تترقب أنقرة قمتي حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي في الشهر الحالي، لأنهما تشكلان محطتين هامتين في مسار العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وبلدان القارة الأوروبية، وذلك في ظل مجموعة من الخلافات وتضارب المصالح والتوجهات. وبات من المقرّر أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة الحلف في بروكسيل، المقرّرة في 14 يونيو/ حزيران الحالي، وتحدّث أردوغان عن أهمية هذا اللقاء بالقول “أعتقد أن اجتماعنا مع بايدن في قمة حلف شمال الأطلسي سيكون باكورة حقبة جديدة”. وفي هذا الإطار، شهدت العاصمة التركية في الآونة الأخيرة حركة دبلوماسية وتجارية، حيث قصدها مسؤولون ورجال أعمال أميركيون من أجل ترتيبات القمة، في وقت تتطلّع فيه تركيا إلى استثمارات أميركية.
والمحطة الثانية هي القمة الأوروبية المرتقبة في نهاية يونيو الحالي، والتي على جدول أعمالها مسألة مراجعة العلاقات مع أنقرة، في ضوء التزامها حيال التوتر مع اليونان وقبرص بشأن التنقيب عن موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط. ويأمل المسؤولون الأتراك باتخاذ خطوات قبل القمة الأوروبية، من أجل إتاحة فرصة إعداد أجندة أكثر إيجابيةً في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار، يلتقي أردوغان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في قمة حلف شمال الأطلسي، قبل موعد انعقاد القمة الأوروبية. وتواصل تركيا جهودها لمنع قادة أوروبا من اتخاذ موقف متشدّد ضدها في القمة المقبلة، بعدما حددوا في قمة مارس/ آذار الماضي مهلة حتى قمتهم في يونيو لمراقبة ما تقوم به تركيا لإنهاء التوتر وتقييمه. ومن المرجّح أن القمة الأوروبية سوف تتأثر بنتائج قمة أردوغان بايدن، سلبا أو إيجابا، لأن أوروبا تدرك أنها، من دون الولايات المتحدة، لا تستطيع أن تخرج بقراراتٍ ذات مفعول مباشر. وعلى الرغم من غياب مؤشّرات تحسّن في العلاقات الأميركية التركية، قدّم وزير الخارجية التركي لنظيره الأميركي خريطة طريق لحل الخلافات، ولا سيما قضية نظام إس 400 الدفاعي الذي اقتنته تركيا من روسيا، بالإضافة إلى موقف واشنطن الداعم لأكراد سورية. وكانت زيارة سفيرة الولايات المتحدة في الامم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إلى أنقرة، أول من أمس الأربعاء، علامة انفتاح أميركية تجاه تركيا.
مارست تركيا، في الآونة الأخيرة، سياسة تبريد الأجواء مع الخارج، وأبدت مرونةً ملحوظةً مع اليونان ومصر والسعودية، من أجل تخفيف تداعيات ما قد يستجدّ مع أميركا وأوروبا. وكانت المرحلة الجديدة في العلاقات التركية اليونانية قد قادت إلى زياراتٍ متبادلة لرئيسي الدبلوماسية في البلدين، وآخرها زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو إلى أثينا، مطلع الأسبوع الحالي، ردا على زيارة نظيره اليوناني نيكوس ديندياس في إبريل/ نيسان الماضي، والتي شهدت خلافاتٍ ظهرت علانية في المؤتمر الصحافي الختامي. وجاءت زيارة جاووش أوغلو لأثينا من أجل بحث الملفات والقضايا العالقة في بحر إيجة وشرق المتوسط والقضية القبرصية، والتحضير لاجتماع بين أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والذي اتفق الطرفان على عقده على هامش قمة الأطلسي الذي يوفر أرضية لامتصاص التشنّج في العلاقات بين أنقرة وأثينا، ويلعب دور المسهل لتدابير بناء الثقة. ولهذا استضاف جولة رابعة، بين وفدي وزارتي الدفاع التركية واليونانية، والهدف التمهيد لحل الخلافات العالقة بين البلدين في بحر إيجة وشرق المتوسط، ولا سيما بشأن موارد الطاقة، وتصاعد التوتر بعدما أرسلت أنقرة عدة سفن للتنقيب عن موارد الطاقة قبالة سواحل اليونان وقبرص في العام الماضي، ووقفت الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصا فرنسا، إلى جانب اليونان، التي وقعت مع إسرائيل وقبرص عددا من الاتفاقات لاقتسام غاز المتوسط، وتم استبعاد تركيا، على الرغم من أنها دولة متوسطية.
بشير البكر
العربي الجديد