القاهرة – ينتظر المصريون موسم “المانجو” كل عام بفارغ الصبر، لكنهم فوجئوا هذا العام بانخفاض إنتاجيته لتتراوح بين نحو طن إلى طن ونصف للفدان الواحد مقارنة بمتوسط الإنتاجية في السنوات الماضية الذي كان يتراوح بين 6 إلى 8 أطنان، وأرجع مهندسون زراعيون أسباب انخفاض الإنتاجية إلى ظروف طبيعية ناتجة عن تداخل الفصول، كما علق أصحاب مزارع مانجو أن السبب هو العفن الفطري.
المانجو من الفاكهة المحببة لدى المصريين، ويتجه كل أصحاب المزارع على مستوى الجمهورية إلى زراعتها، فلا تخلو أي مزرعة منها، لكن هناك أماكن في مصر تتركز فيها زراعة المانجو وتشتهر بها، مثل محافظة الإسماعيلية التي يزرع فيها المانجو على مساحة 33 ألفا و904 فدان، في حين تزرع على مساحات 17 ألفا و4 أفدنة في الشرقية، و7665 فدان في الجيزة، و4342 فدان في الفيوم، و11221 فدان في غرب النوبارية.
وكان وزير الزراعة السيد القصير قد أعلن في بيان له أن فاكهة المانجو احتلت المركز الأخير في إجمالي الصادرات المصرية خلال الفترة بين الأول من يناير/كانون الثاني 2021 حتى 29 يونيو/ حزيران 2021 بإجمالي 768 طن، في حين صدرت 40 ألف طن من إجمالي إنتاج 500 ألف طن العام السابق، مقارنة بالأعوام السابقة الذي كان يصل إجمالي الإنتاج فيها إلى أكثر من مليوني طن.
يقول عبد الرحمن حسن، مهندس زراعي ومسؤول دعم فني وتطوير محاصيل، للجزيرة إن المانجو محصول هام، ويزرع على مساحة كبرى في مصر تتعدى 300 ألف فدان، يبلغ متوسط الإنتاج السنوى من مليون إلى مليون وربع، ومتوسط صادرات مصر منها إلى الدول العربية والأوروبية من 35 إلى 55 ألف طن، وهي أرقام ضعيفة مقارنة بالإنتاج، فالطلب المحلي أهم كثيرا من التصدير.
المانجو محصول هام في مصر و يزرع على مساحة كبرى تتعدى 300 ألف فدان (الجزيرة)
أسباب الانخفاض
أما عن أسباب انخفاض الإنتاجية هذا العام، فيشير حسن إلى أنها طبيعية بحته وناتجة عن تداخل الفصول وتصادف فترة التزهير ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة في أبريل/نيسان ومايو/أيار، مما أدى إلى فشل عقد الثمار وحرق وجفاف الأزهار الصغيرة مما نتج عنه انخفاض الإنتاجية، الذي يعتبر استثناء ناتجا عن كارثه طبيعية، وأكد أن ذلك الأمر قد حدث سابقا في موسم 2001 فهو أمر ليس بجديد، كما تتأثر الإنتاجية بسبب إصابة الأشجار بالصقيع مما يسبب جفافها وموتها.
ولا دخل لسبب بشري فيما حدث، فنحن منذ عدة مواسم نتحسب ونحاول تطوير التصدير والتصنيع الزراعي لمواجهة الزيادة المضطردة في الإنتاجية والمساحات المزروعة التي ستظهر الموسم القادم بإنتاج غزير إن صادف ظرفا جويا مساعدا ومناسبا.
أما بالنسبة للأسعار -يقول حسن- فهي عرض وطلب، والمانجو ليست قوتا لننزعج من ارتفاع سعرها، بل فاكهة كمالية وليست من أساسيات المعيشة للمواطن.
ويضيف حسن أن الكمية المصدرة هذا العام قد تنخفض بطبيعة الأمور لانخفاض الإنتاج والاضطرابات في أهم سوق للمانجو المصرية وهي لبنان، والتصدير لا يشمل كل الأصناف بل أصناف معينة أشهرهم “الكيت والكنت”.
ورغم ما حدث هذا الموسم، حذر من التوسع العشوائي غير المبرر لزراعات المانجو حتى لا يؤثر على اقتصاديات المحصول مستقبلا وحتى تتوفر منافذ لفوائض الإنتاج.
طريقة الزراعة
يقول استشاري زراعة الفاكهة، هاني السويدي، إن الزراعة في مصر اجتهادات ولا توجد جهة قوية لفرض الرأي الصحيح، فالزراعة تعتمد على خبرة المهندسين والاستشاريين، ويضيف “نحن المهندسين نحاول -بشتى الطرق- التواصل لتوحيد الجهود للحفاظ على الزراعة، وحذرنا كثيرا من التغيرات المناخية، وكانت هناك توعية مستمرة لذلك الأمر، لكن أغلب المزارعين استهتروا بهذا التغير، ولم يستجيبوا للتوعية”.
وأكد السويدي أن هناك احتياطات لم تُأخذ مثل تغطية الأشجار بالثيرام “الشاش الأبيض”، وضبط برامج الري والتسميد بالمزرعة، وضبط العمليات الفنية من تقصيف الشماريخ الزهرية في بعض المناطق، والتذكير بها في مناطق أخرى على حسب خريطة الطقس لكل منطقة، فما يكون صالحا لتربة ليس بالضرورة أن يكون صالح لمناخ وتربة أخرى.
وأضاف السويدي أن هناك تكاتفا لأخذ الحيطة والحذر وإجراء بعض العمليات الزراعية لتقليل الأضرار العام القادم، فسوف تتم تغطية جزء كبير من الأشجار هذا الموسم، كما تجري الآن عمليات تقليم جائر للأشجار لضبط نسبة الكربون إلى النيتروجين الموجود أو ما يطلق عليه “ريشو” مع وضع برنامج التسميد ليغلق نسبة النيتروجين بالأشجار ويرفع نسبة البرون والزنك والملبيدنيوم، وذلك لضمان حيوية حبوب اللقاح الموسم القادم، بدلا من أن تكون كفاءتها من درجة حرارة 28 نهارا و18 ليلا، نحاول أن نرفعها حتى تكون 35 درجة نهارا و 10 درجات مئوية ليلا.
وأرجع عاشور جاد، مهندس زراعي ومراقب مزارع ومشاتل بمنطقة الجيزة، أسباب انخفاض الإنتاج هذا العام إلى تغيير طريقة الزراعة، وهي طريقة الزراعة الكثيفة مما أدى إلى ضعف إنتاجية الفدان، إلى جانب الظروف المناخية، مما أدى إلى انتشار أمراض فطرية تسببت في انخفاض 60% من الإنتاج.
من أسباب انخفاض الإنتاج هذا العام تغيير طريقة الزراعة (الجزيرة)
مسؤولية وزارة الزراعة
وقال عماد أبو زيد، تاجر بسوق الجملة بمنطقة أبورواش بمحافظة الجيزة، إن انخفاض الإنتاج لهذا العام سوف يتأثر بنسبة 50% على الأقل، كما أن هناك سببين لذلك: الأول، العفن الهبابي وهو موجود منذ فترة ويعاني منه الفلاحون وأصحاب المزارع ولم تقدم وزارة الزراعة أي حلول له، أما السبب الثاني، فهو التقلبات المناخية التي طرأت هذا العام وأصابت الثمرة بصدمات فسقطت قبل موعد النضج.
ويستطرد أبو زيد قائلا إن العفن الهبابي وباء كان يجب على وزارة الزراعة محاربته مع الفلاحين وأصحاب المزارع بشكل متزامن، وذلك عبر جدول يتبعه الجميع في آنٍ واحد حتى لا ينتقل إلى ما تم علاجه، فمكافحته سهلة ولكنها تحتاج فقط إلى تزامن في وقت واحد، عن طريق القص وتفتيح الأشجار ورش صابون زراعي، وللأسف العفن الهبابي بدأ يصيب محاصيل أخرى، مثل البرتقال كما أنه يأكل سنويا نصف الزيادة في المساحات الجديدة.
وأضاف أبو زيد أنه كان من الممكن أن يتم اتخاذ احتياطات للحفاظ على إنتاج المانجو لهذا العام عن طريق الري الليلي بشكل غزير مع رش منتجات الطحالب في حالات درجات الحرارة العالية.
تكلفة عالية
يقول أبو زيد إن الجميع سوف يتأثرون بانخفاض الإنتاج خاصة المستهلك، فعلى سبيل المثال هناك أنواع في العام الماضي كان يباع الكيلو منها بـ9 جنيهات، سوف يصبح هذا العام بـ14 جنيها، وهذا سيجعل أصحاب المزارع يقومون برفع الأسعار بطريقة جنونية ليعوضوا خسائرهم.
ويضيف جمال غطاس، صاحب مزرعة مانجو بمحافظة كفر الشيخ، أن سبب تراجع الإنتاج من المانجو هو أن الحالة المناخية تغيرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، وأصبح المناخ حارا في تلك الشهور مما أدى إلى تزهير المانجو، ثم تغير المناخ مرة أخرى مما أدى إلى فساد الإنتاج، وهناك أشجار كثيرة في مزرعته لم تزهر، وبلغ إنتاج مزرعته هذا العام تقريبا ربع إنتاج الأعوام السابقة.
وأشار غطاس إلى أن مزرعته تكلفت ري وسماد ومبيدات بنحو 15 ألف جنيه، ويتوقع أن يجني منها 12 ألف فقط، مما يعني أنه لن يربح منها فحسب، بل سوف يخسر تكلفة تهيئتها.
*الجنيه يعادل تقريبا 0.06 دولار.
المصدر : الجزيرة