سوريا: الطائفية والمواطنة والثنائية الجامدة

سوريا: الطائفية والمواطنة والثنائية الجامدة

هناك فرق في سوريا، بين رفض الطائفية كموقف، والعمل على التخلص منها عبر آليات ومقاربات واستراتيجيات. الموقف، ينطلق من النظري الذي يعتمد المواطنة المثالية، مقياساً لنقد كل ما هو طائفي، وإدانته واستبعاده، وجعله شراً مطلقاً.
من هنا، يصبح الطائفيون، المطلوب تحولهم لمواطنين، موضع شبهة واتهام، وهؤلاء هم شرائح واسعة من المجتمع، ذاك أن الطائفية متشكلة تاريخيا، ومتمددة ثقافيا، إذ إن البعض يعرّف نفسه بدلالة طائفته ويدور في عالمها، زواجاً وعائلة وعلاقات اجتماعية. ولأن من ينتقد الطائفية يعتمد معياراً غير متحقق أي المواطنة السورية، وهو من المفترض إن ينقلنا لمعادلة الحقوق والواجبات، بعيداً عن الانتماءات الضيقة، فنحن، على الأرجح، أسرى ثنائية جامدة، تحارب ما هو متشكل مجتمعياً، أي الطائفية، ببدائل غير متواجدة، مواطنة غير متحققة.

خروج الطائفيين من طوائفهم، لن يتم سوى بتقديم اقتراحات لانتماءات جديدة، هي نتائج، لتطورات في السياسة والاقتصاد

الخروج من هذا الاستعصاء، يستدعي تفكيراً مختلفاً عن الطائفية في سوريا، عبر تطوير الموقف الرافض لها، بوصفها تمييزاً وإلغاء للفردية، وربطه بخلق ديناميكيات لتغيير الواقع الذي استحكمت فيه الطائفية، عبر فهم مماهاة الأخيرة بتركيبة المجتمع، وبناء شروط، لجعلها أقل تأثيرا، ومع الوقت، معدومة التأثير. وهنا لابد من التمييز بين مستويين للطائفية، انتماء ثقافي – ما قبل دولاتي، وحالة مسيسة. الأول يمكن إضعافه نظرياً، بالقوانين والفضاء العمومي الحر، ووضع اقتصادي مزدهر، يؤدي لاتساع الطبقات الوسطى، لكن الثاني، غالباً ما يتسبب بحروب أهلية، ومعالجته تتطلب عقداً اجتماعياً جديداً واتفاق سلام. والطائفية في سوريا، هي نتاج الأمرين معا، حالة ما قبل دولاتية – تشد الناس إلى انتماءاتهم الأولية، تطورت، نتيجة عوامل شتى، إلى تسيس، فاحتراب أهلي. ورغم أن الأولوية، بطبيعة الحال، لسلام بين جماعات تتحارب تحت عناوين شتى، فإن ذلك، فات أوانه، لأن الحرب الأهلية في سوريا، اتخذت أبعاداً إقليمية ودولية، وباتت الجماعات جزءاً من تعقيدات المشهد، هذا لو افترضنا أن الجماعات نفسها تريد السلام. وفوات الأوان، ينسحب كذلك، على إضعاف الطائفية كانتماء أولي، ذاك أن الأخير يحتاج إلى سلام مجتمعي للبدء بخلخلته. وبالنتيجة، فإن ما يطرح بافتراضه، تفكيراً مختلفاً بالطائفية في سوريا، بات مستحيل التحقق، ما يكشف عن حلقة مفرغة وفوات زمني، سببهما، القفز على الشروط الموضوعية، والتمسك بأمنيات، عبر تحويل المواطنة إلى أيديولوجيا، بدل أن تكون، ديناميكيات، سياسية واقتصادية، وتوافقات حول الدستور. جعل المواطنة، تجريداً، حوّلها لأيديولوجيا مستحيلة التحقق.
المواطن الذي يعرف حقوقه وواجباته ويذهب لانتخاب ممثليه، انطلاقا من مصالحه وما يؤمن به من قيم، أمر أقرب إلى المثالية، ما لم يترافق مع تفكير جديد بالطائفية يلحظ امتدادها الثقافي، وتعريف الكثير من الناس لأنفسهم، بدلالتها، ما يعني أن خروج الطائفيين من طوائفهم، لن يتم سوى بتقديم اقتراحات لانتماءات جديدة، هي نتائج، لتطورات في السياسة والاقتصاد. ما كان ممكن التحقق بالأمس بخصوص الطائفية في سوريا، بات مستحيل التحقق اليوم، وطالما أن هناك تجريداً لمعنى المواطنة بدون ربطها بشرط تاريخي مرهون باقتصاد وسياسة وتشريعات، وأن هناك تعاملا مع الطائفية، بدون إدراك تمكنها المجتمعي، فإن ما سيكون ممكنناً اليوم سيصبح مستحيلاً غداً.

إيلي عبدو