اللد مركز توتر دائم بين اليهود والعرب

اللد مركز توتر دائم بين اليهود والعرب

تنتشر قوات الأمن الإسرائيلية في شوارع اللد، بعد أسابيع من اضطرابات شهدتها المدينة المختلطة عرقيا، وتخللها إضرام نيران في سيارات دوريات أمنية ومعابد يهودية ومنازل، وهو ما أثار مخاوف من نشوب حربة أهلية داخل إسرائيل.

ويعكس حجم الانتشار الأمني في اللد التي تحتضن عربا ويهودا، المخاوف من تفجر موجة اضطرابات جديدة، لاسيما وأنه لم تتم معالجة جذورها، ما ترك تلك المجتمعات في حالة استنفار وتوتر.

يقول ريفي إبراموفيتش، وهو يهودي من سكان حي رمات أشكول ذي الغالية الغربية في اللد “من الصعب بالنسبة لي أن أتكهن بما سيجري في الغد، والقول بأنني سأحظى بنفس الثقة”.

يقطن المدينة 77 ألف نسمة، حوالي ثلثهم من العرب، والكثير منهم من نسل فلسطينيين شكلوا غالبية المدينة قبل طرد جماعي

وتعتبر اللد من أقدم المدن، وتقع على بعد 16 كلم جنوب شرقي تل أبيب، ويجاورها مطار بن غوريون الدولي، الذي اضطرت السلطات الإسرائيلية قبل نحو ثلاثة أسابيع إلى تعليق الرحلات القادمة إليه وتحويل وجهتها إلى مطار آخر على خلفية موجة التصعيد في غزة.

ويقطن المدينة 77 ألف نسمة، حوالي ثلثهم من العرب، والكثير منهم من نسل فلسطينيين شكلوا غالبية المدينة قبل طرد جماعي تعرضوا له خلال حرب عام 1948.

وتعد اللد أحد أبرز معاقل اليهود المتطرفين، وقد فازت الأحزاب القومية بما في ذلك حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو بأكثر من 60 في المئة من أصوات سكان المدينة، في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في 23 مارس الماضي.

وعلى مدار السنوات الماضية اتسم الوضع في اللد بحالة من الهدوء النسبي الذي يخفي خلفه توترا مكتوما انفجر الشهر الماضي، وكشف عن مدى هشاشة الوضع في المدينة.

وأدت الاشتباكات بين شرطة القدس والمتظاهرين الفلسطينيين بالقرب من المسجد الأقصى، أحد أقدس المواقع الإسلامية، ومحاولات مستوطنين يهود طرد فلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح أحد أحياء القدس الشرقية، إلى نزول المئات من السكان العرب في اللد إلى الشوارع احتجاجًا.

ومع اندلاع الحرب بين حركة حماس وإسرائيل في غزة، وإقدام مسلح يهودي على إطلاق النار على مواطن عربي يدعى موسى حسونة (32 عامًا) انفجرت أعمال عنف استمرت أكثر من أسبوع، ووضعت المدينة في حالة طوارئ.

وانتشرت الاضطرابات المماثلة، التي غذتها سياسات التمييز وانعدام الفرص بالنسبة إلى المواطنين العرب، بسرعة إلى مناطق مختلطة أخرى في جميع أنحاء إسرائيل.

ينظر الكثير من العرب في اللد إلى المجموعة بريبة بسبب علاقاتها مع حركة المستوطنين في الضفة الغربية، ويشير السكان العرب إليهم جميعًا باسم “المستوطنين

وإلى جانب موسى حسونة قتل يغال يهوشوع (56 عامًا)، على يد مجموعة يشتبه في أنها من العرب، ولم يتم توجيه اتهامات في أي من الحالتين، حيث تقول الشرطة إن التحقيقات ما تزال جارية.

ويرى السكان العرب أن الاضطرابات التي حصلت في المدينة هي وليدة تراكمات، وأن انتخاب رائير ريفيفو القريب من مجموعة قومية متطرفة، رئيس بلدية قبل نحو ثماني سنوات شكّل نقطة تحول فارقة.

ويتهم ريفيفو، وهو عضو في حزب الليكود اليميني، بالتحريض على الكراهية ضد العرب وطرح سياسات تمييزية ومكَّن مجموعة “النواة التوراتية” بطرق ضارة.

ويعود وجود هذه المجموعة التي يطلق عليها بالعبرية “غارين توراني” في اللد إلى حوالي 25 عامًا، وقد تضخم عددها من عائلتين مؤسستين إلى أكثر من 1000 عائلة اليوم.

ولطالما هاجم رئيس بلدية اللد العرب، ووصف في ديسمبر الماضي “الجريمة في المجتمع العربي”، بأنها “تهديد وجودي لدولة إسرائيل”، زاعما أنّ “المجرمين اليهود لديهم قطرة من الرحمة فيما المجرمون العرب، لا يفهمون، وليس لديهم أي موانع”.

وحث الحكومة في أبريل الماضي على إطلاق عملية عسكرية لقمع ما أسماه بـ”كابوس إطلاق النار والانفجارات والألعاب النارية والأذان”. وقبل أيام من أحداث الشغب في 10 مايو، قام ريفيفو بجولة في اللد مع إيتامار بن جفير، وهو نائب قومي متطرف صاحب آراء معادية للعرب، مما أثار غضب السكان العرب.

تنتشر قوات الأمن الإسرائيلية في شوارع اللد بعد أسابيع من اضطرابات شهدتها المدينة المختلطة عرقيا

وقالت روث لوين تشين من “مبادرات أبراهام”، وهي مجموعة غير ربحية مقرها اللد وتعمل على تعزيز التعايش، إن سكان اللد العرب أصبحوا محبطين بشكل متزايد. واستشهدت بالفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين اليهود والعرب، وأشارت إلى التأثير المتزايد لمجموعة “نواة التوراتية”.

وينظر الكثير من العرب في اللد إلى المجموعة بريبة بسبب علاقاتها مع حركة المستوطنين في الضفة الغربية، ويشير السكان العرب إليهم جميعًا باسم “المستوطنين”.

وقالت أبراموفيتز، التي تعيش في اللد منذ ست سنوات مع زوجها، الذي ولد في المدينة وكان والداه من بين مؤسسي “نواة التوراتية” “لا أفهم سبب وضعنا في خانة المستوطنين.. فلم يأت أي شخص منها ليطرد أحدا”.

وصرح السياسي العربي محمد أبوشكري أنه خلال العقود التي قضاها في مجلس مدينة اللد، لم ير قط رئيس بلدية لمدينة مختلطة من العرب واليهود يحرض على العرب ويجلب المستوطنين. وأضاف “لقد عرفت ثمانية رؤساء بلديات في اللد، وكانت علاقتهم جميعا جيدة مع المجتمع العربي، حتى قدم ريفيفو”.

ويشكل العرب حوالي 20 في المئة من سكان إسرائيل وهم مواطنون لهم الحق في التصويت، لكنهم عانوا طويلاً من التمييز، وكثيراً ما ابتليت مجتمعاتهم بالجريمة والعنف والفقر.

وأشار تقرير صادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية عام 2018 إلى وجود تباينات في التمثيل العربي في البلديات المختلطة. وعلى الرغم من أن العرب يشكلون 30 في المئة من سكان اللد، فإن 14 في المئة فقط من موظفي البلدية هم من العرب، وأربعة فقط يمثلونهم في مجلس المدينة المؤلف من 19 عضوًا.

انتخاب رائير ريفيفو القريب من مجموعة قومية متطرفة، رئيس بلدية قبل نحو ثماني سنوات شكّل نقطة تحول فارقة في اللد

وقالت روث لوين تشين إن اللد تفتقر إلى أي مرافق “للحياة المجتمعية المشتركة”، ولا تفعل البلدية شيئًا يذكر للجمع بين العرب واليهود، حيث الاستثناء الوحيد هو نادي الملاكمة “مكابي اللد”، الذي يتدرب فيه رياضيون يهود وعرب معًا، ويقول المدرب يعقوب والاش “نحن هنا كعائلة”.

وأعربت سماح سليمة، من مؤسسة “النساء العربيات”، وهي مجموعة مناصرة ومقرها اللد، عن تفاؤلها بأن الاضطرابات ستكون “صرخة إيقاظ بأنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو”.

وقف مالك حسونة، والد الشاب العربي الذي قُتل في الاضطرابات، بجانب قبر ابنه مصرحا “إذا كان يهوديًا أو عربيًا ، فهذا دم واحد”، معربًا عن أمله في أن يعيش أحفاده بسلام مع جيرانهم اليهود”.

صحيفة العرب