ناقش المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر، أهمية فرض أوروبا والولايات المتحدة عقوبات على لبنان حتى تستفيق طبقته السياسية للواقع الصعب.
وجاء في مقاله بعنوان “العقوبات قد تجبر ساسة لبنان على الحكم” أن أحدا لا يعرف متى ستصل أزمة لبنان إلى القاع، فهي مشكلة مركبة، مالية وميزانية وديْن ومصارف واقتصاد، وصفها البنك الدولي هذا الشهر بأنها واحدة من أكبر ثلاث مشاكل كساد مرت على العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
فبعد وباء كورونا والانفجار الضخم في مرفأ بيروت العام الماضي، لا يشعر الكثير من اللبنانيين أن توافق الطبقة العائلية السياسية الفاسدة على حكومة جديدة سيحدث فرقا، علاوة على القيام بإصلاحات مطلوبة. وقال مراقب معروف للشأن اللبناني: “من الواضح عدم وجود حوافز تدفع الطبقة السياسية للتعاون وتقديم مصلحة البلد أولا”. مضيفا أن الساسة قاموا “بخنق الاقتصاد”.
ويرى غاردنر أن “المافيا الطائفية محصنة بملياراتها التي حصلت عليها بطرق غير مشروعة على حساب البؤس والجوع الذي يعاني منه الفقراء أو الطبقة المتوسطة الغارقة التي صودرت ودائعها في المصارف لأسباب عملية”.
ومنذ عام 2019، خسرت العملة المحلية نسبة 90% من قيمتها أمام الدولار. فيما مُنع المودعون من الوصول إلى حساباتهم بالعملة الصعبة (الدولار) من قبل نظام مصرفي متعسر، أقرض أموالهم إلى دولة فاسدة لا تستطيع السداد. وبحسب البنك الدولي، فقد انكمش الاقتصاد اللبناني من 55 مليار دولار في 2018 إلى 33 مليار دولار العام الماضي.
ويقدر أن نسبة 55% من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر. وربما تقلص بنسبة 10% هذا العام، مع أن الاقتصاد ينكمش بطريقة سريعة ولا أحد يمكنه معرفة ماذا سيحدث. وخسر الكثير من المودعين مدخراتهم في عمليات مصرفية “زومبي” استمرت بفضل دعم الحكومة، ولم يعودوا قادرين على الوصول إلى ودائعهم منذ عام تشرين الأول/أكتوبر 2019 عندما اندلعت الانتفاضة ضد النظام السياسي كله وأطاحت بالحكومة. وتم الإطاحة بحكومة أخرى بعد الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ بيروت الصيف الماضي، ودمر أحياء كاملة من بيروت.
ويقول الكاتب إن ثروة المصرفيين والسياسيين المرتبطين بكل المصارف الكبرى، زادت. وهذا راجع إلى سعر الفائدة الذي ارتفع بمعدلات فلكية. ففي الوقت الذي تقوم فيه المصارف حول العالم بحل معدلات الفائدة السلبية، يقوم المصرفيون في لبنان بالحصول على أرباح مشكوك فيها. وبعدما أقرضوا نسبة 70% من أرصدتهم للدولة المفلسة، مما ترك ثغرة في النظام المصرفي حيث قدرت الحكومة العام الماضي أن هناك 83 مليار دولار يمكن سدادها. وتشير التقديرات الدولية أن هناك 17 مليار دولار خرجت من لبنان عام 2020، فيما يقدر المسؤولون اللبنانيون أن 16 مليار دولار خرجت من لبنان في النصف الثاني من 2019 رغم القيود الفعلية على معظم الودائع.
ويقول غاردنر إن الجمود السياسي الحالي في لبنان الذي لا توجد فيه حكومة منذ الانفجار في بيروت قبل 11 شهرا هو آخر فصل من محاولة الطوائف السنية والشيعية والمسيحية والدرزية من بين 18 طائفة معترف بها للحصول على مميزات. وفوق كل هذا، هناك حزب الله، الجماعة الشيعية المسلحة التي تدعمها إيران، والمتحالفة مع حركة أمل الشعبية المسلحة سابقا، والتيار الوطني الحر بزعامة الجنرال السابق ميشيل عون الذي يحتل منصب الرئاسة في لبنان.
ولدى حزب الله موطئ قدم في قوات الأمن، ويسيطر على الغالبية في البرلمان، ويمارس الفيتو على التعيينات الحكومية، وهو لا يريد خسارة تحالفه المسيحي الثمين، وبات يعمل كدرع حام للطبقة السارقة “كليبتوقراطية” التي ركّعت لبنان. وتتظاهر هذه القبائل السياسية والمالية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، في وقت تحاول العرقلة من أجل تضخيم ديون لبنان ومصارفه. ففي نيسان/ أبريل، قدمت الحكومة حزمة إنقاذ كانت ستحمي 90% من المودعين المحليين والدوليين. ولكن المصرفيين والسياسيين ومدير المصرف المركزي رياض سلامة، رفضوا ما وصفه البنك الدولي في تقريره بكانون الأول/ ديسمبر “الكساد المقصود”.
ويقول الدبلوماسيون والعارفون إنه لا يوجد حديث الآن حول الأزمة، فالكل يركز على الانتخابات المقبلة وإطالة حكمهم. وهناك اعتقاد متزايد داخل وخارج لبنان أن النخبة ستجبر على المقايضة لو فرضت العقوبات على حساباتها وأرصدتها (ومعظمها في الخارج) ومُنع أفرادها من السفر. ويقوم الأوروبيون الآن بالتحضير لفرض عقوبات على من يقومون بعرقلة تشكيل الحكومة والمتورطين منهم بالفساد.
وربما وجد الاتحاد الأوروبي معوّقات من فيكتور أوربان رئيس هنغاريا، لكن لا شيء يمنع الدول الأوروبية منفردة من التحرك. وتقوم فرنسا بالتحقيق في أمر رياض سلامة الذي يقف وسط الانهيار، وربما تبع ذلك تحركات من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي كسويسرا وبريطانيا. لكن الولايات المتحدة مترددة في موضوع حاكم البنك المركزي الذي كان ينظر إليه كدعامة استقرار. وقال مسؤول: “لا نعرف إن كان زر أمان أو قنبلة موقوتة على الطاولة” لكن الولايات المتحدة بدأت باستهداف رموز رئيسية العام الماضي، ولم ينجح أي شيء في وقت ينحدر فيه لبنان نحو الهاوية.
القدس العربي