عد الجزر الـ12 واحدة من القضايا الإشكالية التي تعود للواجهة بشكل متكرر، بين تركيا واليونان. ويطلق اسم “الجزر الـ12” على مجموعة من الجزر الواقعة جنوب شرق بحر إيجة. وعلى الرغم من استخدام هذا الاسم إلا أن عدد هذه الجزر في الواقع يزيد قليلاً عن 12. وكانت تسمى “جزر إيجة” في العهد العثماني، وسميت لاحقًا بـ”جزائر بحر سفيد” (جزر البحر الأبيض المتوسط)، و”الجزر الاثنتا عشرة”.
هذه الجزر التي كانت جزءاً لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية حتى أوائل القرن العشرين، تم الاستيلاء عليها من قبل الإيطاليين إبان الحرب التركية – الإيطالية في طرابلس (1911-1912) حاولت إيطاليا السيطرة على إثيوبيا عام 1896 لكنها هُزمت، وعلى إثر ذلك، اتجهت إلى ليبيا وافتتحت فيها مكاتب بريد وفرعاً لبنك روما للبدء بتشكيل نفوذها في المنطقة.
في 29 سبتمبر 1911 اتخذ الإيطاليون الخطوة الأولى للاحتلال الفعلي عبر قصف مدن ليبيا، لكن على الرغم من قلة عدد الجنود العثمانيين في المنطقة، فشلت إيطاليا في التقدم من الساحل نحو الأجزاء الداخلية، وفي تلك الأثناء، لم تتمكن الحكومة العثمانية من إرسال تعزيزات إلى المنطقة، بسبب الحرب المحتملة في البلقان، لكنها سمحت للضباط الشباب مثل أنور باشا وأشرف كوشْجوباشي ومصطفى كمال (أتاتورك) بالذهاب إلى هناك، وبذلك أصبح الاحتلال الإيطالي أكثر صعوبة مع قيام الضباط العثمانيين بتنظيم صفوف الشعب. بعد هذه التطورات، قامت إيطاليا بتوسيع رقعة الحرب في أجزاء أخرى من الامبراطورية العثمانية، فقامت بإِغراق سفينتين عثمانيتين في ميناء بيروت، ثم هاجمت مضيق جناق قلعة (الدردنيل)، وعندما فشلت في ذلك اتجهت إلى احتلال الجزر.. وقامت باحتلال رودُس والجزر الـ12، وكان هدفها منع وصول الأسلحة والذخائر إلى ليبيا، وعندما اندلعت حرب البلقان، تسارعت مفاوضات السلام مع إيطاليا. وفي 18 أكتوبر 1912، تم التوقيع على معاهدة أوشي، وقبول الهيمنة الإيطالية في المنطقة. كان على إيطاليا إخلاء الجزر بموجب المعاهدة، لكن لم يتم التمكن من استعادة الجزر بسبب استمرار حرب البلقان، ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى. تعرضت الإمبراطورية العثمانية للهزيمة، خلال الحرب التي استمرت 4 أعوام، وقرر مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) ترك هذه الجزر مؤقتاً لإيطاليا عبر معاهدة لوزان عام 1923 في مواجهة احتلال اليونان لكن هذه الجزر بقيت تحت السيادة الإيطالية. وضع الجزر الـ12، التي ظلت تحت الاحتلال الإيطالي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عاد إلى الواجهة مرة أخرى بعد انتهاء الحربن فقد خرجت إيطاليا مهزومة من الحرب، وفي عام 1943، خشي موسوليني على وطنه الأم، وأصدر الأمر بإخلاء الجزر وقال للجانب التركي: “تعالوا خذوا جُزركم القديمة، التي كنا قد أخذناها منكم”. بعد رحيل الإيطاليين، خضعت الجزر لاحتلال الألمان، لكن هؤلاء أيضا اضطروا لمغادرتها عام 1945، عندما أدركوا أنهم سيتعرضون للهزيمة، وعرضوا علينا استعادة جزرنا هذه، لكن الحكومة التركية في تلك الفترة لم تتخذ خطوات في هذا الاتجاه.
أدى ضعف الحكومات التركية في الماضي إلى بقاء الجزر الـ12 في بحر إيجة، تحت سيطرة الإيطاليين أولاً ثم اليونانيين
في خضم ذلك، بدأ البريطانيون باحتلال الجزر الـ12 في ربيع عام 1945 بعد أن أخلاها الألمان، وتقدمت اليونان حينها بطلب إلى بريطانيا للحصول على الجزر (كانت قد احتلت رودُس في تلك الأثناء). وأخيرا تم تسليم الجزر الـ12 إلى اليونان عبر مؤتمر باريس في 10 فبراير 1947. وخلال مقابلة مع صحيفة “ملّييت” عام 1976، صرح فريدون جمال إركين، الذي تولى مناصب مهمة في وزارة الخارجية التركية بين عامي 1942 و1965، أنه أبلغ السفيرين الأمريكي والبريطاني آنذاك، بأن حقوق تركيا السيادية على الجزر الـ12 لا تزال قائمة.
في المحصلة؛ أدى ضعف الحكومات التركية في الماضي إلى بقاء الجزر الـ12 في بحر إيجة، تحت سيطرة الإيطاليين أولاً ثم اليونانيين، رغم مواقعها القريبة جدًا من سواحل تركيا. كما أن هذه الحكومات لم تستطع اغتنام الفرص التي ظهرت أمامها. أمّا حكومة حزب العدالة والتنمية، فإنها تحافظ حالياً على حزمها في قضية الجزر الـ12، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الوضع في البحر الأبيض المتوسط، وتواصل مطالبة اليونان باستعادة هذه الجزر لتركيا. ويبدو أن لهيب هذا الملف سوف يشتعل من جديد بين تركيا واليونان في الأيام المقبلة.
القدس العربي