“حقل العمر” النفطي في سورية بمرمى الاستهدافات: رسائل سياسية واقتصادية لواشنطن

“حقل العمر” النفطي في سورية بمرمى الاستهدافات: رسائل سياسية واقتصادية لواشنطن

تكررت الهجمات “مجهولة المصدر” التي تستهدف القوات الأميركية الموجودة في حقل العمر النفطي، شرقي سورية، وهي هجمات من المرجح أن تكون المليشيات التي تدعمها إيران مسؤولة عنها، رداً على استهداف القوات الأميركية مواقع “الحشد الشعبي”، أو ضمن استراتيجية جديدة تستهدف مضايقة القوات الأميركية وإجبارها على التفكير بمغادرة الأراضي السورية.

وتعرضت قاعدة التحالف الدولي في الحقل، صباح اليوم، لهجوم جديد باستخدام قذائف صاروخية، عد الثاني خلال أقل من 12 ساعة، وأدى الهجومان لأضرار مادية وتصاعد سحب الدخان، ولوحظ الاستنفار ضمن القاعدة في صفوف القوات الأميركية وقوات الجنسيات الأخرى المندرجة تحت التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.

لكن ما الذي يجعل هذا الحقل عرضة أكثر من غيره للاستهداف المتكرر؟ وما الرسالة التي يريد مستهدفوه إيصالها إلى الولايات المتحدة، التي تعتبر صاحبة النفوذ الأوسع شرقي سورية، حيث الثروة النفطية؟

تعرضت قاعدة التحالف الدولي في الحقل، صباح اليوم، لهجوم جديد باستخدام قذائف صاروخية، عد الثاني خلال أقل من 12 ساعة

يعد حقل العمر النفطي أكبر حقول النفط في سورية مساحة وإنتاجا، ويقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، على بعد حوالي 10 كم شرق مدينة الميادين في محافظة دير الزور.

وشكل الحقل هدفا لكل الجماعات المتصارعة في الحرب السورية، حيث سيطر عليه أولا “الجيش الحر” في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ثم تنظيم “داعش” عام 2014، وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2017، تمكنت قوات “قسد”، بدعم من التحالف الدولي، من السيطرة على الحقل بعد معارك ضد التنظيم.

واليوم، تعتبر قاعدة حقل العمر النفطي من أكبر القواعد الأميركية في شرق سورية، من بين نحو 20 قاعدة أميركية هناك. وتنتشر فيها قوات متنوعة، أميركية وفرنسية وبريطانية، وجرى تزويدها بمهبط للطيران المسير والمروحي، يضم 12 مروحية قتالية، وفيها أيضا معتقل تابع للقوات الأميركية.

وتعتبر القاعدة المركز الرئيسي لانطلاق عمليات التحالف الدولي لتقديم الدعم الجوي وتوجيه ضربات للمليشيات الإيرانية في الجهة المقابلة، مثل الميادين والقورية والعشارة وموحسن.

ومؤخرا، وسع التحالف الدولي قاعدة حقل العمر، وفق ما ذكرت مصادر إعلامية تابعة لـ”قسد”، حيث وصلت إليها خلال الأشهر الأخيرة مئات الشاحنات المحملة بالذخيرة والأسلحة والمواد اللوجستية.

ويرى متابعون أن تركيز المليشيات التي تدعمها إيران على قاعدة حقل العمر في هجماتها المتزايدة ضد القوات الأميركية في سورية، أو في العراق، خاصة بعد القصف الجوي الأميركي مؤخرا على مواقع تابعة لـ”الحشد الشعبي” على الحدود السورية العراقية، يندرج في إطار محاولة تلك المليشيات إرساء قواعد جديدة للاشتباك مع القوات الأميركية في هذين البلدين، بحيث يتوجب على واشنطن توقع رد عسكري في كل مرة تستهدف فيها مواقع تابعة لمليشيات تدعمها إيران، مع حرص الأخيرة على أن تبقى بعيدة عن المشهد، وتنكر دعمها أو علمها بمن يشن تلك الهجمات ضد القوات الأميركية تفاديا للصدام المباشر مع واشنطن.

القوات الأميركية في حقل العمر النفطي -دليل سليمان/فرانس برس
تقارير عربية
الهجمات على القوات الأميركية شرقي سورية: إيران في مرمى الاتهامات
كما أن حقل العمر النفطي يعد نقطة قريبة لمناطق انتشار المليشيات التي تدعمها إيران، ومن السهل تاليا استهدافه بالقذائف الصاروخية، وحتى بالطائرات المسيرة، كما حصل في الـ28 من الشهر الفائت. تضاف إلى ذلك الكثافة النسبية لعدد القوات الموجود في هذه القاعدة، ما يمنح أي استهداف، حتى لو لم يكن دقيقا، فرصة أكبر لايقاع خسائر في صفوف قوات التحالف.

تضم القاعدة الأميركية في حقل معمل غاز كونيكو في الريف الشمالي لدير الزور، مركزا للتدريب، ومهبط مروحيات، وهي مزودة بمنظومة صواريخ “باتريوت” الحديثة

وتضم القاعدة الأميركية في حقل معمل غاز كونيكو، في الريف الشمالي لدير الزور، مركزا للتدريب ومهبط مروحيات، وهي مزودة بمنظومة صواريخ “باتريوت” الحديثة، إضافة إلى عدد من مركبات “برادلي” الحديثه، ويميز هذه القاعدة قربها من بلدتي خشام ومراط، اللتين تقعان تحت سيطرة النظام، حيث تبعد عن نقاط وجود قوات النظام مسافة كيلومترين فقط.

كما أقامت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة في منطقة الباغوز بالقرب من معبر مدينة البوكمال الحدودي مع العراق، الذي يسيطر عليه الحرس الثوري الإيراني. وأقيمت القاعدة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، على تلة صغيرة تدعى الباغوز، وقد شيد حولها سور إسمنتي وعدد من الأبنية الإسمنتية مسبقة الصنع، وحولها عدد من أبراج المراقبة، مهمتها تقديم الدعم اللوجستي والعملياتي لقوات (قسد) في محاربة تنظيم “داعش”، كما تقوم بمهمة مراقبة الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له، والحد من نشاطه، لمنعه من السيطرة على الحدود العراقية السورية.

وتحتوي هذه القاعدة على عدد من العربات المدرعة ومجموعة من أجهزة المراقبة والتنصت، وفيها نحو 45 عنصرًا من “المارينز”، وتقوم بحراستها قوات “قسد” عبر طوق أمني.

تشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة تقيم معظم قواعدها بالقرب من آبار النفط والغاز في شرق سورية

وتشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة تقيم معظم قواعدها بالقرب من آبار النفط والغاز في شرق سورية، حيث هناك 4 قواعد عسكرية في دير الزور وحدها، يقدر عدد القوات المنتشرة فيها ما بين 250 و300 جنديا.

ومن هنا، فإن هذا الاستهداف المتزايد للقواعد الأميركية، خاصة تلك الموجودة في حقول النفط والغاز، يستهدف من جانب محور إيران ومليشياتها والنظام السوري مضايقة قوات التحالف هناك، على أمل دفعها في نهاية المطاف إلى الانسحاب منها، في ضوء حاجة النظام الشديدة لوضع يده على تلك الحقول بسبب الأزمات الاقتصادية التي يعانيها، وخاصة لجهة النقص الشديد في الوقود.

غير أن التمعن في الانتشار الأميركي العسكري في سورية، من النواحي العسكرية والسياسية والجيواسترتيجية، يفضي إلى الاستنتاج بأن الانسحاب الأميركي من تلك القواعد ليس بالأمر السهل حالياً، وخاصةً مع ارتباط الوجود الأميركي في سورية بالعراق، لأن توزع القوات يظهر ارتباطاً ميدانياً جغرافياً بين العديد من المواقع، مثل الشبكة التي تربط الوجود الأميركي في الأنبار العراقية، والتنف جنوب غرب القائم والبوكمال، وكذلك في الرميلان شرق الحسكة، مع القواعد في دهوك بكردستان العراق، ومع قاعدة سنجار أيضاً.

أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة لن تقبل بالسيطرة الروسية – الإيرانية على المنطقة، وترك حلفائها الأكراد لقمة سائغة أمام هذا المحور. ومع إدراك هذا المحور لهذه الحقائق، فإن التعويل في المرحلة الراهنة هو دفع قوات التحالف إلى إجراء عمليات إعادة الانتشار أو تبديل القواعد العسكرية، بما قد يمكن أركان هذا المحور من وضع موطئ قدم في تلك المنطقة المهمة استراتيجيا واقتصاديا.

عدنان أحمد

العربي الجديد