اختار موقع «انترسبت» الأمريكي جملة معبّرة للحديث عن وفاة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد الثلاثاء الماضي عن 88 عاما يقول: «وداعا دونالد رامسفيلد مجرم الحرب التافه» وبرّر الموقع هذا العنوان بالإشارة إلى أن رامسفيلد «نجح في القيام بأشياء فظيعة طوال حياته لكنه ظل مبتذلا للغاية» ومن ذلك إصداره في 11 أيلول/سبتمبر 2001، وهو اليوم الذي جرى فيه حدث سقوط مركز التجارة العالمي في نيويورك بعملية إرهابية، أمرا بـ«ضرب الرئيس العراقي صدام حسين» من دون أن يكون مهتما إذا كان العراق هو المسؤول عن تلك الهجمات.
اختار محرر موقع آخر، هو «دايلي بيست» التركيز على التوصيف اللاحق بعنوان «دونالد رامسفيلد: قاتل 400 ألف شخص، يموت بسلام» ورغم الرقم الفظيع الذي وضعه الكاتب فقد نبّه إلى أن ضحايا رامسفيلد «عدد كبير للغاية لا يمكن حصره» وأن الأمر المأساوي في وفاة رامسفيلد هي أنه «لم يحدث في سجن عراقي» وأنه نجا طوال حياته من عواقب القرارات التي اتخذها والتي كفلت «نهاية عنيفة ومخيفة لمئات الآلاف من البشر».
يعتبر رامسفيلد أحد أهم مهندسي الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، وقد جرى التخطيط لذلك قبل هجمات أيلول/سبتمبر بسنوات، فقد تأسست ما سمي بـ«لجنة رامسفيلد» في الكونغرس عام 1998 بعد إقرار «قانون تحرير العراق» وتحوّلت اللجنة إلى منصة للترتيب للغزو اللاحق، وركزت اللجنة على مجموعة من السيناريوهات التي تفترض حصول العراق على أسلحة نووية لاستهداف أمريكا «في وقت وجيز» وقد تطور ذلك إلى العمل، مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لتلفيق قضية امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل، وبهذا السياق فإن هجمات أيلول/سبتمبر لم تكن غير المبرّر المطلوب لبدء احتلال العراق، لكنّها أعطت ذريعة جديدة بزعم علاقة النظام العراقي بتنظيم «القاعدة».
إضافة إلى علاقته المباشرة بحربي العراق وأفغانستان فإن أحد مواريث رامسفيلد الأخرى مساهمته بتأسيس سجن غوانتنامو الذي لم تقم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بإقفاله بعد، وكذلك بإصداره أمرا مكتوبا باستخدام إحدى وسائل التعذيب هناك، وهو أمر أوقفه قرار للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عام 2009، لكن خسارة حزبه انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وسيطرة الجمهوريين على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب بعدها منعت إقفال المعتقل سيئ الصيت.
من المفهوم، ضمن هذه الخلفية، أن يتفاعل عراقيون كثيرون مع نبأ وفاة أحد رموز الاجتياح الذي دمّر بلادهم، وصاحب نظرية «الصدمة والترويع» التي استخدمت كاستراتيجية إرهاب سياسي في العراق بعد الاحتلال، وتذكر كثيرون ما خلفه الغزو من انتهاكات مريعة بحق العراقيين التي كانت فضيحة سجن أبو غريب إحدى صورها الشهيرة، وحسب نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي فإن «لعنات المفجوعين سترافقه إلى قبره».
القدس العربي