوري، وأثر ذلك على العلاقات الثنائية بين الدولتين، وعلى يهود أميركا، ومستقبل عملية التسوية مع الفلسطينيين، والاتفاق المزمع مع إيران.
3 مواقف غير محسوبة
في أوج المفاوضات بين إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وبين إيران في ربيع 2015، حلّ نتنياهو ضيفا على واشنطن دون أن يدعوه أوباما، بل جاء تلبية لدعوة رئيس مجلس النواب النائب الجمهوري جون بينر من أجل الحديث عن رفضه توقيع واشنطن على الاتفاق النووي.
وخرج نتنياهو عن الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، وألقى خطابا معاديا للمفاوضات، وطالب الكونغرس برفض أي اتفاق مع إيران والضغط على أوباما للانسحاب من المفاوضات.
وتسبب موقف نتنياهو واستعراضه لقوة نفوذ إسرائيل بين أعضاء الكونغرس في امتعاض كبير بين أركان إدارة أوباما، ومنهم جو بايدن نائب الرئيس حينذاك.
وبعد 6 سنوات انصاع نتنياهو لطلب من الرئيس السابق دونالد ترامب بمنع دخول عضوات مجلس النواب الديمقراطيات التقدميات إلى إسرائيل. وغرد ترامب يقول إن إسرائيل ستظهر ضعفا شديدا في حال سماحها بدخول النائبتين رشيدة طليب وإلهان عمر، اللتين قال عنهما إنهما “تكرهان إسرائيل وكل اليهود، وليس بالإمكان قول شيء أو فعل شيء لتغيير رأيهما”.
وأدى منع دخول العضوتين إلى غضب كبير بين قيادات الكونغرس حتى من القيادات الجمهورية. وعبّر بايدن، المرشح الديمقراطي في ذلك الوقت لانتخابات 2020، عن رفضه منع دخول النائبتين، وغرد “لطالما كنت مؤيدا قويا لإسرائيل، فهي شريك حيوي يشاركنا قيمنا الديمقراطية. لكن لا ينبغي أن تمنع أي ديمقراطية الزوار من الدخول على أساس محتوى أفكارهم، حتى الأفكار التي يعترضون عليها بشدة. ولا ينبغي أن يشجعهم أي زعيم للعالم الحر على القيام بذلك”.
وخلال الانتخابات الإسرائيلية الثلاثة التي أُجريت في الفترة الرئاسية الأميركية السابقة، حاول نتنياهو استمالة المزيد من الناخبين اليمينيين ممن ينظرون باعتزاز وتقدير لترامب ومواقفه الداعمة لإسرائيل. وخلال حملاته الانتخابية الأخيرة، ظهرت الكثير من الصور ومواد الدعاية الانتخابية التي تجمعه بالرئيس الأميركي السابق.
الانتخابات الإسرائيلية شأن أميركي
تدعي الولايات المتحدة وإسرائيل عدم تدخلها في الشؤون الداخلية لبعضهما، إضافة لتبني ساستهما الحياد تجاه الانتخابات التي تجري دوريا في الدولتين. إلا أن العلاقات مع أميركا ورئيسها تعد شأنا يشغل الناخب الإسرائيلي الذي يتطلع لعلاقات طيبة مع أكبر الدول الداعمة لإسرائيل.
ولطالما تباهى رؤساء وزراء إسرائيليون بعلاقاتهم الجيدة مع الرئيس الأميركي سعيا لحصد المزيد من أصوات الناخبين الذين يهتمون بعلاقات تل أبيب مع البيت الأبيض. فقد تباهى إيهود أولمرت بعلاقته الجيدة مع جورج بوش، وتباهى إيهود باراك بعلاقاته الشخصية الممتازة مع بيل كلينتون، لكن لم يتماد أي مسؤول إسرائيلي في التباهي بعلاقاته الشخصية ليس فقط بالرئيس الأميركي، بل بأركان إدارته وأفراد عائلته، كما فعل نتنياهو مع ترامب.
وبعد تنصيب جو بايدن رئيسا جديدا يوم 20 يناير/كانون الثاني الماضي، مر شهر كامل دون أن يهاتف بايدن نتنياهو ردا على تهنئته بالفوز والوصول للبيت الأبيض. وجرت العادة أن يتلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي مكالمة خلال أول 48 ساعة في حكم الرئيس الأميركي الجديد.
واعتبر المراقبون في واشنطن أن تأخر بايدن في مهاتفة نتنياهو تعبيرٌ عن استيائه من العلاقات الوثيقة بين نتنياهو وترامب. وتحدث بايدن مع أكثر من 10 من زعماء العالم الآخرين قبل مهاتفة نتنياهو.
القادم قد يكون أسوأ
عبّر الكاتب ديفيد روزكوف عن تشاؤمه من أن رحيل نتنياهو وطي صفحته يعني تلقائيا تحسنا في علاقات واشنطن مع تل أبيب، واعتبر أن التغيير في إسرائيل لن يتبعه بالضرورة تغيير واسع في السياسات أو مواقف الحكومة الإسرائيلية المتشددة. وقال روزكوف في تغريدة له “لو كان رحيل ترامب عن المكتب البيضاوي قد أدى إلى نهاية عهد ترامب، لكنت أكثر تفاؤلا بشأن هذا الأمر”.
وستمثل أول شهور الحكم للوزارة الجديدة فترة راحة لرئيس أميركي حريص على تجنب الخلاف العلني مع إسرائيل. وسوف ينشغل رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت اليميني بإدارة ائتلاف غير متجانس سياسيا. ومن المرجح أن يخفض من أي احتمالات توتر مع واشنطن، ويتخلى عن درجة الهوس التي أبداها نتنياهو تجاه إقدام واشنطن على العودة للاتفاق النووي الإيراني.
وذكّر بعض المعلقين، مثل السفير السابق لدى مصر وإسرائيل دانيال كروتزر، إدارة بايدن بألا تنسى أن بينيت يتجه أبعد إلى اليمين وأنه أكثر تشددا من نتنياهو، وعليه ألا يتوقع شهر عسل طويلا.
وغرد آرون ديفيد ميلر، مسؤول مفاوضات السلام في عدة إدارات أميركية سابقة، يقول إنه “من الصعب المبالغة في تقدير الدرجة التي سيساعد بها رحيل نتنياهو على تخفيف التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن الصعب التقليل من شأن الدرجة التي ستحافظ بها ديناميكية العلاقات في الوقت الذي تتحرك فيه إسرائيل يمينا، بينما يتحرك الديمقراطيون يسارا”.
واعتبر كروتزر في مقال نشرته صحيفة بوليتيكو (POLITICO)، أن من سيحل محل نتنياهو في الأساس ما هو إلا نسخة أكثر تطرفا، وإن كان أقل منه دهاء من الناحية السياسية.
وسيعمل بينيت ويائير لبيد، اللذان سيتناوبان على رئاسة الوزراء وعلى وزارة الخارجية، بجد لتطبيع العلاقات مع إدارة بايدن ومع الجالية اليهودية الأميركية.
وسيتطلع الرجلان، ولا سيما لبيد، إلى إصلاح العلاقات مع الديمقراطيين حتى مع الحفاظ على العلاقات الودية مع الجمهوريين التي فضلها نتنياهو.
المصدر : الجزيرة