من غير المتوقع أن يشكل اللقاء الذي سيجمع الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره التركي رجب طيب أردوغان بداية النهاية للخلافات التي نغصت العلاقات بين أنقرة وواشنطن في ظل تزايد التكهنات بعدم تحرك بايدن أو أردوغان لمعالجة الملفات العالقة على غرار تصرفات تركيا الأحادية التي تقوض حلف الناتو، وكذلك أزمة منظومة صواريخ أس – 400 الروسية.
واشنطن – يسود الترقب في الولايات المتحدة كما في تركيا اللقاء الذي من المرتقب أن يجمع الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره التركي رجب طيب أردوغان وسط ارتفاع منسوب التوتر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة.
ورغم التوتر الذي لم يعد خافيا بين الطرفين غير أن ما ينتظره الجميع هو ما سيتمخض عن اللقاء من نتائج في علاقة بالملفات الشائكة التي سممت العلاقة بين البلدين.
ومع ذلك يرجح مراقبون ألاّ تتطرق التقارير والبيانات الخاصة باللقاء المرتقب لتدهور العلاقات بين البلدين في ظل التزامات الطرفين خاصة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ما يؤجل حسم الخلافات في تلك الملفات.
وعادة ما تتكون البيانات الرسمية لمحادثات الرئيس الأميركي مع قادة العالم من إعلان أن المحادثات جرت، ثم تقدم تلخيصا مقتضبا لفحواها في جمل قصيرة.
وكما هو الحال في كل شيء بواشنطن، فإن هذه البيانات وقراءتها جزء من اللعبة التي يمارسها الصحافيون والمحللون والمعلقون على مواقع الإنترنت ليستشفوا حقيقة ما دار في المحادثات وطبيعة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والدولة التي كان الرئيس الأميركي يتحدث مع قائدها، سواء كان رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو ملكا.
وبالنسبة للمعنيين بالملف التركي في الولايات المتحدة فإن التقارير الخاصة باللقاء الذي سيجمع بايدن بأردوغان على هامش قمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” بالعاصمة البلجيكية بروكسل تكتسي أهمية خاصة.
فبعد أول محادثة هاتفية بين الرئيسين في أبريل الماضي، جاء البيان الرئاسي الأميركي عن المحادثة الهاتفية الذي تكون من جملتين فقط، لكي يجسد برودة العلاقات بين واشنطن وأنقرة. ولم يكن استغلال بايدن المحادثة من أجل تحذير أردوغان من أن البيت الأبيض سيعترف بالمذبحة التي ارتكبتها تركيا ضد الأرمن عام 1915 وهي الخطوة التي تعارضها تركيا بشدة منذ عقود، أمرا مفيدا.
ويرى ستيفن كوك المحلل وكبير الباحثين في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن قرار بايدن بالاعتراف بإبادة تركيا للأرمن ورغبة إدارته بشكل عام في اتخاذ موقف أشد صرامة ضد تركيا يعكس حجم الدراما التي تحيط بلقاء أردوغان وبايدن الاثنين المقبل.
عضوية على ورق في الناتو
ستيفن كوك: أنقرة تمثل مصدر قلق كبير بالنسبة إلى حلف الناتو
الحقيقة أن العلاقات بين تركيا وكلّ من الولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو ككل متدهورة منذ حوالي خمس سنوات، حيث تستعرض تركيا عضلاتها على شركائها لاسيما في البحر المتوسط ما خلق شعورا متزايدا داخل دوائر صناعة السياسة الأميركية بأن واشنطن الرسمية وصلت إلى نهاية المطاف مع الحكومة التركية.
لذلك فالسؤال الذي يطرحه ستيفن كوك في التحليل الذي نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي هو: هل سيتعامل بايدن مع أردوغان بطريقة خشنة؟ هذا الأمر بالتأكيد سيرضي مجموعة من أعضاء الكونغرس وخبراء السياسة والصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين الأتراك، لكنه من المحتمل ألا يكون كافيا إذا ما قرأ بايدن ولو على انفراد قانون أردوغان لمكافحة الشغب في تركيا.
وعلى الرغم من الهجوم العنيف على تركيا في واشنطن هذه الأيام، فإن هؤلاء الذين يتوقعون نتائج مهمة من لقاء بايدن وأردوغان سوف يصابون بخيبة الأمل.
فبايدن لا يستطيع فعل الكثير بالنسبة للمعضلة الجيوسياسية التي تمثلها تركيا، ومن غير المحتمل أن يشير بايدن إلى توتر العلاقات، على الأقل بشكل علني، لأنه يركز حاليا على إصلاح علاقات أميركا مع شركائها في حلف شمال الأطلسي. وستظل أنقرة عضوا في حلف الناتو على الورق، لكنها لم تعد شريكا منذ وقت طويل، وهذا الوضع لن يتغير في وقت قريب.
وتكمن أهمية تركيا في حلف الناتو في موقعها الجغرافي، فهي قريبة من روسيا ومن الشرق الأوسط ومنطقة البلقان، وبالتالي فهي قيمة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للجناح الجنوبي الشرقي من الحلف.
من المحتمل أن تظل أزمة منظومة صواريخ أس-400 دون حل، وسوف تستمر الشكوك الأميركية تجاه تركيا كحليف صعب
وهذا يعطي تركيا دائما قدرا من الحرية في تبني سياسات لا تتوافق تماما مع سياسات الناتو، سواء كان ذلك في صورة السلطوية الناعمة التي حكمت في أنقرة عبر أربعة انقلابات عسكرية خلال الفترة من 1960 إلى 1997، أو احتلال شمال قبرص منذ عام 1974 وحتى اليوم.
وخلال السنوات الأخيرة بدأ أردوغان الذي يعتبر تركيا قوة عظمى ملك يده، في اختبار حدود الوضع المتميز لبلاده. ويرى كوك أن الكثيرين في واشنطن لا يدركون حقيقة أن أنقرة مصدر قلق كبير بالنسبة لحلف الناتو، في ظل علاقاتها المتوترة مع الشركاء الآخرين في الحلف. ففي الصيف الماضي على سبيل المثال، دخلت تركيا في أزمة مع عضوين بالحلف وهما اليونان وفرنسا.
ووقعت تركيا اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا دون أي أساس قانوني وقسمت البحر المتوسط بالنصف تقريبا، بالإضافة إلى مرور هذه الحدود بالقرب من جزيرة كريت اليونانية، حيث يمكن أن توجد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تحت سطح البحر.
وعارضت فرنسا التي تعتبر نفسها قوة رئيسية في البحر المتوسط التحرك التركي. في الوقت نفسه بدأت تركيا من جانب واحد التنقيب عن الغاز في المياه التابعة لدولة قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي ولكنها ليست عضوا في حلف الناتو، مما دفع فرنسا واليونان إلى إعلان دعمهما العسكري لقبرص.
هناك أيضا الملف الروسي، في ظل تنامي العلاقات التجارية والدبلوماسية والعسكرية بين أنقرة وموسكو في السنوات الأخيرة، ولكنها علاقات غير مستقيمة كما يعتقد الكثيرون.
فرغم التقارب بين البلدين الذي وصل إلى شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخي الروسية أس-400 التي تعترض عليها الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى، تجد أنقرة نفسها في موقف مناقض للموقف الروسي في الكثير من الملفات الحيوية الإقليمية بدءا من الملف السوري وحتى الملف الليبي وأزمة إقليم ناغورني قرة باغ وأوكرانيا.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا اشترت تركيا منظومة صواريخ أس-400؟ ولماذا يحرص أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على احتواء خلافاتهما؟
ويقول كوك إنه يمكن العثور على إجابة هذا السؤال في بيان من وزير داخلية تركيا سليمان صويلو قبيل وصول صواريخ أس-400 إلى إحدى القواعد الجوية خارج أنقرة، حيث اعتبر الوزير المشاكس هذا اليوم “يوم استقلال” تركيا عن حلف الناتو وعن أميركا.
وأضاف “فأردوغان ووزيره وغيرهما من التيار القومي في تركيا ينظرون إلى بلادهم باعتبارها قوة أوروبية وقوة أوراسية وقوة إسلامية”.
وأخيرا يرى كوك أن “لقاء بايدن وأردوغان الاثنين المقبل سيكون باردا كما كانت المحادثة الهاتفية في أبريل الماضي، لكن قمة حلف الناتو ستنتهي كما بدأت؛ حيث ما زال القادة غاضبون من دور تركيا في تخفيف حدة رد فعل الحلف على تصرفات بيلاروس”.
ومن المحتمل أن تظل أزمة منظومة صواريخ أس-400 دون حل، وكذلك سوف تستمر الشكوك الأميركية تجاه تركيا كحليف صعب. بمعنى آخر تركيا مشكلة، ومن غير المتوقع أن يتحرك بايدن أو أردوغان لحلها في أي وقت قريب.
العرب