لا تريد لجنة مهرجانات بعلبك الدولية، أن يمر الصيف من دون أن تسجل حضورها. لا الانهيار الاقتصادي، ولا مخاوف «كورونا» ستمنعها من عقد احتفالية ولو رمزية في القلعة الرومانية التاريخية. وبما أنّ التباعد ضرورة، والأزمة كبيرة، فإنّ الموسيقى ستصدح، مساء غد (الجمعة)، في كل بيت، من خلال المحطات التلفزيونية اللبنانية وأخرى عربية، تعرض حفل «شمس لبنان ما بتغيب»، الذي صورته لجنة المهرجانات خصيصاً لهذه الغاية، موفرة على الجمهور عبء التنقّل. وبالتزامن مع هذا البث، دعت اللجنة إلى لقاء في القلعة التاريخية، سيجمع الفنانين المشاركين، والرعاة وصحافيين، حيث سيتابعون على شاشة عملاقة البث كما بقية المتفرجين في العالم. وتقول نايلة دو فريج، رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك، لـ«الشرق الأوسط»: «نريد أن نكون معاً، لنطلق المهرجانات من أمام معبد باخوس. هو وجود رمزي لكن له أهميته، إذ سيقتصر على ما يقارب 200 شخص، حيث ستنقل التلفزيونات هذه المواكبة الحية، قبل وبعد عرض الفيلم الفني».
وهكذا يوم الجمعة المقبل، ستعرض شاشات التلفزة اللبنانية كافة عند الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة مساءً، هذا الفيلم المسجل إضافةً إلى «إم بي سي 4» و«شاهد»، كما سيُنقل الحفل على «فيسبوك» و«يوتيوب». وسيرى المتفرج أيضاً الجمع المتابع من داخل القلعة.
فيلم مهرجانات بعلبك «شمس لبنان ما بتغيب» صُوّر على مدى 12 يوماً في مناطق أثرية بقاعية مختلفة، لم تُستغل فنياً من قبل مثل معبد فينوس (بعلبك)، وحجر الحبلة لمقلع بعلبك، والطريق الروماني أو البازيليك المدني (بعلبك)، ومعابد نيحا، وقصرنبا، ومجدل عنجر وعين حرشي. هذه المواقع أغلبيتها غير معروفة من العامة، وستسهم المبادرة في اكتشافها، وذلك بفضل تعاون المديرية العامة للآثار. وصُوّر الفيلم الذي هو عبارة عن مقطوعات فنية، موسيقية، غنائية، راقصة، عند غروب الشمس خلال شهر يونيو (حزيران) الفائت، وذلك لإبراز أداء الفنانين وموهبة المخرجين اللبنانيين وروعة المكان. ويشارك في الحفل الفنانون: بيروت فوكال بوينت، وبلو فايفر، وغنوة نمنم، وجنى سمعان وبيار جعجع، وخماسي مكرم أبو الحسن، وبوستكاردز، وسرج، وتاكسي 404. وفلاديمير كوروميليان وزياد مكرزل، وزياد سحاب، وزف، إضافة إلى عشرات آخرين. وقد تم اختيار الفنانين الرئيسيين، لتمتُّع كل منهم بمواهب متعددة. إذ تقول دو فريج: «الفنانون الشباب ثروة، وهم كثر في لبنان. لهذا لا يمكننا أن نختارهم جميعاً. من سيكونون معنا هذه المرة هم لأن كلاً منهم يتمتع بأكثر من موهبة، ولأننا أردنا أن نقدم لوحات فنية، متنوعة في طبيعتها، تحتاج إلى مواهب يكمل بعضها بعضاً».
«هذه السنة قررنا أن نعطي الأولوية للجيل الصاعد من الفنانين. فهم الذين يحتاجون للدعم، ولمساحة أو لبلاتفورم يطلّون منه على العالم. الهدف هو تشجيعهم، والتعريف بهم، والإفساح في المجال أمامهم لإكمال الطريق. فهم المستقبل الذي نريد أن نراه مشرقاً». وتصف دو فريج المبادرة التي تقوم بها المهرجانات هذه السنة، بأنّها «حلم صغير أمام البشاعة والصعوبات التي نعيشها. وهي فسحة أمل للبنانيين الذين يعانون».
وقد أُنجز المشروع بفضل كثير من الرعاة المحبين للفن الذين يدعمون رسالة المهرجانات الثقافية اللبنانية. والعمل هو من إنتاج مهرجانات بعلبك، أمّا الإدارة الفنية فهي لجان – لوي مانغي. كما اختارت الفنانين المشاركين ليلى نحاس. وشارك عدة مخرجين معروفين في تقديم هذا العمل بصيغته النهائية وهم: باسم كريستو، وشادي حنا، وإيلي رزق، وإميل سليلاتي، وإنغريد بواب، وميشال صليبا، وميرنا خياط، وروجيه غنطوس وسامر دادانيان. وأدار إنتاج الحفل غي يزبك.
العام الماضي قدمت لجنة مهرجانات بعلبك، حفلة موسيقية واحدة فقط، في بث مباشر من القلعة الرومانية، تميزت بمستواها الفني الرفيع، وبأنّها أُنجزت بفضل مساهمة مجانية من جميع الفنانين المشاركين. أمّا هذا العام فتقول دو فريج: «كان للرعاة الفضل الأكبر في تمويل العمل الذي كانت له تكاليفه، بسبب حاجة الفريق المشارك للبقاء لأيام في أماكن التصوير، وللنوم في فنادق وتناول وجبات، واستخدام معدات. كما أنّ الأعمال الفنية بصرف النظر عن الحاجات اليومية، هي لوجيستياً مكلفة. ونحن سعداء لأنّنا تمكنّا من إدارة عجلة الصناعة الثقافية بهذه المبادرة. وهو ما نحرص عليه. فهذه الصناعة هي من المقومات التي يجب الحفاظ عليها، لأنّها قطاع قائم بذاته».
انتُقدت المهرجانات اللبنانية طويلاً لأنّها اعتمدت في حفلاتها بشكل كبير على الفنانين الأجانب الذين كانت تصرف عليهم الميزانيات، فيما لم تلتفت كثيراً إلى الفنانين اللبنانيين. «هذه المرة، لا يستطيع أحد أن يتهمنا بذلك» تعلق دو فريج، «الحفل كله للشباب الذين سنبقى نهتم بهم، ولن نتوقف هنا. الانتقاد سهل. وأي أحد يستطيع أن يقول أي شيء، لكنّ العمل أمر آخر. وضميرنا مرتاح لما قدمناه، ومقتنعون بما نفعل. جلّ ما يعنينا الآن، أن نُدخل البهجة إلى قلوب الناس. وأن نحافظ على الحياة الثقافية اللبنانية، ولا نخسر هذا الكنز الذي يشكّل ميزة بلدنا. وكلٌّ يعمل في مجاله، لنخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر».
مصير المهرجانات اللبنانية، يبقى رهناً بالظروف. العام الماضي ظنّ البعض أنّ الحفلة البديعة التي قدمتها مهرجانات بعلبك في عز أزمة «كورونا»، متغلبةً على كل المعوقات، هي الأخيرة، لكن ها هي اللجنة تنتعش من جديد، لتعيد للبنانيين بعض الأمل.
الشرق الاوسط