تترقب الأوساط السياسية الليبية مجدداً الخطط والقرارات الدولية التي ستُتخذ بشأن أوضاع بلادهم، والتي قد يتكشف عن جزء غير قليل منها في مؤتمر «برلين 2» المقرر عقده في 23 من الشهر الجاري. وبينما عدّه البعض «اجتماعاً لإعادة تقسيم حصص القوى الخارجية المتداخلة بالشأن الليبي، ولن ينجح في إيجاد حل توافقي»، عدّه آخرون «فرصة كبيرة لحلحلة الأوضاع الراهنة».
كما يعود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى أوروبا الأسبوع المقبل، في مسعى لتعزيز العلاقات مع حلفاء بلاده (فرنسا وألمانيا وإيطاليا)، وأيضاً للمشاركة في المؤتمر الذي تستضيفه برلين بشأن ليبيا.
من جهته، توقع عضو المجلس الأعلى للدولة الذي يوجد مقره في طرابلس، عبد القادر أحويلي، أن «يسعى كل طرف لتأمين مصالحه عبر اتفاق جديد، وهذه ليست الأزمة، الأزمة الحقيقة أنهم مستمرون بخلافاتهم وتضارب مصالحهم، وبالتالي لا نتوقع أن ينجح هذا المؤتمر في إيجاد حل توافقي قد يثمر عن معالجة للانسداد السياسي الراهن». وقال أحويلي لـ«الشرق الأوسط»: «الحالة الوحيدة التي يمكن عبرها إنقاذ هذا المؤتمر من الفشل وأن تكون له تأثيرات إيجابية على الوضع الليبي هي «إيجاد توافق بين روسيا وتركيا»، لكن للآن وكما يبدو «هناك محاولة من حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتوريط تركيا ودفعها لمواجهة روسيا فوق أراضينا، ربما منحوا تركيا حتى قبل انعقاد اجتماع (ناتو) الأخير الضوء الأخضر لاستخدام القوة ضد عناصر (فاغنر) الروسية بليبيا، وهذا في جزء منه يفسر زيارة الوفد التركي الذي ضم وزراء الدفاع والخارجية والداخلية للعاصمة طرابلس مؤخراً»، معتبراً أن «تنفيذ ذلك فعلياً سيعد خطوة غير حكيمة من الأتراك، وستُظهرهم بكونهم أداة للولايات المتحدة في ليبيا».
ويرى أحويلي أن الليبيين كانوا يتطلعون في دعم المؤتمر «لخطوات توحيد المؤسسة العسكرية؛ إلا أن ذلك بالطبع يصعب الوصول إليه في ظل استمرار التدخلات الخارجية السلبية والتي تترجم عملياً بالصراع المحتدم بين شركات النفط العالمية».
كانت «الخارجية الألمانية» قد دعت لعقد جولة جديدة من محادثات السلام الليبية ستستضيفها برلين (الأربعاء) المقبل، لمناقشة الخطوات المقبلة التي يحتاج إليها تحقيق استقرار مستدام في ليبيا، وطبقاً لبيان «الخارجية الألمانية» سيتم التركيز «على الاستعدادات للانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا». كما يتوقع أن «تمتد المناقشات لخطوات توحيد قوات الأمن الليبي».
ولم يبتعد عضو المؤتمر الوطني المنتهي ولايته، عبد المنعم اليسير، عن الطرح السابق، وإن «قصر اتهامه على تركيا في التعامل مع الوضعية الليبية ككعكة ينبغي ابتلاعها بأكملها»، رافضاً «التعويل والآمال التي يعلقها البعض على هذا المؤتمر»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «لو صدقت نيات رعاة المؤتمر لَعَمدوا من البداية إلى الضغط وترحيل القوات الأجنبية عن أراضينا وفي مقدمتها القوات التركية ومَن جلبوهم معهم من مرتزقة، بدلاً من عقد المؤتمرات المتتالية بلا جدوى»، لافتاً إلى أن «ما يحدث حالياً هو إدارة صراع ومفاوضات وصفقات مصالح بين الدول الغربية وتركيا، هم يحاولون انتزاع مزايا من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أماكن أخرى مقابل إطلاق يده في ليبيا بلا مضايقات». وأضاف اليسير: «لقد سلّموا واقتنعوا بالرسائل التي روّجها إردوغان حول أن ليبيا قد باتت مستعمرة لبلاده، وأنه بات على الجميع التعايش وتقبُّل بقاء قواته هناك، والقبول ببعض الفوائد، وضمان الحفاظ على مصالحهم، وهذا ما أقنع به الإدارة الأميركية الجديدة».
ويختلف المحلل السياسي الليبي، السنوسي إسماعيل الشريف، مع الآراء السابقة، مشيراً إلى «كيف مثّل مؤتمر برلين الأول الذي انعقد في يناير (كانون الثاني) 2020 نقطة البداية لعملية السلام الراهنة بعد سنوات من الصراع بين الفرقاء الليبيين على الرغم من تضارب مصالح الرعاة له ببلادنا»، وهو ما يعني «وجود إمكانية كبيرة في أن تقدم نسخته الثانية دفعة قوية تسهم في إرجاع القطار الليبي إلى القضبان، وتضمن وصوله لمحطته النهائية بإجراء الانتخابات العامة في ديسمبر المقبل».
وقال الشريف لـ«الشرق الأوسط» إنه «قد يكون ضرورياً أن يلوّح المؤتمر بإمكانية اللجوء لملتقى الحوار السياسي لاعتماد القاعدة الدستورية المطلوبة لإجراء الانتخابات، للضغط على كل من مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة لإنجاز القوانين الانتخابية التي تعثر إنجازها من قِبلهما للآن، ربما برغبة بعض أعضائهما في البقاء بالسلطة والتمتع بامتيازاتها… كما أنه قد يكون ضرورياً دعم أيٍّ من الأفكار الدولية المطروحة لسحب المرتزقة تدريجياً».
أما عضو مجلس النواب، محمد عامر العباني، فطالب بـ«ضرورة مشاركة وفد برلماني في أعمال المؤتمر، والذي من المقرر أن تشارك به حكومة الوحدة الوطنية»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «شعبنا بلغ سن الرشد ولا يجوز فرض الولاية عليه وتغييب إرادته بما سيُطرح من حلول ومقترحات، ولذا لا بد من مشاركة وفد يمثل السلطة الشرعية المنتخبة من كل الليبيين»، مضيفاً: «الليبيون مطالبهم محددة وهي: إجلاء القوات الأجنبية، وطرد المرتزقة، وحل الميلشيات ونزع سلاحها، وإجراء انتخابات نزيهة في موعدها المقرر، ولكونهم أكثر طرف عانى واكتوى بنيران الآثار السلبية لكل هذه الأوضاع فقد تكون لديهم رؤى جدية مقارنةً بالجميع فيما سيُطرح من مقترحات وخطط للحل».
الشرق الأوسط