بايدن ورئيسي والخيار الوحيد

بايدن ورئيسي والخيار الوحيد

حين يسأل سائل: إيران وجّهت رسالة صارخة للولايات المتحدة، ولكن إدارة جو بايدن لا تريد سماعها، ومستمرة في استرضائها، لماذا؟ فإن الرد على سؤال من هذا النوع بيّنٌ وقصيرٌ جدا ولا يحتاج لطول جدال، ولكن يأتي بصيغة سؤال، أيضا: وما هي الخيارات الأميركية المتاحة لـ”عقلنة” النظام المتمرد المعتدي المتهور الذي أزعج المنطقة والعالم، على مدى أكثر من أربعة عقود؟

وسؤال آخر. إلى أي مدى يشكل سلوك النظام الإيراني المتغطرس المعتدي على جيرانه، والمحتل لأربع عواصم عربية، والمهدد والمقلق والمؤذي لدول وشعوب أخرى في المنطقة، تحدّياً ومَساسا بمصالح الولايات المتحدة الحيوية العليا، مثلما كان نظام طالبان في أفغانستان الذي تبنى عملية ضرب المركز التجاري الأميركي في نيويورك ومبنى البنتاغون عام 2001، مثلا؟

ويتفق الجمهوريون والديمقراطيون على اعتبار انضمام إيران إلى معسكر الدول النووية خطرا حقيقيا مستقبليا على المصالح الحيوية الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة، وعلى أمن إسرائيل، ويجب العمل على عدم تمكينها من ذلك، ولكنّ فريقا واسعا منهم يرى غير ذلك، باعتبار أن من رابع المستحيلات أن تتوهم وتتورط القيادة الإيرانية باستخدام سلاحها النووي المنتظر ضد الولايات المتحدة، أو أي سلاح آخر، أو حتى التهديد باستخدامه، ولكنهم لا يرون في تهديد عواصم المنطقة أمرا مرغوبا فيه أميركيا لمزيد من إذلال حكامها وشعوبها، وهو المطلوب.

وهذا ما يشجع هذا الفريق من السياسيين الأميركان على خفض التزام واشنطن بأمن إسرائيل إلى النصف، لأنها، في نظرهم، على مدى ثلاثة أرباع القرن لم تستطع احتلال أي عاصمة عربية ولم تفعل بالعرب المشاكسين واحدا في المئة مما فعلته إيران في سنوات معدودة، رغم كل تكلفته لأميركا من أموال وسلاح ومعارك سياسية ألحقت بمصالحها العليا أفدح الأضرار.

وقد جرب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سياسة العزل والعقوبات والخنق ضد إيران، ولكنه لم يوفق في وقف عمليات التخصيب السرية ولا العلنية، رغم فداحة الأضرار المعيشية على المواطن الإيراني، والتي لم تعبأ بها قيادة النظام، باعتبارها ثمنا لضمان مستقبل إمبراطوري فارسي تكون فيه ثروات المنطقة تحت إدارتها وحدها، دون شريك.

والخيار الوحيد أمام أي رئيس أميركي، ليس من نوع باراك أوباما وجو بايدن، هو الغزو العسكري الشامل لإسقاط النظام الإيراني، مثلما فعل الجمهوريون بالعراق، وذلك لإرضاء المتضررين من سلوك النظام الإيراني، من العرب والإسرائيليين.

ولكن هل أن غزو إيران في العام 2021 سيكون سهلا كغزو العراق في العام 2003؟

وهل كانت لصدام حسين دالة على القاعدة والتنظيمات الخارجة من رحمها؟، وهل كانت له ميليشيات مسلحة بأحدث الأسلحة منتشرة وحاكمة في المنطقة؟ وهل كان بنفس الجرأة والعناد وفي ممارسة الإرهاب بكل أنواعه ودرجاته ضد خصومه في المنطقة، كما هي إيران بقيادتها التي لا تعبأ بمخاطر هذا السلوك، مثلما كان صدام حسين؟

شيء آخر. هل أن منع إيران الحالية من احتلال دول عربية، وتهديد دول عربية أخرى، هو ما تراه الإدارة الأميركية الحالية والإدارات السابقة هدفا وأولوية؟

وهل أن انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان مسألة مبدأ لدى الأميركان؟ وهل تمويل الإرهاب وتسليحه وإدارته، مع الالتزام بعدم المساس بالمصالح الأميركية، هو ما ترى فيه واشنطن خطرا عليها يجب ردعه بقوة وسرعة ودون تردد؟

إذن والحالة هذه لم يعد أمام إدارة بايدن سوى محاولة احتواء هذا النظام، بالمغريات والترضيات، لضمان وقف تجاربه النووية غير المشروعة. وما عدا ذلك فيمكن علاجُه، ملفا ملفا، بالمهادنة والمرابحة والحوار.

ثم شكّل دخول الصين إلى المعادلة الإيرانية حافزا مضافا يجعل بايدن أكثر حرصا على منع ذهاب إيران بعيدا في الحضن الصيني، وهو ما قرَّب بينه وبين خصمه اللدود بوتين في لقائهما الأخير.

لذا فإن الاتفاق الإيراني الأميركي النووي أصبح بحكم الحاصل، رغم ما يثار حوله من مشاكسات بيانية عابرة، وانتقادات خجولة لانتخاب إبراهيم رئيسي رئيسا لجمهورية إيران، ثم خليفةً للمرشد الأعلى، بعد حين.

فقد هددت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، خلال مؤتمر صحافي بقولها “إن أي انتهاك لحقوق الإنسان سيتحمُله الرئيس الجديد رئيسي”.

ثم رد إبراهيم رئيسي بالمقابل قائلا “لن نسمح بمفاوضات استنزافية”. و”برنامج الصواريخ الباليستية ليس موضع نقاش”، وطالب واشنطن برفع كل العقوبات عن بلاده.

وهذه كلّها فقاقيع كلام لا تأخذ ولا تعطي، وما الذي تقرر حصوله سيحصل، أيا كانت اعتراضات الحلفاء العرب والإسرائيليين. فليس في الإمكان أفضل مما كان ومما سيكون.

الولايات المتحدة لم تعد هي المارد القادر على أن يفعل ما يريد، متى يريد، وأينما يريد. كما أن غرور القوة الذي دفع إدارة جورج بوش الابن إلى غزو العراق خلق واقعا جديدا معقدا في المنطقة أصبح معه صعبا، بل مستحيلا، على أي إدارة أميركية تالية تغييرُه إلا بغزو عسكري آخر، ولكنْ بخوض حرب عصابات وقتال شوارع، مباشرة وبالوكالة، وهو أمر لن تتورط واشنطن فيه من جديد.

والخلاصة أن إيران، بقيادة المعممين الذين كنا ننعتُهم بالجهل والتخلف والحماقة، زرعت ثم حصدت كما لم يزرع ولم يحصد مثلُها أحدٌ من قبل. وفي القادم من الأيام سوف تزداد إيران توسعا وعنجهية وقوة ونفوذا وثروات.

أما العرب النائمون في العسل، حكومات وشعوبا، عشاق نظرية “ابعد عن الشر وغنيله” وفلاسفة العقلانية والأدب وحسن السلوك والمجادلة بالتي هي أحسن، والخوف من المغامرة، والحرص على عدم زعل واشنطن، فهم الخاسرون.

العرب