معركة البيضاء تخلط أوراق الحوثيين وتدفعهم للحديث عن السلام

معركة البيضاء تخلط أوراق الحوثيين وتدفعهم للحديث عن السلام

الهزيمة العسكرية التي انقاد إليها الحوثيون في محافظة البيضاء بوسط اليمن لن تكون فقط مؤثرة في خارطة السيطرة الميدانية بالبلاد، لكنّ لها تأثيرا سياسيا متوقّعا حيث تساهم في اهتزاز صورة المتمرّدين أمام المجتمع الدولي كسلطة أمر واقع وقد تدفعهم إلى تليين موقفهم من دعوات السلام وعروض وقف إطلاق النار.

عدن – تواصل المقاومة الشعبية في محافظة البيضاء وسط اليمن مسنودة بوحدات من قوات العمالقة الجنوبية تحقيق المزيد من الانتصارات على جبهتي الزاهر والحازمية والتقدم نحو مركز المحافظة، في ظل أنباء عن شروع الميليشيات الحوثية في نقل معدات وأموال باتجاه مدينة رداع ومناطق أخرى بعيدة عن مناطق المواجهات.

ووفقا لمصادر محلية في البيضاء، فقد شهدت الساعات القليلة الماضية تسارعا في وتيرة الهجمات التي قامت بها المقاومة الشعبية وقوات العمالقة لتحرير مواقع استراتيجية والاستيلاء على معدات عسكرية حوثية.

وقالت المصادر إنه تم تحرير قمّة جبل الجماجم الاستراتيجي والسيطرة على جبل حلموس الواقع بين مديريتي الزاهر وذي ناعم واستكمال تحرير مناطق الغيلمة والناصفة وانتقال المعارك من مديرية الزاهر إلى مديرية ذي ناعم الواقعة على الخط الرئيسي بين مركز المحافظة وصنعاء.

ووفقا لمدير المركز الإعلامي لمقاومة البيضاء مصطفى البيضاني فقد تمكنت المقاومة وقوات العمالقة من تحرير نقطة أبوهاشم الريامي بمديرية ذي ناعم والعديد من التباب والمواقع الواقعة بين موقع نقطة أبوهاشم ومناطق آل حميقان، إضافة إلى تحرير موقع كتف البعير وأجزاء واسعة من منطقة يفعان والدريعاء بمديرية ذي ناعم، مع ورود أنباء عن حشد الميليشيات الحوثية لمجاميع قبلية بهدف القيام بهجوم معاكس.

وأظهرت صور وزّعها المركز الإعلامي للمقاومة وقوات العمالقة السيطرة على معدات عسكرية حوثية من بينها دبابات وعربات مصفحة وذخائر ثقيلة.

وأشار البيضاني إلى أن جبهات أخرى شهدت تصاعدا في وتيرة الهجوم على الحوثيين بالتوازي مع الانتصارات التي تحققت في جبهة الزاهر-ذي ناعم، حيث تدور مواجهات عنيفة في جبهة ثرة-مكيراس على الطريق الرئيسي الرابط بين محافظتي البيضاء وأبين.

كما نفذت قوات العمالقة والمقاومة الشعبية هجوما كبيرا في جبهة الحازمية على مواقع ميليشيات الحوثي بمديرية الصومعة، الأمر الذي أسفر عن تحرير مناطق المسحر والوصول إلى حدود مديرية البيضاء الشرقية ومدينة عوين بعد تحرير منطقة عقرامة الصغرى ومنطقة شوكان.

وكشف وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني الثلاثاء عن عمليات نهب تقوم بها ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران للمصالح والبنوك في مدينة البيضاء.

وقال الإرياني في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية إن ميليشيا الحوثي تقوم منذ صباح الثلاثاء بنهب العشرات من المليارات من فروع البنك المركزي اليمني وبنك التسليف التعاوني والمكاتب التنفيذية والإرادية في مدينة البيضاء العاصمة الإدارية للمحافظة على متن أطقم ونقلها إلى خارج المحافظة.

وأشار الإرياني إلى أن المعلومات الواردة من مصادر في المدينة تؤكد قيام قيادات ومشرفي ميليشيا الحوثي ببيع عدد من العقارات ونقل عوائلهم والفرار من مدينة البيضاء باتجاه مدينة رداع.

وأضاف “هذه التحركات تتم بالتزامن مع ضغوط تمارسها ميليشيا الحوثي على المشائخ والقبائل في المديريات الخاضعة لسيطرتها بمحافظة البيضاء لحشد المقاتلين وتعزيز جبهاتها المنهارة”.

وأكد مراقبون أن المعارك التي تشهدها محافظة البيضاء تميزت بوجود عنصر المباغتة، حيث لم يتوقع الحوثيون تصاعد الهجوم عليهم من عدة جبهات في هذا التوقيت الذي يشعرون فيه بحالة من النشوة العسكرية في ظل هجماتهم المتواصلة على محافظة مأرب وتوقف كل الجبهات الأخرى.

وتوقع مراقبون أن تستهدف المرحلة الحالية من العملية التي أطلقت عليها الحكومة اليمنية تسمية “النجم الثاقب” تحرير مركز المحافظة والمديريات الشرقية من البيضاء عن المديريات الغربية وهو ما سيسهم في قطع خطوط الإمدادات وتحرير أكثر من نصف مساحة محافظة البيضاء على حدود محافظات أبين ولحج وبخسائر قليلة.

وتجددت المواجهات في جبهة رابعة في محافظة البيضاء هي جبهة ناطع التي انطلق منها هجوم على مواقع الحوثيين في مناطق أعشار وجبل الكبار وشعب باحواص.

ولم يخف الحوثيون على لسان ناطق حكومتهم غير المعترف بها قلقهم من الهجمات المفاجئة التي شهدتها محافظة البيضاء، والتي تهدّد بزعزعة صورتهم أمام المجتمع الدولي في أي مشاورات قادمة كطرف قوي وحيد في معادلة الشمال اليمني.

ووصف الحوثيون على لسان ناطق حكومتهم، ضيف الله الشامي ما أسموه “تصعيد دول العدوان بالبيضاء” بأنه “يكشف زيف التصريحات الأميركية عن السلام في اليمن”، في تعبير عن حالة القلق الحوثي من استمرار انهيار المواقع الحوثية في جبهات البيضاء وانتقال عدوى التمرّد على سلطتهم إلى مناطق أخرى في المحافظة المشهورة بعدائها التاريخي للفكر الإمامي الذي يأتي الحوثيون كامتداد ثقافي وسياسي له.

وفي تصريح لـ”العرب” لفت الكاتب والصحافي اليمني أحمد عباس إلى أن الانتصارات التي حققها أبناء البيضاء في الأيام الماضية ضد الميليشيا الحوثية تتميز بأصداء خاصة في الذاكرة الشعبية والسياسية لليمنيين ويرجع ذلك إلى تاريخ البيضاء الطويل في مواجهة الدول الإمامية في شمال اليمن.

وقال عباس إن “البيضاء هي المحافظة الوحيدة التي ظلت عصية على المنظومة الإمامية التي استطاعت أن تخترق معظم القبائل اليمنية التي كانت خاضعة لسيطرتها وتطوّعها وتحوّل أبناءها إلى مخزون بشري تجنّده وقتما تشاء”، فيما “شكلت البيضاء عقدة للسلطة الإمامية عبر مختلف مراحلها”.

أضاف “في ثورة سبتمبر كانت قبائل البيضاء هي الفيصل في حسم الكثير من المعارك ضد فلول الإماميين وبرز دور قبائل البيضاء بشكل أكبر في فك حصار السبعين عن العاصمة صنعاء، ومع سيطرة الحركة الحوثية على مقدرات الدولة بعد الانقلاب في 2014 كانت البيضاء من أبرز الأهداف التي جعلتها هذه الجماعة نصب أعينها، ومع هذا ظلت سيطرتها على المحافظة سيطرة شكلية لعدم وجود حاضنة لأفكارها في صفوف أبنائها”.

ولفت عباس إلى أن هذا الإرث التاريخي الذي اكتسبته هذه المحافظة يضاف إلى أهميتها الاستراتيجية في وسط اليمن حيث تتشارك في حدودها مع ثماني محافظات في الشمال والجنوب، وكذلك عدم دخول معظم مشائخ القبائل فيها في لعبة التجاذبات السياسية والحسابات الضيقة، وكل ذلك “أكسب التقدم العسكري زخما حقيقيا لأن محركه وطني بحت لا يخضع لأي حسابات وهي المؤشرات التي تنعكس بشكل إيجابي على كل أبناء اليمن الذين يرون في انتصارات البيضاء أملا في التخلص من الحركة الأكثر سوداوية ودموية في تاريخ البلاد”.

العرب