يشهد العالم استخدامًا مكثفًا لآلية العقوبات في العلاقات الدولية. ورغم أن تلك الآلية ليست بالجديدة، إلا أنها اكتسبت خلال الأعوام الأخيرة اهتمامًا وزخمًا خاصًا من جانب الفاعلين الدوليين. وفيما أقر مجلس الأمن منذ عام 1966 نحو 30 نظامًا للعقوبات بحق عدد من الدول([1])، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تنفذ حاليًا نحو 36 برنامجًا نشطًا من برامج العقوبات الأمريكية وفقًا لبيانات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية([2]). كما استخدم الاتحاد الأوروبي ودول مثل روسيا والصين واليابان آلية العقوبات بشكل واضح في الآونة الأخيرة، في دلالة على توسع ملحوظ في استخدام العقوبات الذكية الأحادية التي باتت محورًا رئيسيًا في تحديد اتجاهات التفاعلات الدولية.
المفهوم والأنماط
فيما يرجع تنفيذ العقوبات الاقتصادية إلى زمن الإغريق الذين فرضوا عقوبات تجارية على ميغارا عام 432 ق.م، فإن البلجيكي هنري لافونتين هو من وضع المفهوم النظري للعقوبات الاقتصادية عندما طرح عام 1892 فكرة العقوبات السلمية([3]).
وتُعرَّف العقوبات بأنها “إجراءات مقيدة للسلوك تفرضها دولة، أو مجموعة من الدول، أو مجلس الأمن، لإقناع فاعل ما بتغيير سلوكه وتقييده لمنعه من الانخراط في بعض الأنشطة المحظورة، ومنعه من انتهاك المعايير الدولية”([4]). كما تُعرَّف العقوبات الاقتصادية بأنها “وقف العلاقات التجارية والمالية لتحقيق أغراض تتعلّق بالسياسة الخارجية والأمنية. فهي إجراءات تتخذها الحكومات والهيئات الدولية من أجل ردع أو معاقبة أو إحراج الدول أو الكيانات الأخرى التي تُعرِّض مصالحها للخطر أو تنتهك المعايير والأعراف الدولية أو لمنعها من القيام بسلوك ما”([5]). ولتحقيق أهداف السياسة الخارجية، تتخذ العقوبات شكل حظر الأسلحة، وتخفيض وقطع المساعدات الخارجية، وفرض قيود على رأس المال، وتقييد الصادرات والواردات، وتجميد الأصول، وزيادة التعريفات، وإلغاء الوضع التجاري للدولة الأولى بالرعاية، والتصويت السلبي في المؤسسات المالية الدولية، وتخفيض العلاقات الدبلوماسية، ورفض التأشيرات، وحظر السفر، وإلغاء الروابط الجوية، وحظر الائتمان والتمويل والاستثمار([6]).
وبشكل عام يمكن القول إن العقوبات التي تفرضها الدول حاليًا هى في معظمها عقوبات ذكية تقوم على حظر التعامل الاقتصادي والتجاري مع المؤسسات والأشخاص المعاقبين – وأحيانًا تتضمن حظر تصدير منتجات أو مواد معينة إليهم – وحظر تعاملهم مع النظام المالي لهذه الدولة وتجميد أرصدتهم وممتلكاتهم وحظر دخول هؤلاء الأشخاص إلى هذه الدولة. وبشكل آخر فإنها تعمل على قطع الصلات التي يمكن أن تستفيد عبرها المؤسسات والأشخاص المحظورة من الدولة صاحبة القرار.
ويمكن تقسيم العقوبات إلى عقوبات شاملة تتضمن حظرًا واسع النطاق على التجارة والعلاقات الدبلوماسية، أو علاقات أخرى، بما يؤدي إلى تضرر المسئولين عن الأنشطة المحظورة ومواطني الدولة معًا، مثل العقوبات الأممية التي فرضت على العراق عقب غزو الكويت أو ما يعرف بحصار العراق وفقًا لقرار الأمم المتحدة رقم 661 الصادر عام 1990.وهناك عقوبات ذكية تركز على القادة وصانعي القرار وشبكات تحالفهم، أو تستهدف قطاعًا واحدًا فقط، من أجل تخفيف تأثيرات العقوبات على المواطنين. مثل العقوبات الأمريكية التي فرضت، في أغسطس 2018، على وزيري العدل والأمن الداخلي التركيين ردًّا على اعتقال القس الأمريكي أندرو برانسون([7]). وقد شهد العالم نقدًا واسعًا للعقوبات الشاملة وتطوير عدة مبادرات من أجل الانتقال إلى نظام العقوبات الذكية، وهو ما حدث بالفعل حيث يتزايد الاعتماد الآن على آلية العقوبات الذكية بدلاً من الشاملة.
كما أن هناك عقوبات رئيسية وأخرى ثانوية، فالأولى هى العقوبات التي تستهدف كيانات خارجية، بمعاقبة الشركات والمؤسسات الداخلية إذا تعاملت مع هذه الكيانات. أما العقوبات الثانوية فهى تتضمن أطرافًا ثالثة حيث تُفرض عقوبات على الأطراف الخارجية الأجنبية التي تتعامل مع الكيانات المفروض عليها عقوبات، وذلك بهدف توسيع دائرة العقوبات وزيادة فعاليتها، وتضييق الخناق على الطرف المستَهدف.
أما وفقًا لأطرافها، فإن العقوبات تنقسم على النحو التالي:
المُعاقِب: وهو الدول التي تفرض العقوبات، وتنقسم إلى نوعين رئيسيين: فإما أن تكون العقوبات المفروضة أحادية الجانب أي فرضتها دولة بمفردها، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين خلال فترة ولاية دونالد ترامب، وإما أن تكون متعددة الأطراف، سواء اتخذت عبر تنسيق مجموعة من الدول أو تحت مظلة منظمات إقليمية أو دولية كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كالعقوبات الأممية على إيران.
المُعاقَب: تنقسم العقوبات وفقًا للأطراف التي تصدر بحقها العقوبة إلى ثلاثة أنواع: الأولى هى العقوبات المفروضة على الدولة كلها كحال العقوبات الأمريكية المفروضة على كوبا، والثاني العقوبات المفروضة على قطاعات أو مؤسسات معينة وغالبًا ما تكون قطاعات نفطية أو عسكرية أو تكنولوجية أو مصرفية، والثالثة هى العقوبات المفروضة على أفراد معينين لتورطهم في جرائم من وجهة نظر الدولة فارضة العقوبات أو مخالفتهم للقانون أو للقيم التي تدعمها هذه الدولة.
القطاعات المستهدفة
من واقع تحليل اتجاهات العقوبات المفروضة من قبل الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، يمكن ملاحظة التركيز على عدد من القطاعات التي تستهدفها العقوبات الذكية للتأثير على صانع القرار، ومنها:
1- القطاع المالي والمصرفي: تستهدف العقوبات الذكية القطاعات المالية والمصرفية بهدف خنق اقتصاد الدولة المستهدفة، ومنعها من الاستفادة من مزايا الانخراط في النظام المالي للدولة فارضة العقوبة أو النظام المالي العالمي والانتفاع منه. ويزداد درجة تأثير هذه العقوبات كلما زادت درجة الارتباط بين الاقتصادين، أو كلما ازدادت محورية دور اقتصاد الدولة فارضة العقوبة في النظام المالي العالمي كالحالة الأمريكية والأوروبية.
وقد أضاف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي في ديسمبر الماضي مصرف سوريا المركزي إلى قائمة الكيانات المحظورة رفقة تسعة كيانات تجارية أخرى شملتهم العقوبات، بهدف “تثبيط الاستثمار المستقبلي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، وإلزام دمشق بالعملية التي تديرها الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار المجلس 2254”. كما شملت العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي بسبب التدخل الروسي في أوكرانيا عام 2014 خمسة بنوك روسية، تملك الحكومة الروسية الحصص الأكبر فيها، من بينها بنك سبير، أكبر بنوك روسيا، بما يحد من وصول تلك البنوك إلى أسواق رأس المال الأوروبية([8]).
2- قطاع الطاقة والبتروكيماويات: ويُستَهدف هذا القطاع في الدول النفطية للضغط على الموارد التي يُرى أنها تستخدم في أنشطة غير مشروعة أو متعارضة مع مصالح الطرف المُوقِّع للعقوبات. ومن ذلك ضم الولايات المتحدة الأمريكية، في أكتوبر 2020، وزير النفط الإيراني بيجن نامدار زنكنه و7 أفراد آخرين و10 كيانات– بينهم وزارة النفط الإيرانية، والشركة الوطنية الإيرانية للنفط، وشركة الناقلات الإيرانية الوطنية – إلى قائمة العقوبات الخاصة بمكافحة الإرهاب، متهمة إياهم بتمويل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأنشطته المزعزعة للاستقرار([9]).
3- قطاع التكنولوجيا والاتصالات: تستهدف الدول قطاع التكنولوجيا والاتصالات في إطار الحرب التجارية، وكذلك في سياق اتهام شركات بتوظيف التكنولوجيا فيما يضر الأمن القومي للدولة. ولذلك فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في أكتوبر 2020، عقوبات على معهد الكيمياء والميكانيكا المركزي للأبحاث العلمية الروسي بسبب مسئوليته عن تطوير أدوات متخصصة مكنت من تنفيذ هجوم سيبراني على منشأة للبتروكيماويات في الشرق الأوسط([10]). كما فرضت الإدارة الأمريكية، في ديسمبر 2020، قيودًا على الصادرات على المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (سميك) لتقييد وصولها إلى التكنولوجيا الأمريكية بسبب علاقاتها المزعومة بالجيش الصيني([11]). وذلك بخلاف العقوبات الأمريكية المفروضة على شركة هواوي. كما استجابت بريطانيا لمخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من توظيف هواوي لشبكات الجيل الخامس في أغراض التجسس، وحددت موعدًا نهائيًا، في سبتمبر 2021، لإيقاف شركات الاتصالات تركيب معدات هواوي، على أن تستبعد معدات الشركة من البنية التحتية بالكامل بحلول عام 2027([12]).
4- القطاع العسكري: يتم فرض عقوبات على القطاع العسكري بسبب ارتكاب انتهاكات داخلية، أو مخالفة مبادئ وقوانين الدولة فارضة العقوبة، أو مخاوف الإضرار بالأمن القومي. فقد وقع دونالد ترامب، في سبتمبر 2020، أمرًا تنفيذيًا يسمح لبلاده بفرض عقوبات اقتصادية شديدة بحق كل من يقدم أسلحة تقليدية لإيران سواء أكان بلدًا أو شركة أو فردًا. وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على وزارة الدفاع الإيرانية ووزيرها أحمد حاتمي وهيئة الصناعات الدفاعية الإيرانية ومديرها. وكذلك فرضت عقوبات على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بسبب معاونته لطهران في الالتفاف على حظر السلاح الذي قررته الأمم المتحدة([13]).
كما فرضت واشنطن عقوبات على إدارة الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها إسماعيل دمير، وثلاثة موظفين مرتبطين بها وفقًا لقانون كاتسا على خلفية شراء واختبار أنقرة لمنظومة الدفاع الجوي الروسية (إس-400)، رغم التحذيرات الأمريكية. وشملت هذه العقوبات حظر كل تراخيص التصدير الأمريكية والتصاريح الممنوحة لوكالة المشتريات الدفاعية التركية([14]).
وبخلاف هذه القطاعات، فإن العقوبات الدولية الذكية تتسم أيضًا بأنها تستهدف الأفراد، إذ تؤمن هذه الآلية بدور الفرد في العلاقات الدولية، ومن ثم تضعه هدفًا للتأثير عليه وترشيد سلوكه. وغالبًا ما تستهدف صناع القرار أو دوائرهم المقربة. وعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية، في مارس 2020، عن فرض عقوبات جديدة ضد 6 شخصيات بارزة من نظام الرئيس السوري بشار الأسد بينهم وزير الخارجية فيصل المقداد، تضمنت تجميد أصولهم وحظر سفرهم إلى المملكة المتحدة، لضمان عدم استفادتهم من المملكة المتحدة بأى شكل من الأشكال، وذلك لمسئوليتهم عن “قمع الشعب السوري” أو “الانتفاع من شقائه”([15]).
لماذا تُستَخدم العقوبات الذكية؟
يمكن تفسير تزايد استخدام الدول والمنظمات الإقليمية والدولية للعقوبات الذكية في ضوء عوامل عديدة، بعضها يرتبط بآلية العقوبات ذاتها، وبعضها يتصل بأهداف الدولة، ومن تلك العوامل والأهداف:
1- بديل للعقوبات الشاملة: أدى التوسع في برامج العقوبات الشاملة خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون إلى استياء دولي تزايد في أواخر التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة مع سوء السمعة الدولية للعقوبات الشاملة. كما أدى تراجع التأييد الدولي لعقوبات مجلس الأمن المفروضة على نظام صدام حسين بوصفها تحرم المواطن العادي دون الضغط على النظام ذاته إلى اقتراح وزير الخارجية الأمريكي – حينها – كولن باول، مقاربة “العقوبات الذكية”، بهدف تجاوز الحظر الشامل إلى استهداف القادة وأصحاب النفوذ مباشرةً([16]).
ويُنظر إلى العقوبات الذكية على أنها بديل مناسب للأضرار الإنسانية والاجتماعية للعقوبات الشاملة، وعلى أنها تركز العقوبات على الأطراف الفاعلة وترشدها، حيث اكتسبت صفة الذكاء من قدرتها على إصابة هدفها بدقة دون خسائر جماعية.
2- موقف متوازن: تُعبّر العقوبات بشكل عام – والعقوبات الذكية بشكل خاص – عن موقف متوازن وصيغة وسط بين استخدام القوة المسلحة وبين المواقف الهادئة التي تقتصر على التصريحات الإعلامية والاستنكار. فتوصف العقوبات على أنها وسيلة لاتخاذ مواقف “حادة”، بدون تكلفة مرتفعة. فالعقوبات من جهة تحقق المواقف الأخلاقية والسياسية اللازمة تجاه الأطراف الأخرى كما تضمن عدم التورط في صدامات عسكرية. وتحقق ضغطًا على الأطراف الأخرى قد ينجح – إذا ما روعيت محددات معينة – في تحقيق الأهداف.
3- تلافي العسكرة: تستخدم العقوبات الاقتصادية كأداة بديلة للتدخل العسكري، ويُنظر إلى العقوبات على أنها مسار وسط بين الدبلوماسية والحرب، يتم اللجوء إليه للاستجابة للأزمات الخارجية التي يكون العمل العسكري غير مطروح لتسويتها([17])، ومنها العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على رجال أعمال ومسئولين وشركات وهيئات روسية على خلفية ضم موسكو لشبه جزيرة القرم منذ عام 2014، وهى الآليات التي نظر إليها كبديل للمواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا وحلفائها من “الانفصاليين الأوكرانيين”. فرغم رفض واشنطن لضم موسكو للقرم، إلا أنها آثرت الضغط السياسي والاقتصادي عليها، وتلافي حدوث مواجهة عسكرية مباشرة، حتى ولو كانت مواجهة محدودة.
4- الردع وتغيير السلوك: تهدف العقوباتإلى التأثير على إرادة دولة لحثها على احترام قواعد القانون الدولي، حيث تفرض الدول والهيئات الدولية العقوبات من أجل إكراه، أو ردع، أو معاقبة، أو فضح دول أو كيانات أو أشخاص تهدد مصالحها، أو تخرق قواعد السلوك الدولي وذلك بهدف حفظ وحماية القانون والسلام([18]). وبذلك فإن الهدف الأساسي للعقوبات الذكية هو الإرادة السياسية لصناع القرار، حيث تهدف العقوبات إلى التأثير على إرادة واتجاهات صنع القرار، وتغيير السلوك السياسي للفاعل الدولي نحو مسار يتفق مع القانون والمبادئ الدولية، أو مع مبادئ وقيم ومصالح ورغبات الدولة أو المنظمة فارضة العقوبة.
5- الحد من فرص تحقيق هدف غير مرغوب فيه: تهدف العقوبات إلى إيقاف مساعي فاعل دولي نحو تحقيق هدف غير مرغوب فيه من وجهة نظر الفاعل الآخر، سواء تماشى الهدف مع القانون الدولي أو لا. وفيما تسعى العقوبات الأممية والأمريكية نحو الضغط على إيران للحيلولة دون عسكرة برنامجها النووي، فإن العقوبات الأمريكية التي أقرها الكونجرس، في ديسمبر 2019، على الشركات والأفراد المتعاملين مع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي سينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق تأتي في إطار محاولة الولايات المتحدة الأمريكية للحد من النفوذ الروسي على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا، وهو ما يوفر مثالًا على توظيف العقوبات لتقليص فرص تحقيق هدف غير مرغوب فيه رغم مشروعيته، حيث سعت واشنطن نحو تعطيل الانتهاء من إنجاز المشروع رغم رفض الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر العقوبات تدخلًا أمريكيًا في سياسة الطاقة الأوروبية([19]).
6- مكافحة الإرهابوالعنف: تستخدم آلية العقوبات لمكافحة الإرهاب والحد من تمويله، ومواجهة الجماعات المسلحة. فقد فرض الاتحاد الأوروبي، في مارس 2021، عقوبات على “ميليشيا الكانيات” في ليبيا([20])، كما وقع “مركز استهداف تمويل الإرهاب” – الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي – في يوليو 2020 عقوبات على أربعة كيانات وفردين بتهمة دعم عمليات تنظيم “داعش” وتحويل الأموال لقيادات التنظيم في العراق وسوريا([21]).
7- أهداف سياسية قيمية: تأخذ بعض العقوبات صبغات سياسية قيمية – ليبرالية غالبًا– حيث تسعى إلى ترشيد سلوك الفاعل الدولي نحو ما يتفق مع بعض القيم والمبادئ أو دفعه نحو نظم حكم وسياسات داخلية معينة أو الحد من انتهاكات حقوقية. وترتبط العقوبات هنا بتعزيز الحكم الديمقراطي، والحد من الانتهاكات، وحماية حقوق الإنسان كأهداف تحرص عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وتسعى إلى تطبيقها وفقًا للرؤية الغربية الليبرالية.
وقد مدد الاتحاد الأوروبي، في فبراير 2021، لمدة عام، العقوبات على 88 فردًا في بيلاروسيا، بينهم ساسة وأفراد أمن دولة ورجال أعمال بتجميد أصولهم وحظر سفرهم إلى دول الاتحاد، وتجميد أصول سبع منظمات، وحظر على مواطني وشركات دول الاتحاد الأوروبي تزويدهم بالأموال([22]). كما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشهر نفسه فرض عقوبات ضد قادة الانقلاب العسكري في ميانمار، بهدف الضغط عليهم لتخليهم عن السلطة([23]). بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية على شخصيات وكيانات روسية على خلفية مزاعم تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني([24]).
8- دوافع اقتصادية: قد تكون العقوبات أداة من أدوات الحرب التجارية بين بلدين، كما حدث بين واشنطن وبكين، حيث سعى دونالد ترامب عبر آلية العقوبات وزيادة التعريفات إلى الضغط على الصين كى تجري تغييرات شاملة في سياساتها بشأن حماية الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا إلى الشركات الصينية والمنح الصناعية والوصول إلى السوق([25]).
9- انتهاك حظر أو عقوبات قائمة: قد تفرض الدول عقوبات جديدة على أطراف قامت بانتهاك عقوبات موجودة أو حظر قائم بالفعل، لإلزام هذه الأطراف باحترام تنفيذ هذه العقوبات، مثل فرض الاتحاد الأوروبي، في سبتمبر 2020، عقوبات على ثلاث شركات تركية وأردنية وكازاخستانية ضالعة في انتهاك حظر مبيعات الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا([26]). كما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في ديسمبر 2020، عقوبات على عدد من الشركات والسفن التجارية بدعوى مساعدتها لكوريا الشمالية في بيع إنتاجها من الفحم، وانتهاك القيود الدولية المفروضة على كوريا الشمالية بهدف كبح برنامجها النووي([27]).
10- رد فعل: تلجأ بعض الدول إلى آلية العقوبات كرد فعل على العقوبات المتخذة ضدها، محاولةً بذلك التعبير العملي عن رفض هذه العقوبات، والحفاظ على هيبتها الدولية، وكذلك الضغط على الطرف الموقع للعقوبة ومحاولة الإضرار بمصالحه أو مصالح حلفائه. ومن ذلك، إعلان الصين، في 22 مارس 2021، عن فرض عقوبات على عشرة أوروبيين– بينهم خمسة من أعضاء البرلمان الأوروبي – وأربعة كيانات ردًا على موافقة الاتحاد الأوروبي – في اليوم نفسه – على عقوبات بحق أربعة مسئولين صينيين على خلفية “قمع بكين لأقلية الإيجور”. وقد راعت الصين مع رفض العقوبات الأوروبية ووصفها كتدخل في الشئون الداخلية، اتخاذ رد فعل سريع مشابه يراعي السيادة الوطنية. وفيما شملت العقوبات الأوروبية حظر سفر وتجميد أصول المسئولين الأربعة، فإن عقوبات بكين تضمنت أيضًا حظر الدخول للصين وحظر تعامل الشركات والمؤسسات المرتبطة بهم من التعامل مع الصين([28]).
11- حماية السيادة/ سيادة القوة: يمثل فرض الولايات المتحدة الأمريكية لعقوبات على كبار المسئولين في المحكمة الجنائية الدولية – بينهم المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودة– حالة نادرة وذات دلالة. فقد فرضت واشنطن، في يونيو 2020، تقييدًا على تأشيرات الدخول لموظفي المحكمة وحظر أصولهم بسبب ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي – حينها – مايك بومبيو بأنه “محاولات غير مشروعة من المحكمة لإخضاع الأمريكيين لولايتها القضائية”، وذلك على خلفية تحقيق المحكمة فيما إذا كانت القوات الأمريكية ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان([29]). فبينما بررت الولايات المتحدة الأمريكية قرارها بأنه لحماية سيادتها من تدخلات المحكمة، فقد نُظر إلى هذه العقوبات كمحاولات أمريكية لإجبار المحكمة على التراجع عن التحقيق في الاتهامات، ورفض محاكمة قواتها على أية انتهاكات قد تُنسب إليها. وقد اتخذت إدارة الرئيس بايدن، في أبريل 2021، قرارًا بإلغاء مجمل تلك العقوبات، لكنها أكدت استمرار معارضتها لإجراء المحكمة تحقيقات في قضايا على صلة بأفغانستان أو إسرائيل.
ختامًا، تزايد استخدام الدول والمنظمات الدولية والإقليمية للعقوبات الدولية، وأضحت معظم هذه العقوبات تأخذ طابعًا “ذكيًا” من جهة، و”أحاديًا” من جهة أخرى. وتدفع العديد من العوامل المختلفة إلى لجوء الفاعلين الدوليين إلى هذه العقوبات التي تستهدف الأفراد وبعض القطاعات الفاعلة. ورغم الجدل حول فعالية هذه العقوبات، إلا أنها تصبح – وبشكل متزايد – وسيلة مفضلة لتعبير الدول عن مواقفها بحزم، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك مزايا نسبية في تطبيق هذه العقوبات ترجع في معظمها إلى دور الدولار والاقتصاد الأمريكي في النظام الاقتصادي العالمي.
عبدالمجيد أبو العلا
مركز الاهرام