هل غيّرت واشنطن استراتيجيتها لمواجهة التقارب الروسي – الصيني

هل غيّرت واشنطن استراتيجيتها لمواجهة التقارب الروسي – الصيني

لا تتوقف روسيا والصين عن العمل على تعزيز حضورهما الاقتصادي والسياسي والعسكري في أكثر من منطقة حول العالم وكلّ حسب أهدافه واستراتيجيته المحددة. لكن ما يقلق الولايات المتحدة هو التنافس على أكثر من صعيد مع هاتين القوتين الكبيرتين وزيادة تعاونهما لتهديد مصالح واشنطن.

ولا تبدو استراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن قد تغيرت كثيرا عن سلفه دونالد ترامب، الذي كان يريد تحسين العلاقات مع روسيا للمساعدة في كبح صعود نجم الصين، وهو ما يوحي بأن الولايات المتحدة وأوروبا بدأتا تدركان أنهما بعقوباتهما ذات النتائج العكسية وضغطهما على روسيا عرقلا تحرك موسكو ولم يتركا لها أي اختيار سوى زيادة التقارب مع بكين، وذلك بعد إلغاء الرئيس الأميركي عقوبات مهمة ضد مشروع خط أنابيب غاز نورد ستريم – 2.

وعلى الرغم من عدم حسم القمة الأخيرة في جنيف بين بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الكثير من الملفات، إلا أن الآراء بشأن نتائجها تباينت، ويقول المحلل السياسي الروسي أندرانيك ميجرانيان، والقريب من دوائر صنع القرار في موسكو، إن روسيا ترى أن هذا الاجتماع ليس فقط مهما ولكن أيضا بناء.

أندرانيك ميجرانيان: التعاون الروسي – الصيني تزايد أكثر من أي وقت مضى

ويقول ميجرانيان في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إن الاجتماع الشخصي للرئيسين أسهم في تحقيق النجاح في العلاقات بينهما، وأنهى بشكل ما التوتر الذي ساد بعد ما وصف بايدن بوتين بأنه “قاتل”. وقد اتضح ذلك في تجنب الرئيسين بعد الاجتماع الإدلاء بأي تصريحات سلبية تسيء لأي منهما.

ويضيف أنه رغم ذلك ليس من المرجح أن يكون للاجتماع تأثير كبير على طبيعة العلاقات الأميركية – الروسية. ورغم أن روسيا حددت خطوطها الحمراء، يبدو من غير المحتمل أن تلتزم الولايات المتحدة بها. كما أن الولايات المتحدة حددت خطوطها الحمراء بشكل تجريدي للغاية، مما يشير أيضا إلى أن روسيا لن تلتزم بها أيضا.

وأعلنت روسيا على الدوام أنها لم تتدخل مطلقا في الانتخابات الأميركية ولم تحاول القيام بهجمات سيبرانية ضد أهداف أميركية. وفي ما يتعلق بحقوق الإنسان، ترى موسكو أن هذا شأن داخلي، ومن الأفضل أن تحمي الولايات المتحدة حقوق الإنسان في بلادها.

وبعد اجتماع جنيف، أوضح بوتين مرارا وتكرارا أن الخطوط الحمراء التي تم تحديدها لروسيا تمس وجودها – ولن ترغم أي ضغوط من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا أي عقوبات روسيا على التخلي عنها دون تنازلات من الجانبين.

ويقول ميجرانيان، وهو أيضا أستاذ في معهد العلاقات الدولية بموسكو الذي تديره وزارة الخارجية الروسية، إنه على الرغم من أن “قضية الصين” لم يتم بحثها بشكل منفصل في اجتماع بايدن وبوتين، كان موضوع الصين والعلاقات في المثلث الروسي – الصيني – الأميركي غير مثار بدرجة كبيرة في جنيف.

وقبل الاجتماع وبعده، كانت هناك تصريحات كثيرة من سياسيين أميركيين وروس تفيد بأنّ هناك قلقا بالغا لدى الولايات المتحدة والغرب ككل، إزاء تقارب روسيا مع الصين وأن هناك حاجة لأن يقوم الأميركيون بعمل ما لضمان عدم ارتماء روسيا في نهاية الأمر في “أحضان” الصين.

ويرى المحلل السياسي الروسي أن واشنطن وبروكسل تدركان أنه من الضروري محاولة فصل روسيا عن الصين، وهي مهمة صعبة للغاية، لكنه يعتقد أن الدول الغربية سوف تحاول تقديم مجموعة من المقترحات لروسيا لإقناعها بأن أي تحالف وثيق للغاية مع الصين لن يكون مفيدا لها على المدى الطويل.وسوف تكون الحاجة لتعزيز العلاقات الاقتصادية الروسية – الصينية إلى مستوى مختلف نوعيا لتتطابق مع مستوى العلاقات العسكرية – السياسية بين روسيا والصين فكرة جيدة. وسوف يتطلب ذلك تنفيذ عدة مشروعات كبرى بمشاركة فعالة للمستثمرين الصينيين في روسيا في مجالات تم بالفعل عمل الكثير فيها – الطاقة والبنية الأساسية والبنوك والتكنولوجيا المتقدمة والطيران- ولكن ليست كبيرة. ونفذت روسيا على نفقتها الخاصة عدة مشروعات مهمة تتعلق ببناء خط أنابيب غاز وبنية أساسية لتوريد وسائل أخرى لنقل الطاقة. وفي روسيا، بصفة خاصة، ليس هناك مشروع كبير واحد قامت به الصين، وليست هناك استثمارات كبيرة.

وأوضح ميجرانيان أن الصين تستثمر في الوقت الحالي الكثير في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وفي العديد من دول جنوب شرق آسيا. وهذا أمر مفيد ومهم للغاية بالنسبة إلى الصين. ولكن من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية، يمكن أن تكون الاستثمارات في الاقتصاد والبنية الأساسية والقطاعات العلمية والتكنولوجية في روسيا ذات قيمة كبيرة للغاية بالنسبة إلى روسيا والصين على السواء. وبذلك لن يتركا أي حجة للخبراء المناهضين للصين في روسيا والسياسيين والاستراتيجيين الغربيين الذين يريدون فصل روسيا عن الصين.

ويرى أن واشنطن وبروكسل بتكوينهما لتحالف للدول الديمقراطية ضد الدول السلطوية، وخاصة الصين وروسيا، يجب أن يدركا أنهما لن يتركا لروسيا أي خيار سوى التعاون بصورة أكثر قربا مع الصين. وإذا ما كانت حرب باردة قد بدأت بالفعل بين الصين والولايات المتحدة، كما يشير الكثير من المحللين، فإنها قد تستمر فترة أطول من الحرب الباردة الأصلية بين واشنطن وموسكو. وفي المواجهة العالمية التي تلوح في الأفق والتي قد تستمر لعقود كثيرة (في ضوء التكافؤ الوثيق للقوة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة والصين)، سيكون أمرا غريبا إذا ما قررت قيادة الصين فجأة تحويل شريك وحليف مهم وله قيمته مثل روسيا إلى عدو.

صحيفة العرب