تصر روسيا على إعادة أحد أهم الملفات السيادية للنظام السوري وحرمان المعارضة وحلفائها الدوليين من ملف الاستجابة الإنسانية، فضلاً عن مراوغتها بهدف الحصول على مكتسبات سياسية، وتوسيع نطاق إدارة المساعدات الإنسانية في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية.
فروسيا تنوي عرقلة قرار تمديد إدخال المساعدات عبر إغلاق معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا، بوجه المساعدات الإنسانية ما يحرم أكثر من 1.8 مليون شخص في الشمال السوري من المساعدات الغذائية، وأكثر من مليون نسمة من الخبز بشكل يومي، إضافة إلى تقليص عدد المشافي والنقاط الطبية.
وفي محاولة تركية لضمان تجنب استخدام روسيا لحق النقض في مجلس الأمن في العاشر من شهر تموز/ يوليو القادم، إزاء دخول المساعدات عن طريق «معبر باب الهوى» زار وفد رفيع من وزارة الخارجية التركية العاصمة الروسية موسكو، الاثنين، لبحث الملف السوري مع المسؤولين الروس، وبشكل خاص ملف محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
واستضافت وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء، مشاورات روسية – تركية على مستوى الخبراء بشأن التطورات الأخيرة في سوريا، ومثل نائب وزير الخارجية الروسي والمفوض الخاص للرئيس الروسي في شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، الوفد الروسي في هذه المشاورات، كما مثل نائب وزير الخارجية التركي، سادات أونال الوفد التركي.
وأكد الجانبان خلال مشاوراتهما تمسكهما بسيادة ووحدة أراضي سوريا. وعبرا عن ارتياحهما لسير تنفيذ الاتفاقيات الروسية التركية الهادفة إلى الحفاظ على نظام وقف إطلاق النار في سوريا ومكافحة الإرهابيين الدوليين المتواجدين في أراضيها. كما بحثا الاستعدادات للاجتماع الدولي الـ16 حول سوريا بصيغة أستانة. كما تم تبادل الآراء في طرق المساعدة في تنشيط العملية السياسية السورية، بما في ذلك عمل اللجنة الدستورية في جنيف وفق القرار الدولي رقم 2254.
أولويات تركية
وتصدر ملف معبر «باب الهوى» رأس أولويات الوفد التركي، الذي يحاول إقناع المسؤولين الروس بعدم استخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، ضد قرار تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود.
الباحث السياسي فراس فحام قال إن الوفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال وصل إلى موسكو لمناقشة الملف السوري، حيث من المفترض أن يركز الوفد على قضية ضمان تجنب استخدام روسيا لحق النقض في مجلس الأمن بخصوص دخول المساعدات عن طريق «معبر باب الهوى».
ورجح الباحث أن تجدد موسكو مطالبها الخاصة بفتح الطرقات الدولية، وفتح معابر بين إدلب ومناطق سيطرة النظام السوري مقابل عدم تعطيل دخول المساعدات الإنسانية من «باب الهوى». وأضاف «سبق أن اقترحت روسيا على أنقرة وواشنطن قضية فتح المعابر تحت إشراف مراقبين من الدول الثلاث، لكن تركيا والولايات المتحدة لم توافقا على المقترح».
وكان المندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا لمح في شباط/ فبراير الماضي إلى أن بلاده ستعترض على قرار تمديد التفويض، حيث تزعم كل من روسيا والصين أن المساعدات التي تمر من المعابر الدولية إلى إدلب – وهي أكثر المناطق المنكوبة في سوريا – لا حاجة لها، لأن تلك المناطق يمكن الوصول إليها عبر حصر دخول المساعدات الانسانية من خلال طرق تابعة للنظام السوري وحلفائه.
وفي 11 تموز/يوليو الماضي تبنى مجلس الأمن الدولي قرارًا قدمته البعثتان البلجيكية والألمانية، يقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود من نقطة عبور واحدة (معبر باب الهوى) ولمدة عام واحد، وذلك بعد عرقلة روسيا والصين مشروعي قرار ينصان على إدخال المساعدات من نقطتي عبور، وسبق ذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2504 (2020) في 10 كانون الثاني/ يناير يقضي بتخفيض عدد المعابر من 4 إلى 2 واقتصرت المدّة الزمنية لهذا القرار على 6 أشهر بدلاً من سنة، وذلك بعد انتهاء مفعول القرار الأممي رقم 2165 (2014) إثر رفض روسيا مشروع قرار يدعو إلى التمديد له.
عرقلة روسية
وعليه يفترض أن تناقش جلسة مجلس الأمن في تموز/ يوليو المقبل، مشروعا لتمديد إدخال المساعدات عبر إغلاق معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا، مع احتمال مناقشة مشروع قرار قد تقدمه روسيا ينص على إعادة العمل وفق الآلية الأساسية لمجلس الأمن والتي تنص على حصر تفويض نقل المساعدات الإنسانية عبر دمشق، أو على القبول بإضافة نقطة عبور جديدة تكون خاضعة لسيطرة النظام السوري.
الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم، قال أن موسكو بدأت منذ العام 2019 بمحاولة استعادة النفوذ السياسي للنظام وإعادة شرعيته، ومن ذلك موضوع المعابر، حيث «تزداد الدوافع الروسية مع زيادة سوء أوضاع النظام السوري بسبب العقوبات الانتقائية التي تطال مؤسساته من خلال قانون قيصر، الأمر الذي يدفع روسيا لمزيد من التشدد في موضوع المعابر كرد فعل».
وبناء على ما تقدم، رجح المتحدث لـ«القدس العربي» استخدام موسكو للفيتو، وقال «من المحتمل أيضاً قبولها تمديد القرار مقابل مكاسب يقدمها الأمريكيون والأتراك، من ذلك، ما بدأت به الولايات المتحدة كمحاولة لنزع التوتر مع روسيا، عبر إيقاف الاستثناء الوحيد الذي تم إعطاؤه لإحدى الشركات الأمريكية بالاستثمار في النفط السوري، تهدف روسيا حالياً إلى تحصيل مكاسب اقتصادية للنظام، من خلال إما منع تمديد قرار المساعدات عبر الحدود، ويعني هذا التحويل الى المساعدات عبر خطوط النزاع، أي عبر دمشق، مما يعني مكاسب للنظام السوري، أو تمرير القرار مقابل مكاسب أخرى أيضاً تنعش النظام، مثل فتح معابر مع المناطق المحررة والتي ستعني رئة يتنفس منها النظام».
وقبل أيام، بحثت المندوبة الأمريكية الدائمة في مجلس الأمن ليندا توماس غرينفيلد مع عدد من المسؤولين الأتراك من بينهم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الملف السوري وضرورة تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود، وزيادة عدد المعابر المخصصة لدخول المساعدات، وذلك خلال زيارة إلى تركيا، تخللها إجراء جولة على الحدود السورية، وإلى مركز الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في ولاية «هاتاي».
وحول الأهداف الروسية من حرمان المعارضة السورية من المساعدات الإنسانية، وإعادة أحد أهم الملفات السيادية للنظام السوري اعتبر الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، في حديث مع «القدس العربي» أن أهداف روسيا لا تقتصر على إعادة هذا الملف للنظام وحرمان المعارضة وحلفائها من ملف الاستجابة الإنسانية، بل للحاجة الماسة إلى توسيع نطاق إدارة المساعدات الإنسانية في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية ضمن ما يُعرف بسياسة الضغط القصوى التي يتم تنسيقها بين الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي على نحو رسمي.
وإزاء الواقع الانساني الحالي في شمال غربي سوريا وقبيل التصويت على قرار مجلس الأمن الجديد، قال فريق «منسقو استجابة سوريا» ان موسكو تحاول منذ بداية تدخلها في سوريا العمل على تقويض جهود فرض السلام والاستقرار في منطقة خفض التصعيد العسكري في محافظة إدلب السورية من خلال شن هجمات عسكرية (غير شرعية) لصالح النظام السوري وحلفائه في سوريا، ما أدى إلى تدمير واسع النطاق في المنشآت والبنى التحتية خلال الحملات العسكرية المتعاقبة على محافظة ادلب، حيث وصل عدد المنشآت المستهدفة منذ توقيع اتفاق سوتشي إلى أكثر من 634 منشأة تضمنت مدارس ومشافي وأسواقاً شعبية ومراكز خدمية ومراكز إيواء للنازحين، مما زاد من أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في مناطق شمال غربي سوريا إلى أكثر من 3.6 مليون مدني من أصل 4.3 مليون مدني يعيشون في المنطقة المذكورة.
محاولات روسية
وأضاف أن المحاولات الروسية المكثفة لإيقاف قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى المناطق المنكوبة في سوريا من خلال التحكم بالمدة الزمنية، يهدف إلى الحصول على مكتسبات سياسية أبعد ما تكون عن نطاق الإنسانية.
وشدد الفريق على ضرورة الالتزام الكامل بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بموضوع دخول المساعدات الانسانية إلى سوريا والعمل على منع الجانب الروسي القيام بتصرفات عدائية ضد السكان المدنيين من خلال العمل على فرض سياسة التجويع الممنهج بغية تحصيل مكاسب سياسية إقليمية ودولية، أو العمل خارج نطاق مجلس الأمن الدولي في حال الإصرار الروسي – الصيني على تعطيل القرارات، محذراً من تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا عامة وشمال غربي سوريا على الأخص تبعاً لإجراءات منع المساعدات، ما يتسبب بكارثة إنسانية قد تحل بالمدنيين، الأمر الذي يشكل مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين.
– إن العوائق التي تضعها روسيا في طريق المساعدات الإنسانية المقدمة للمدنيين، ستتسبب في زيادة معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة تصل إلى أكثر من 90% من السكان المقيمين في المنطقة. وازدياد حالات سوء التغذية الحاد عند الأطفال والأمهات بشكل أكبر عن النسب السابقة. وانهيارات اقتصادية متعاقبة وخاصةً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفقدان الليرة السورية قيمتها الشرائية. كما سينتج عنها ازدياد أعداد القاطنين في المخيمات، نتيجة لجوء الآلاف من المدنيين إلى الاستقرار بها وعجزهم الكامل عن التوفيق بين المأوى والغذاء وانعدام الخدمات الطبية الأساسية في المشافي والنقاط الطبية في المنطقة، وخاصة مع تزايد المخاوف من انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد COVID-19K وازدياد الحالة المأساوية ضمن المخيمات التي تخدمها المنظمات الإنسانية، بسبب العجز عن تقديم المساعدات، مع العلم أن تلك المخيمات تعاني بشكل كبير من ضعف المساعدات المقدمة.