قدّمت المبارزة اللفظية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حسان دياب، مع آن غريو، السفيرة الفرنسية في بيروت، مشهدا تلخيصيا للوضع اللبناني، حيث قام دياب، كما فعل مجمل المسؤولين عن الأزمة اللبنانية الحالية، بإنكار مسؤولية حكومته عن الانهيار الكبير الذي تتعرض له البلاد، والهوّة السوداء التي تتوجه إليها.
غير أن أغرب ما في تلك المرافعة الإنكارية لدياب لم تكن في اعتماده تحليل رئيس «حزب الله» اللبناني، السيد حسن نصر الله، للوضع اللبناني، الذي ينكر مسؤولية الأطراف الحاكمة للمعادلة اللبنانية عن الفساد والنهب والتراجع الاقتصادي المهول، ولكن في استخدامه تهديدات الأخير للمنظومة الدولية بـ«تغيير التوجهات التاريخية للبنان» وبـ»التوجّه شرقا» نحو إيران وسوريا… والصين.
معلوم للبنانيين قبل غيرهم، مسؤولية الحكومة الحالية وسابقاتها، في إفلاس الدولة، وفي رفع العجز العام إلى حد غير مسبوق، وهدر مليارات الدولارات، والسماح بإدخال مواد كيميائية خطرة أدت لانفجار مرفأ بيروت، وغضّ النظر عن تهريب المحروقات والأدوية والطحين إلى النظام السوري.
اختار دياب، وأمام مسؤولي المنظومة الدولية، إنكار المعروف، والتغاضي عن مسؤوليته كرئيس حكومة، والدفاع عن طبقة سياسية فاسدة، ووجّه الاتهام إلى «العالم» أمام سفرائه، ولا عجب بالتالي أنه قدّم بهذه التصريحات التبرير الكافي لتجاوز الأعراف الدبلوماسية لنسمع سفيرة تقول لرئيس حكومة تمثّل بلادها أمامه: «أنتم بعنادكم وجشعكم وأنانيتكم وامتناعكم عن تشكيل الحكومة تحاصرون شعبكم» متهمة حكومته بـ«سوء الإدارة»!
مجيء الحديث عن «تغيير التوجهات التاريخية للبنان» من رئيس حكومة تصريف الأعمال لا يحمل الكثير من المصداقية فهو مسؤول مستقيل حكما بسبب سوء إدارة هائل للبلاد، وهو غير قادر على تصريف شؤون حكومته، ناهيك عن تصريف شؤون البلاد واتخاذ قرار «تغيير توجهات تاريخية» وهو يهدّد، بالتالي، بسيف «حزب الله» وحلفائه وليس بسيفه هو.
حديث الحزب نفسه عن «التوجّه شرقا» وإعلانه صراحة أنه بصدد استقبال سفن نفط من إيران من دون انتظار موافقة الدولة يعني تحدّي المعادلة التي قام عليها لبنان، وإعلان الانقلاب عليها، وهو أمر لا نعتقد أن الحزب قادر على فعله، ولكنه إذا حصل فسيستدعي ردود أفعال محلّية وعالمية كبيرة.
دخول حالة كهذه، في ظروف الانهيار المتسارع الحالي، هو إعلان لتفكيك لبنان وانجراره إلى فوضى أمنية وعسكرية وسياسية، وسواء كان ذلك اقترابا من فكرة «الجمهورية الإسلامية» اللبنانية، التي طرحها نصر الله قبل وقت طويل، أم لم يكن، فإن لبنان سيكون قد «توجّه شرقا» فعلا وصارت أحوال سكانه قريبة من الأحوال لمن بقي من سكان «الشقيقة» سوريا، الذين يعانون من فظائع مهولة، أو من حال سكان العراق… ولكن من دون النفط!
في الوقت الذي كان دياب يتحدث عن «تغيير التوجهات التاريخية» كانت سلطات إيران، البلد الذي سيقّدم النجدة للبنان، تعتذر من شعبها بسبب موجة أخرى من انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد، وكان الرئيس حسن روحاني يرجع السبب في ذلك إلى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والاستهلاك غير المسبوق، وكان هناك تظاهرات في مدن طهران وشيراز وكازرون وأمول وكردكوي، وإذا كان هذا حال إيران، البلد الخاضع لعقوبات اقتصادية عالمية، والذي تقمع فيه الاحتجاجات بدون هوادة، فماذا سيكون حال لبنان الذي ينتظر العون منه؟
القدس العربي