الأمن القومي الإيراني وحوارات فيينا.

الأمن القومي الإيراني وحوارات فيينا.

تستمر المحاولات الأوربية لدعم الحوارات التي بدأت في نيسان 2021 في العاصمة النمساوية (فيينا) واستمرت ستة جولات المتعلقة بالبرنامج النووي الايراتي والتي توقفت حاليا بسبب عدم وجود أرضية حقيقية لإتفاق مبدئي مشترك بين جميع الأطراف المشاركة في الجلسات الحوارية بين المجموعة الاوربية والنظام الايراني من جهة والولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى ، حيث لا زالت المفاوضات تجري عبر وسيط أوربي وليس بشكل مباشر وحديث متكامل ثم ابتعدت الحوارات لتأخذ مديات أخرى أثرت عليها طبيعة الاجراءات الأخيرة التي اتخذها النظام الايراني بعدم تجديد الاتفاق المبرم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاعلان عن عدم تمكنه من التعامل مع البرنامج النووي الايراني وفق التطورات والأهداف الرسمية دون مراعاة للحوارات التي جرت في الأشهر الماضية وأشارت الوكالة الدولية يوم السادس من تموز 2021 أن(ايران تعتزم انتاج معدن اليورانيوم بنسية تخصيب 20% ) في خطوة أثارت قلق الدول الأوربية والتي جاءت في   وقت تراوح المفاوضات حول البرنامج النووي مكانها واعتبرت خطوة متقدمة تسعى اليها ايران للانتقال الى درجة أعلى من التخصيب في منشأة أصفهان بهدف تصنيع الوقود لتزويد مفاعل الابحاث في طهران وتابعت الادارة الامريكية القرار الايراني بانتاج معدن الالمنيوم بكل اهتمام وأشارت الى أنه خطوة مؤسفة تعيد الحوارات الى الوراء .

جاء هذا التطور الميداني قبل شهر من تنصيب (ابراهيم رئيسي) رئيسا جديدا لايران وتسارع المواجهات على الميدان العراقي بقيام المليشيات الولائية بعملياتها التعرضية على القواعد والمواقع العسكرية للولايات المتحدة الامريكية التي ترى فيها وأشنطن أنها تأتي في مسعى ايراني لتغذية أدوات ووكلاء النظام الايراني من المليشيات التابعة لها في العراق والتي أخذت ابعادا واسعة بإدخال سلاح الطائرات المسيرة في الهجمات على القوات الامريكية في رسالة من المليشيات انها تمتلك القدرة على تحديد المكان والزمان واستخدام السلاح الذي ترغب فيه ، وكان أخرها التعرض الذي حدث مساء يوم 6 تموز 2021 على القاعدة الامريكية القريبة من محيط مطار أربيل في اقليم كردستان العراق .

تسعى ايران للاستفادة من (خطة العمل الشاملة المشتركة ) وهي الاتفاقية التي كانت تشكل محورا رئيسيا ووافقت عليها جميع الاطراف التي اشتركت بمفاوضات (5 +1) عام 2015 لدفع ايران بالتخلي عن التزاماتها النووية وتشغيل أجهزة الطرد المركزية والتي استغلها النظام الايراني في تطوير كفاءة تخصيب اليورانيوم وبناء مخزونه من اليورانيوم شبه المخصب وأكدها تصريح المسؤولين الايرانيين بالتوصل الى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% ، ومع استمرار سياسة التعنت الايراني وعدم تفاعلها مع المواقف الدولية لايجاد مفاتيح للعمل على تحقيق مسار جديد في الاتفاق النووي جاء تصريح (جيك سوليفان) مستشار الأمن القومي الامريكي في 23 حزيران 2021 أثناء لقائه مع (افيف كوفافي ) رئيس أركان الكيان الصهيوني بأن (واشنطن تضمن عدم حصول ايران على سلاح نووي ) .وتزامن هذا الرأي الامريكي مع الخشية التي تبديها الدول الاوربية في مسعى ايران لتكون شبه قوة نووية اقليمية في منطقة الشرق الأوسط  والوطن العربي واستخدامها لرؤوس نووية في برنامجها الخاص بالاسلحة الباليستية وهي من الأهداف الميدانية التي ترغب فيها منظومة الحكم الايراني .

أمام هذه التحديات والأهداف السياسية والعسكرية جاءت الاحداث الميدانية داخل الاراضي الايرانية والتي استهدفت بتاريخ 11 نيسان 2021 (تفجير مصنع لتجميع جهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز الرئيسية ) وأدى الى انقطاع تام للتيار الكهربائي الذي أثر على مئات من أجهزة الطرد واستهداف عدد من المنشأت الذرية وحياة العلماء الايرانيين الباحثين في الشأن النووي ، وهذا ما أكده وزير الأمن الايراني السابق (علي يونسي) يوم 29 حزيران 2021 بوجود محاولات حثيثة وتصعيد من قبل جهاز الموساد الصهيوني للتغلغل في الأماكن والمؤسسات الحساسة خاصة في الأشهر العشر الأخيرة بعد مقتل عدد من العلماء الايرانيين كان أخرهم العالم (محسن فخري زادة) في 27 تشرين الثاني 2020 والذي شكل ضربة قاصمة للأبحاث المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني مع حدوث انفجارات في عدد من المنشأت النووية ، وأوعز الأمر الى الاهمال الواضح للأجهزة الأمنية والاستخبارية الايرانية وعدم وجود أليات وخطط ميدانية تردع النشاط التجسسي والنفوذ الصهيوني ،وهذا واضح بسبب انهاكها في معالجة الأوضاع الداخلية والاحتجاجات الجماهيرية لأبناء الشعوب الايرانية لسوء الاحوال الاقتصادية والأثار التي ترتبت عليها العقوبات الاقتصادية الامريكية والذي لم يتمكن النظام الايراني من ايجاد وسائل وأدوات لمواجهتها والعمل على تفكيكها بسبب سياسة التعنت والتشدد واظهار القوة وعدم صحة قراءته للأحداث الجارية وابتعاده عن أسلوب السياسة الناعمة .

يشاطر (علي يونسي) في أراءه الرئيس الايراني السابق (محمود أحمدي نجادي) في حديثه بتاريخ 13 حزيران 2021 والذي ذهب في اتهامه لمسؤول (شعبة مكافحة اسرائيل) في وزارة الاستخبارات الايرانية (بأنه كان يعمل جاسوسا لصالح اسرائيل ) وموضحا أن هذا العمل المخابراتي كان من الاسباب التي ساهمت في نجاح (الموساد) بتنفيذ عمليات تجسس كبيرة داخل ايران والاستيلاء على وثائق نووية تخص البرنامج النووي ووثائق فضائية تتعلق بمشروع وبرنامج الفضاء الايراني ، وأدت هذه الأساليب الى اغتيال عدد من العلماء المختصين في مجال الطاقة الذرية واحداث انفجارات في المنشأت النووية .

تبقى التجاذبات والصراعات السياسية بين أقطاب النظام الايراني قائمة للإختلاف في كيفية ادارة المنظومة الحاكمة في طهران بوجود المرشد علي خامنئي والهيمنة والنفوذ والصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها وسيطرته على مسار النفوذ السياسي في رسم القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية والعلاقة مع المحيط الدولي والاقليمي ومنها الحوارات الجارية بخصوص البرنامج النووي الايراني والتي لم تصل لحد الان الى أليات واضحة ودقيقة تساهم في الوصول الى أتفاق يتيح للنظام الايراني العودة للتعامل مع دول العالم وفهم وادراك الابعاد الميدانية التي تؤثر على سير الحوارات واستمرار احتقان الشارع الايراني وزيادة حدة التوترات والغليان الشعبي لدى أبناء الشعوب الايرانية واتساع رقعة التناحر والاختلاف بين التيارات السياسية داخل المجتمع الايراني والتي بدأت تؤثر على صورة النظام الحاكم وعلى المنظومة الأمنية  للأمن الوطي والقومي الايراني.

وحدة الدراسات الإيرانية