شهدت أنحاء متفرقة من إيران الثلاثاء خروج تظاهرات مناهضة للحكومة احتجاجا على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، ما يعيد إلى الأذهان بداية تشكل انتفاضة الوقود في إيران سنة 2019 والتي بدأت متفرقة وانتهت بهبّة شعبية رفعت شعار إسقاط النظام.
وجاءت الاحتجاجات على شكل تجمعات في الشوارع في مدن ري في طهران، وبابل وبابلسر وقائم شهر وأمل ورستمكلا وبهشهر وبهنمير في مازندران، وكازرون في محافظة فارس، وخمام في كيلان، وبندر كز في محافظة كلستان.
ويتسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء في أضرار للمستشفيات والمنشآت الطبية، كما يهدد حياة الأفراد الذي قد يعْلقون في المصاعد في المنشآت التي لا تتواجد بها مولدات للكهرباء.
الحكومة الإيرانية تسعى لرفع العقوبات الأميركية على بلاده وتخفيف الآلام الاقتصادية
ويطالب المواطنون على الأقل بمعلومات دقيقة من وزارة الطاقة حول مكان وتوقيت ومدة انقطاع الكهرباء. إلا أنه لا يتم توفير هذه البيانات حتى الآن.
وكانت وزارة الطاقة الإيرانية قد أعلنت عن جدولة انقطاع الكهرباء اليومي عن المدن والمحافظات حتى يتمكن الناس من تكييف ظروفهم المعيشية اليومية معها.
وتعزو السلطات الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى ارتفاع درجات الحرارة في الصيف (بين 35 و50 درجة مئوية) واستخدام الكثير من مكيفات الهواء وكذلك نقص الأمطار مما خفض إنتاجها من مساقط المياه.
وتعيد احتجاجات أزمة الكهرباء، الآخذة في الاتساع تدريجيا لتشمل مدن ومحافظات أكبر، إلى الأذهان ما يعرف بأزمة الوقود سنة 2019 والتي رفعت في نهاية المطاف شعار إسقاط النظام قبل أن يتمكن الحرس الثوري الإيراني المدعوم بقوات الباسيج من إخمادها بصعوبة.
محمد رضا باهنر: احتجاجات 2019 كانت تتجه نحو ثورة لا يمكن السيطرة عليها
واندلعت الاحتجاجات منتصف نوفمبر 2019 على خلفية زيادة كبيرة في أسعار الوقود. وامتدت إلى نحو 100 مدينة، وتخللها إحراق محطات وقود ومهاجمة مراكز للشرطة ونهب متاجر، قبل أن تتدخل قوات الأمن وسط انقطاع شبه تام لخدمات الإنترنت.
وأفاد برلماني إيراني بارز مؤخرا أن 230 شخصا قتلوا وأصيب الآلاف بجروح خلال تلك الاحتجاجات بينهم عناصر من قوات الأمن، محملا مسؤولية الوفيات بشكل أساسي إلى “مثيري شغب مزوّدين بأسلحة”.
وقدّرت منظمة العفو الدولية ومقرها لندن عدد القتلى بـ304، مشيرة الى أن غالبيتهم قضوا برصاص قوات الأمن متهمة الأخيرة بالاستخدام المفرط للقوة.وفي المقابل قالت مجموعة تضم خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة في تقرير أصدرته في ديسمبر إن حصيلة القتلى قد تصل إلى 400 شخص بينهم 12 طفلا على الأقل.
وشهدت إيران في الأعوام الأخيرة العديد من التحركات الاحتجاجية المرتبطة بشكل أساسي بصعوبات اجتماعية واقتصادية تعود في جزء منها إلى العقوبات الاقتصادية التي أعادت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرضها على طهران بعد قرار واشنطن الانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق النووي.
وأقر محمد رضا باهنر النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني أنه إذا لم يتمكن مسؤولو النظام الإيراني من “إنهاء” أحداث نوفمبر 2019، فإن الأحداث كانت “تتجه نحو ثورة لا يمكن السيطرة عليها على الإطلاق”.
ولم يوضح النائب السابق لرئيس البرلمان كيفية “إنهاء” احتجاجات نوفمبر، لكن رويترز ذكرت في 23 ديسمبر 2019 أن المرشد الأعلى علي خامنئي الذي كان “مضطربًا” بعد أيام قليلة من بدء الاحتجاجات جمع كبار المسؤولين الأمنيين والحكوميين وقال لهم “افعلوا كل ما يلزم لوقف الاحتجاجات”.
ويرى متابعون للشأن الإيراني أن الوضع الداخلي الآخذ في التردي مع تواصل العقوبات الأميركية على طهران وانحسار عائدات النفط المورد الأساسي للموازنة، يوفر ظروفا مواتية لاندلاع احتجاجات شعبية جديدة قد تكون أكثر حدة وأكثر خطرا على تماسك أعمدة النظام.
تعزو السلطات الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى ارتفاع درجات الحرارة في الصيف (بين 35 و50 درجة مئوية) واستخدام الكثير من مكيفات الهواء
وتسعى الحكومة الإيرانية المحافظة بقيادة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي الذي سيتسلم مهامه في أغسطس القادم لرفع العقوبات الأميركية على بلاده وتخفيف الآلام الاقتصادية وذلك عبر إحياء الاتفاق النووي.
وعلى الرغم من اقتراب إحياء الاتفاق، وفق ما يؤكد محللون، فإن رفع كل العقوبات الأميركية عن إيران لا يزال محل شكوك.
ويشير هؤلاء إلى أن رئيسي لا يمتلك حلولا كثيرة لمعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة على المديين القريب والمتوسط رغم وعوده الانتخابية بتحسينها، وهو ما يخلق بيئة مهيأة لتفجر احتجاجات شعبية قد لا يقوى النظام على إخمادها ككل مرة.
صحيفة العرب