اغتال مسلّحون مجهولون ضابطا كبيرا بالشرطة العراقية في عملية هي الثانية في أقل من أسبوعين والتي تستهدف أحد ضباط القوات المسلّحة العراقية، ما يُنذر بدخول ظاهرة الاغتيالات في العراق منعطفا جديدا بعد أن ذهب ضحيتها على مدى الأشهر الأخيرة العديد من النشطاء المعارضين ورموز الحراك الاحتجاجي.
وقال مصدر أمني عراقي الجمعة إنّ مسلحين مجهولين اغتالوا النقيب محمد الشموسي المكلف بتنفيذ أوامر توقيف المتهمين بالفساد، في محافظة ميسان جنوبي البلاد.
وجاءت العملية بعد سلسلة من الملاحقات طالت مؤخّرا عددا كبيرا من المسؤولين المتورطين في قضايا فساد في إطار ما بدا أنّه حملة واسعة النطاق على الظاهرة التي تحولّت إلى خطر وجودي على الدولة العراقية ولم يتردّد الرئيس برهم صالح في تشبيهها بالإرهاب.
وصرح النقيب ماجد حميد في شرطة ميسان أنّ “مسلحين مجهولين يستقلون سيارة أجرة اغتالوا صباح الجمعة الشموسي قرب منزله”، في مدينة العمارة مركز المحافظة المذكورة.
وأشار حميد لوكالة فرنس برس إلى أنّ “النقيب الشموسي كان يشرف على أوامر الاعتقالات التي تصدرها هيئة النزاهة في المحافظة”، لملاحقة متهمين بالفساد الذي كلف الدولة العراقية 450 مليار دولار منذ سنة 2003 نقل ثلثها إلى خارج البلاد وتساوي نصف العائدات النفطية ومرتين إجمالي الناتج الداخلي للبلاد.
وفي مايو الماضي، قتل ضابط آخر برتبة نقيب في هجوم مماثل بعد يوم واحد من مشاركته في اعتقال مطلوبين بتهم فساد في المحافظة نفسها، وفق ما أكد مصدر في الشرطة.
وكان من بين المعتقلين حينها مسؤولون كبار بينهم مدير دائرة الضرائب في ميسان حسب المصدر نفسه.
وشهدت ميسان التي يغلب عليها الطابع العشائري خلال الفترة الأخيرة سلسلة هجمات مسلحة بينها ما تمّ بعبوات ناسفة ضدّ مسؤولين محليين بينهم قاض، يتابعون قضايا الفساد في المحافظة، وفقا للمصدر ذاته.
تعدّد عمليات اغتيال الضباط في مناطق جنوب العراق يظهر الطابع المنظم للفساد هناك بسبب انخراط الميليشيات السلّحة فيه
ويقول عراقيون إن ظاهرة الفساد في جنوب العراق والمحافظات الحدودية مع إيران تأخذ طابعا أكثر تنظيما حيث تنشط في تلك المناطق عمليات تهريب شتى أنواع السلع بما في ذلك الممنوع منها مثل المخدّرات والأسلحة.
ويؤكّد كثيرون أن ميليشيات شيعية مسلّحة تدير تلك العمليات التي تمثّل بالنسبة إليها مصدر تمويل أساسيا لأنشطتها.
وتقول قوات الأمن في العراق إنها تواجه اعتداءات على خلفية محاولاتها فرض القانون في بلد تهيمن فيه فصائل مسلحة وعشائر، ويحتلّ المرتبة 21 في العالم في سلم الفساد، حسب منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية.
وبين الحين والآخر، تصدر السلطات أوامر قبض واستدعاء بحق مسؤولين حاليين وسابقين بتهم تتعلق بالفساد كان آخرها الخميس، حيث أعلنت هيئة النزاهة توقيف 15 موظفا حكوميا بينهم مدير شركة في محافظة كركوك شمالي العراق.
وفي أغسطس الماضي شكّل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لجنة خاصة للتحقيق بملفات الفساد الكبرى، وأوكل لها مهمة التنسيق مع المحافظات لاعتقال المتهمين.
ويعتبر متابعون للشأن العراقي أن اغتيال ضباط القوات المسلّحة العراقية يتضمن رسائل إنذار وتهديد لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في أوج توتّر علاقته بالميليشيات الشيعية المعروفة باستخدام سلاح الاغتيالات لتصفية خصومها من نشطاء وسياسيين وأمنيين وغيرهم.
وتم أوائل الشهر الجاري اغتيال العقيد نبراس فورمان مدير المخابرات بمنطقة الرصافة في العاصمة بغداد.
ويرأس الكاظمي جهاز المخابرات العراقية الذي كثيرا ما كان موضع ارتياب الميليشيات الشيعية لصعوبة اختراقه من قبلها قياسا بباقي أجهزة الدولة، وهو ما يفسّر الحملات المعلنة ضدّه والتي وصلت حدّ اتّهام قياداته بـ”العمالة” لدول إقليمية وبالتواطؤ في قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد الشعبي أبومهدي المهندس مطلع العام الماضي بغارة جوّية أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
والعقيد نبراس هو ثاني ضابط في المخابرات العراقية يتمّ اغتياله في أقلّ من ثلاثة أشهر بعد المقدّم محمود ليث حسين الذي اغتيل في مارس الماضي في منطقة المنصور ببغداد.
وبلغت علاقة رئيس الوزراء العراقي الذي يشغل أيضا منصب القائد العام للقوات المسلّحة، بالميليشيات المشكّلة للحشد الشعبي منعطفا جديدا من التوتّر بعد أن قامت قوة أمنية باعتقال القيادي في الحشد قاسم مصلح للتحقيق معه بتهم تراوحت بين الفساد المالي والتورّط في اغتيال النشطاء المعارضين.
Thumbnail
وعلى إثر ذلك قامت الميليشيات باقتحام المنطقة الخضراء المحصّنة وسط بغداد، حيث يوجد أهم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية وحاصرت لفترة وجيزة مقرّ إقامة الكاظمي.
وتصاعدت عمليات الاغتيال خلال السنوات الماضية مع تصاعد حركة الاحتجاج الشعبي ضد تجربة الحكم الموصوفة بالفشل والفساد في العراق والتي تقودها بشكل رئيسي قوى شيعية من أحزاب وفصائل مسلّحة مرتبطة بها، وذات مصلحة كبيرة في حماية تلك التجربة وضمان استمرارها. واستهدفت تلك العمليات نشطاء معارضين وقادة بارزين للحراك الشعبي.
ويعتبر العراق بين أكثر دول العالم فسادا، وذلك بحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.
ويؤكّد مطّلعون على الشأن العراقي وجود حالة من الوعي بخطورة ظاهرة الفساد على تماسك الدولة واستمرارها، وهو ما يعكسه على الأقل خطاب كبار المسؤولين في الدولة على غرار الرئيس برهم صالح الذي قارن مؤخرا بين الفساد والإرهاب، لكنّهم يعتبرون أن الدولة العراقية ومؤسساتها في حالة ضعف لا تسمح لها بمحاصرة الظاهرة واجتثاثها، إذ أن بعض الجهات الفاسدة أصبحت من القوة والتمكّن بحيث تنازع أجهزة الدولة سلطاتها وهو ما ينطبق على الميليشيات المسلّحة.
وخلال الاحتجاجات الشعبية التي أصبحت منذ سنوات تتفجّر في البلاد بشكل متكرّر بسبب استشراء الفساد وتردي أوضاع البلاد، الذي كان وراءه المسؤولون الفاسدون.
ويقول الرئيس العراقي إن ما تأتّى لبلاده من عوائد النفط منذ سنة 2003 يقدّر بحوالي ألف مليار دولار أهدر معظمها وهُرّب منها إلى الخارج نحو 150 مليار دولار.
وعلى هذه الخلفية دعا صالح إلى “تشكيل تحالف دولي لمحاربة الفساد على غرار التحالف الدولي ضد داعش”، فالفساد والإرهاب “مترابطان ومتخادمان ويديم أحدهما الآخر ولا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بتجفيف منابع تمويله المستندة إلى أموال الفساد بوصفها اقتصادا سياسيا للعنف”.
صحيفة العرب