أخذت المشاهد والوقائع الميدانية أبعادا كثيرة في استمرار عمليات التعرض والرد المقابل بين المليشيات المسلحة والقوات الامريكية في الميدان العراقي وقريبا من الحدود العراقية السورية المشتركة وتصاعدت حدة هذه الأعمال بعد العملية الأخيرة التي تعرضت فيها الجماعات المسلحة على منشأت أمريكية بالقرب من مطار بغداد في 9حزيران 2021 عبرطائرة مسيرة انفجرت على مطعم يقع عند أحد مداخل المطار يستخدم من قبل دبلوماسين وجنود أمريكان ، وجاء الرد الأمريكي عبر قيام عدد من الطائرات المقاتلة بتاريخ 27 حزيران 2021 باستهداف منازل وأماكن ومخازن تتواجد فيها المليشيات المسلحة داخل الأراضي العراقية والسورية وأوقعت فيها خسائر بشرية ومادية ، وبعد أقل من 24 ساعة قامت عناصر من لمليشيات باستهداف التواجد الأمريكي بالقرب من بلدة الميادين على نهر الفرات في أقصى شرق سوريا مستخدمة قذائف المدفعية حيث المساكن القريبة والمحيطة بحقل العمر النفطي على الجهة الأخرى من النهر التي تتخذها القوات الأمريكية قاعدة عسكرية لها ومطارا عسكريا تدير فيها عملياتها الميدانية ، وكان لهذا الرد أبعاد سياسية وعسكرية وأحدث تحولا نوعيا وميدانيا في عمليات المواجهات والموازنات العسكرية بين المليشيات المسلحة التي تتلقى الدعم من قبل النظام الايراني وبين القوات الامريكية المتواجدة داخل الأراضي السورية .
أكدت هذه الفعاليات العسكرية أن الأرض العراقية وبعض مناطق الحدود المشتركة بين العراق وسوريا ستبقى مجالا وميدانا للعديد من التعرضات والعمليات بين المليشيات المسلحة الولائية وبين القوات الامريكية المتواجدة في العراق بدوافع اقليمية وضمن مشروع سياسي لتوسيع دائرة النفوذ والهيمنة وهي سلسلة من العمليات المتبادلة بين الطرفين تتأثر بتطور الأحداث السياسية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط وتمثل ايقاعا ميدانيا يؤثر ويتأثر بطبيعة الحوارات الجارية حاليا في العاصمة النمساوية (فيينا) في محاولة للوصول الى صيغة جديدة للعودة للإتفاق النووي الايراني .
ان التصعيد الأخير في المواجهات قد يهدد امكانية الاستمرار في المفاوضات التي يشرف عليها عدد من الدول الأوربية وتجري وقائعها في الجولة السادسة التي لم تحقق لحد الأن أي تقدم ملموس ولم تفضي الى نتائج حقيقية وأصبح موعد الجولة القادمة غير معلوم بل لا يمكن التكهن به بعد القرار الاخير الذي اتخذه مسؤولي النظام الايراني بعدم تجديد الاتفاق الموقع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي انتهى العمل به في 24 حزيران 2021 وطبيعة اللهجة التي استخدمت من قبل الادارة الامريكية في شرح مسببات الضربة الأخيرة بقولها (أن الضربات جاءت على منشأت مرتبطة بمليشيات لها علاقة مع ايران وهي انتقاما لتصعيد هجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت أفراد ومنشأت أمريكية ) .
جاءت رسالة الرئيس (جوبايدن) الى رئيسة مجلس النواب الامريكي (ناسي بيلوسي) لتوضح أبعاد استمرار هذه العمليات من قبل المليشيات المسلحة على عدد من المواقع والأماكن والقواعد التابعة للجيش الامريكي في العراق وان الرد الأمريكي جاء للدفاع وحماية هذه القوات واضعاف وتعطيل سلسلة الهجمات المتكررة وردع اعداد المليشيات المدعومة من ايران وأن ادارته على استعداد باتخاذ المزيد من الاجراءات ، تلقى النظام الايراني الرسالة بشئ من الحذر والريبة جاءت على لسان المتحدث الرسمي بأسم الخارجية الايرانية (سعيد خطيب) بقوله( أن اثارة القوى في المنطقة ليس في صالح الولايات المتحدة الامريكية وأن أمريكا تسير في طريق خاطئ والضربات جزء من غطرستها ).
تأتي التصريحات والمناكفات السياسية بين واشنطن وطهران خلال الأشهر الستة الماضية ضمن السياق الميداني الذي شهد بداية انطلاق الحوارات واللقاءات بين مجموعة (4 زائد واحد) والولايات المتحدة الامريكية الساعية الى ايجاد صيغة جديدة واتفاق يحظى بمقبولية الجميع حول البرنامج النووي الايراني ورافقها استمرار الهجمات على المواقع والمصالح الامريكية في العراق واتساع التأثير الميداني والعسكري والأمني للمليشيات والجماعات المسلحة ومسؤوليها في المشهد السياسي العام وعلى الأرض والميدان العراقي .
بدأت تطورات الأحداث تشكل قلقا واضحا لجميع الأطراف المشاركة في المفاوضات التي جرت في (فيينا) والتي أظهرت أن النظام الايراني لا يزال متشددا في حواراته طالبا من واشنطن رفع العقوبات كاملة ورفض الحديث عن برنامج الاسلحة البالستية والدور والمشروع السياسي للنظام الايراني في التمدد والنفوذ في المنطقة العربية ودعم وتسليح المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الايراني ، وهذا ما ترفضه ادارة الرئيس جو بايدن الذي صرح يوم 28 حزيران 2021 (أن ايران لن تحصل على سلاح نووي وهو في السلطة وأن ادارته مصممة على مواجهة نشاط ايران ودعمها لوكلائها وزعزتها للمنطقة ) ، ويرى المفاوض الأمريكي أن المواقف الايرانية مرفوضة وعليها الالتزام التام بجميع الفقرات المتعلقة بالاتفاق النووي والفقرات والمحاور المتعلقة به وبسياستها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي .
تزايد المواقف السياسية والتصعيدات العسكرية الميدانية يشير الى احتمالات أن تتأثر جولات الحوار وتتأخر جلساتها والتي تتأمل جميع الأطراف استئنافها الأسبوع القادم مع وجود تخوف من عدم قيام السلطات الايرانية بمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول الى كاميرات المراقبة المثبتة في اطار الاتفاق المبرم مع ايران والتي لم تعطي رأي في تجديده بعد انقضاء مدته في 24 حزيران 2021 ولكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الايرانية منح فرصة للعودة لهذا الاتفاق عندما أشار الى أن ايران تدرس امكانية تحديد الاتفاق التقني مع الوكالة الدولية ، وهويعلم ويستشعر حقيقة الوضع القائم في ايران وحاجة نظامه الماسة للإنتهاء من مفاوضات البرنامج النووي والاسراع برفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل النظام واضعفت منظومته الاقتصادية والمالية وزادت من حدة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية وعمقت الأزمات الداخلية في المجتمع الايراني وزادت من معاناة أبناء الشعوب الايرانية .
تبقى الحلول السياسية والمفاوضات الجارية والأراء والمقترحات الأوربية رهينة التجاذبات الأمريكية الايرانية والمصالح المشتركة على صعيد التواجد والنفوذ في العراق والمنطقة العربية وتطلعات الجانبين لتحقيق أهدافهما من استمرار المفاوضات والخروج بنتائج ترضي الطرفين وتسعى الى ايجاد ركائز وأسس ثابتة وصولا لحوارات قادمة تفضي الى نهاية تؤدي الى توقيع شامل وموافقات كاملة لجميع القضايا المطروحة .
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية