لولا أن مصر فلتت يوم 3 يوليو/تموز 2013 من مصيرها الإخواني لكان العالم العربي قد غرق كله في بحور لا تنتهي من الفوضى.
ألهذه الدرجة كان الموقف في مصر حساسا وحاسما؟
نعم. أهمية مصر على مستوى الأمن القومي العربي لا تُناقش وكانت من جهة أخرى العمود الفقري لما سُمّي بـ”الربيع العربي” الذي اتضح أنه عبارة عن مخطط قديم مرسوم بدقة لإحلال جماعات الإسلام السياسي محل الأنظمة الوطنية التي انتهت إلى الفشل بسبب انفصالها عن الشعب في أصغر متطلبات العيش التي يحتاجها للاستمرار صامتا.
في وقت سابق للربيع العربي احتاجت الولايات المتحدة من أجل إسقاط نظام صدام حسين إلى غزو العراق بعد أن جوّعت شعبه عبر حصار دولي غير مسبوق من نوعه في التاريخ طوال ثلاث عشرة سنة.
لم يكن في الإمكان إسقاط النظام الوطني العراقي وإحلال نظام شبه ديني تابع لإيران ومعاد للمحيط العربي إلا من خلال استعمال القوة المفرطة. هذا ما حدث. ويوم تمكنت الولايات المتحدة من إسقاط ذلك النظام سارعت إلى تحطيم الدولة العراقية وإلغاء الجيش العراقي لتعمّ الفوضى التي كانت غطاء لفتح الحدود العراقية وإدخال الميليشيات من إيران باعتبارها جزءا من المعارضة السابقة.
أما في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، فإن الحاجة إلى الغزو العسكري لم يكن لها ما يبرّرها. ذلك ما اعتقدته الجهات الخفية التي وقفت وراء الأحداث. لم تكن تلك التقديرات صائبة في كل مكان. غير أن ما جرى في تونس ومن ثم في مصر كان يتطابق مع الرؤية المصمّمة سلفا.
“الشعب يريد إسقاط النظام” لم يكن النظام قويا وكان الجيش على استعداد للتخلي عنه. هرب بن علي واستسلم مبارك. وفي الحالين كانت هناك خدعة تُرك الرئيس من خلالها وحيدا. أما في حالة القذافي فإن عدم استسلامه دفع حلف الناتو إلى التدخل وشنّ حربا جوية خاطفة على ليبيا انتهت بمقتل الأخ العقيد. ذلك سيناريو لم يتم تفعيله في حالة الرئيس بشار الأسد الذي أدرك أن جماعة الإخوان المسلمين إن لم تستلم السلطة في سوريا، فإن الغرب سيلجأ إلى الحل الليبي لذلك سارع إلى طلب النجدة من حليفه الروسي.
في اليمن لم تنفع فكرة الحرب الأهلية الرئيس علي عبدالله صالح ولم تنقذه من الموت. لقد قُتل من قبل أتباع إيران الذين حاول أن يستميلهم بعد عداء استمر سنينا.
بشكل عام لم تكن التجارب الثلاث الأخيرة (سوريا، ليبيا، واليمن) فاشلة بشكل مطلق. هناك نسبة من النجاح، كانت الفوضى التي ضربت البلدان الثلاثة مؤشرها. لكن النجاح في تونس ومصر لم يكن خالصا. فلتت مصر ولا تزال تونس تقاوم وإن كان الخطر لا يزال قائما وبدرجة عالية. غير أن الريادة تُحسب لمصر. ولو استعدنا تلك الأيام وبالضبط ذلك اليوم الخارق في التاريخ العربي المعاصر الذي خرج فيه المصريون تأييدا لإنهاء حكم الإخوان الذي استمر سنة واحدة لتذكرنا ذهول الإدارة الأميركية ورئيسها الإخواني باراك أوباما وعجزهما عن إخفاء مشاعر اليأس والغضب.
كان أوباما قد عمل وبشكل خفي على أن يكون تغيير الخارطة السياسية في العالم العربي واحدا من أهم إنجازاته وكان مشروع تسليم السلطة السياسية في العالم العربي لجماعات الإسلام السياسي قد انتظر باعتباره ملفا في الأدراج أكثر من ستين سنة ولم يكن تزامن ذلك الإجراء مع عقد الاتفاق النووي مع إيران قد جرى بالصدفة. كان الاتفاق صفعة موجهة إلى العالم العربي. لقد وفّرت الولايات المتحدة لإيران ما تحتاجه من أموال لتقوية شبكة ميليشياتها في المنطقة في ظل الظروف السيئة التي كان العالم العربي يعيشها.
لم يفشل مخطط الربيع العربي بالرغم من أن جماعات الإسلام السياسي لم تستلم السلطة بشكل مطلق إلا في مصر ولمدة سنة واحدة. فالفوضى التي تهيمن على عدد من الدول العربية يُمكن الاستثمار فيها أميركيا حتى الآن وفي أي وقت.
كان الرئيس دونالد ترامب يكره سياسة أوباما ويكره جماعات الإسلام السياسي. لذلك لم يحظ ذلك المخطط “المشروع” باهتمامه بل إن ما فعله وبالأخص على مستوى الانسحاب من الاتفاق النووي وإدراج عدد من المنظمات والأحزاب في قائمة التنظيمات الإرهابية كان بمثابة إعادة الروح إلى الجسد العربي.
يستحق ترامب أن يذكره العرب بخير. معه وبعد ما فعله صار الحديث عن نهاية الإسلام السياسي ممكنا. ربما يحاول الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن أن يبثّ الروح في الإسلام السياسي غير أنه سيكتشف أنه جاء متأخرا.
ليس لأن مصر خرجت من المعادلة فقط بل وأيضا لأن جماعات الإسلام السياسي فشلت عبر العشر سنوات الماضية في تقديم نموذج إنساني نزيه وعادل ورفيع المستوى وصادق ومستقيم ووطني.
كان الربيع العربي أشبه بحفلة أفاقين لصوص، فهل سيرغب بايدن في اللعب بينهم من أجل إنقاذهم؟
العرب