لا شك أن إرادة الشعوب لا تقهر، حتى وإن استمرت تنزف لسنوات، وإن استعمل الطرف المعتدي شتى أنواع الأسلحة واستقوى بدول الشر ومحاور الظلام، يصبح من الضرورة أن يُقابل بما يوازيه ويجاريه من أدوات ووسائل، وتحت صوت دبابة لا يمكن لليد أن تصافح، ومع كل طلقة من المعتدي يصبح السلام استسلامًا، ويُفهم التفاوض على أنه صفقة، بين هنا وهناك برز الدب الروسي والنسر الأميركي بوصفهما قوى تارة مع “الحق” وتارة أخرى مع “الباطل” وفق مفهومنا الذي لا يعتد به في عالمهم، فالمصلحة والأمن القومي هما أعلى من أي حق وأدنى من أي باطل.
فقد ذكر أحد القادة الأميركيين، بخصوص دعمهم لأي مقاومة شعبية، وجوب توافر شروط ثلاثة حتى يقدم ذلك الدعم، وهي: وجود مصلحة لأميركا من هذا الدعم، ووجود مصلحة ورغبة في التغيير عند الشعب المراد دعمه، وأن تكون مقاومة هذا الشعب ذات قدرة على حسم الأمور لصالحها حال تم الدعم. ولو أسقطنا تلك الشروط على الوضع السوري، نجد أن جميع المؤهلات والمتطلبات اللازمة للدعم موجودة، لكن هناك ما حال من دون ذلك.
لا شك أن لأميركا مصلحة في تغيير نظام الأسد التابع للتوجه الروسي والمنحاز له، ولكن يختلف حجم هذه المصلحة تبعا للزمان والمكان، فمن مصلحة أميركا أيضا خلق جو من الاستقرار في المنطقة حفاظا على أمن إسرائيل، وقرب المكان من إسرائيل قد يخلخل القواعد ويغير الأوراق؛ ونتيجة لذلك فلا يوجد لأميركا المصلحة اللازمة والكافية لدعم أي حركة أو توجه أو سلوك ضد نظام الأسد، وعندما يذكر الدعم فالمقصود به هو الدعم الذي يحدث فرقا أي دعما “للقتال والنصر” وليس دعما “للقتال والموت”.
وإذا ما تحدثنا عن مصلحة الشعب السوري في تغيير النظام فهي جلية واضحة لا تحتاج إلى أدلة أو براهين، من تغيير في بنية الحكم “الأقلوي الطائفي” إلى أغلبية تمثل الشعب السوري وتطلعاته، ناهيك عن القمع والتمييز وسياسة الحزب الواحد والرئيس الواحد والفكر الواحد؛ فلا مجال لوجود منافس أو شريك في الحكم.
وأما ما يخص قوة المقاومة “الثوار”، فلا شك أن البيت الأبيض على علم ودراية بأن الثورة السورية في ربيعها وزهوتها قد غطت أكثر من 80% من مساحة الأرض السورية، وفق الوسائل والإمكانيات المتواضعة والمتاحة وقتها، حتى على بُعد بضعة كيلو مترات عن قصر الأمويين، ومع هذا لم يتم تزويدهم بمضادات الطائرات.
ونتيجة لهذا المشهد، سمحت أميركا للدب الروسي أن يعبث بالأوراق السورية، على الأرض وفي السماء، من دون أن تضع نهاية لهذا العبث عبر تزويد الثوار بمضادات للطائرات؛ فإذا قدمت هذه الأسلحة لكانت الحلقة الأخيرة في فصول النظام السوري ولكانت رسالة بانتهاء الدور الروسي في المنطقة، فضلا عن العين الروسية الناظرة للوجود الإسرائيلي والمتوافقة مع مصالحه من إبقاء النظام وطبيعة الحكم.
ومن خلال ربط الزمان بين مكانين مختلفين وهما سوريا وأفغانستان، حيث اللاعبون الدوليون أنفسهم إلى حد ما، نجد أن التدخل الأميركي كان جريئا حين سلمت أميركا مضادات الطيران للمقاومة الأفغانية عبر الوسيط الباكستاني، ولكن يبدو أن الأميركيين تعلموا أن الذمم لا يمكن شراؤها للأبد، حتى وإن أظهر الطرف المقابل ذلك درءًا للمفاسد والمضار وجلبا للمصالح.
وإن كانت شعارات الثورة السورية ذات صبغة دينية في طابعها العام، إلا أن المقاومة الأفغانية رفعت شعارات أكثر تشددا، ورغم ذلك لم تتردد أميركا في دعم المتشددين -إن صح التعبير- ضد السوفييت بشكل أكبر على حساب المعتدلين وقتها. ولكن الخارطة اليوم والخبرة التي اكتسبتها أميركا، علمتها أنه لا يمكنها أن تحول المقاتل والمدافع عن وطنه إلى مطية لها، ولعل أميركا اليوم لا ترغب بإعادة نفس السيناريو في المشهد السوري خاصة أن تلك المضادات قد توجه يوما ما ضد ربيبتها إسرائيل التي توحِّد البوصلة الأميركية في المنطقة، بالإضافة لخارطة التحالفات العالمية التي أصبحت هي السائدة اليوم أكثر من أي وقت مضى، فقتال دولة هو قتال حِلفها والدول الضامنة لها.
عادة تبدأ الألعاب الإلكترونية بـ”زر البدء” (START) وتنتهي بعبارة “نهاية اللعبة” (GAMEOVER)، وعلى هذا الغرار تسير لعبة الجيوش والدول؛ إذ تبدأ برسالات البداية وتلميحات مباشرة وغير مباشرة، لتنتهي بوجود عنصر مهم وإشارة لبداية النهاية ألا وهو مضادات الطيران، وهو الذي تفتقر إليه الثورة السورية. وفقدان هذا العنصر المهم أو عدم السماح بالحصول عليه لسبب أو لآخر، ما هو إلا رغبة عالمية بإبقاء النزيف السوري مستمرا والوقوف إلى جانب الجزار على حساب الضحية.