فرنسا تنسحب من مواجهة الجهاديين في الساحل الأفريقي

فرنسا تنسحب من مواجهة الجهاديين في الساحل الأفريقي

باريس – أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس أن عملية فرنسا لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي ستنتهي بنهاية يونيو الجاري وستُدمج في مهمة دولية أوسع، في خطوة وصفها مراقبون بالانسحاب المقنع في وقت لا يزال فيه خطر المتشددين قائما.

ودفع تكبد قوات برخان الفرنسية لمكافحة الجهاديين في الساحل الأفريقي خسائر بشرية ولوجستية فادحة منذ العام 2013، باريس إلى إعادة التفكير في إستراتيجيتها في المنطقة خاصة وأن دعواتها لمشاركة دولية أوسع في قتال الجهاديين كثيرا ما قوبلت بـ”التجاهل” أو اقتصرت على بعض الدعم اللوجستي كالدعم الاستخباراتي التي توفره طائرات الاستطلاع الأميركية.

وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي “في نهاية المشاورات (…) سنبدأ تغييرا عميقا لوجودنا العسكري في منطقة الساحل”، معلنا انتهاء عملية برخان بوصفها “عملية خارجية” وتشكيل “تحالف دولي يضم دول المنطقة”.

ولم يعلن الرئيس الفرنسي عن ماهية التحالف الدولي الذي يسعى إلى إنشائه وهل أن الولايات المتحدة التي تحتفظ بقاعدة عسكرية للطائرات الاستخباراتية المسيرة في النيجر ستشارك في هذه المهمة الدولية بشكل فعال أم ستواصل دعم تحالف دولي ربما أوروبي – أفريقي كما هو الحال الآن مع قوات برخان.

ولا تبدي الدول الأوروبية ترحيباً ملحوظاً بالخطوة التي سبق وأن دعت إليها باريس، لاسيما في ظل رغبة العديد منها في عدم الانخراط في أية تحالفات جديدة في تلك المنطقة على نحو يمكن أن يزيد من الأعباء العسكرية التي تتعرض لها ويفرض ضغوطاً داخلية قوية على بعض الحكومات، مع ظهور اتجاهات داخلية أوروبية تدعو إلى عدم الانخراط في مثل هذه الجهود.

ويشير تشارلز جوردون المدير الإداري لشركة ميناس الاستشارية في شؤون المخاطر “أعتقد أن الولايات المتحدة تعتبر أن الساحل هو مجال فرنسا وبالتأكيد مشكلة أوروبا، وبالتالي فهي تريد أن تفعل أقل قدر ممكن هناك”.

الخسائر الفادحة للقوات الفرنسية في الساحل الأفريقي تدفع باريس إلى المغادرة ومحاولة فرض مبدأ تقاسم الأعباء

ويضيف جوردون “سواء أراد الأميركيون الانسحاب أو أرادوا خفض قواتهم، كما يحدث الآن، تزداد الحرب سوءا ويحتاج الفرنسيون إلى الأميركيين أكثر مما احتاجوا إليهم في أوقات أخرى”.

ويرى باحثون أن الانسحاب الفرنسي “المخطط له سابقا” سيجبر الولايات المتحدة على المشاركة في التحالف الدولي المنشود، ذلك أن الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الفرنسي تبدو روسيا العدوة اللدودة لواشنطن مستعدة لملئه.

ووفق هؤلاء فإن انسحاب فرنسا قد يكون فرصة للقوى الطامحة لترسيخ نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة الغنية بالموارد، كاحتياطات ضخمة من الذهب واليورانيوم والمعادن الأخرى، وروسيا جاهزة لملء الفراغ، بدليل أن عدة مظاهرات في مالي أصبحت ترفع شعارات مؤيدة لموسكو مقابل حرق الأعلام
الفرنسية.

وترغب باريس في تخفيف الأعباء العسكرية التي يفرضها انخراطها في عمليات مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة، خاصة في ظل استمرار الهجمات التي تنفذها تلك التنظيمات التي تمكنت من استهداف مناطق حيوية وغير متوقعة على غرار الهجوم الذي شهدته مالي في 2 أكتوبر 2019 عندما قامت بعض العناصر الإرهابية باستهداف معسكرين وسط البلاد في بولكيسي وموندورو، مما أسفر عن مقتل 25 جندياً على نحو أثار استياءً شعبياً واسعاً.

ويمكن أن يفرض انسحاب فرنسا تداعيات عكسية في ظل عدم قدرة الجيوش الوطنية في دول تلك المنطقة حتى الآن على مواجهة تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، لاسيما بعد تمكنها من استقطاب أعداد جديدة من الإرهابيين ورفع مستوى التنسيق في ما بينها.

ورغم بعض النجاحات التكتيكية المسجلة لا يزال الوضع قاتما في دول الساحل الأفريقي. فبعد أكثر من ثماني سنوات على بدء أزمة أمنية في شمال مالي امتدت إلى الجوار، لا يمر يوم تقريبا في دول الساحل الأفريقي من دون وقوع هجوم ضد ما تبقى من قوات السلطات أو انفجار لغم يدوي الصنع أو ممارسات تستهدف المدنيين.

العرب