عراق الشرار واللاّنار: حكومة الكاظمي تكرّر وعيدها للمتستببين بحرائق المستشفيات

عراق الشرار واللاّنار: حكومة الكاظمي تكرّر وعيدها للمتستببين بحرائق المستشفيات

الأحداث المروّعة والكوارث المميتة ذات الصلّة بظاهرتي الفساد والإهمال، مثل الحريقين الكبيرين اللذين التهما أجزاء كبيرة من مستشفيين في ظرف أشهر قليلة وأوقعا ضحايا بالمئات، أصبحت أمرا معهودا في العراق ونتيجة طبيعية لتجربة الحكم الفاشلة القائمة على المحاصصة وتقاسم مؤسسات الدولة مثل المغانم، لكنّ تراكمها على مدار السنوات وسّع دائرة الرفض الشعبي لتلك التجربة وهيّأ المجال لخلخلة أركانها.

بغداد – خلّف الحريق المروّع الذي أتى على أجزاء من مستشفى في محافظة ذي قار بجنوب العراق صدمة كبيرة في صفوف العراقيين وأحيا مشاعر الغضب والنقمة على الطبقة الحاكمة وعلى النظام الذي تمثّله وأصبح مرتبطا في الأذهان بالفشل والفساد وما يتسبّبان فيه من كوارث لا تكاد تنقطع.

وقاربت حصيلة القتلى في الحريق الذي شبّ ليل الاثنين في مركز عزل مرضى كورونا بمستشفى الحسين الجامعي في مدينة الناصرية مركز ذي قار، حتى مساء الثلاثاء، المئة قتيل في حصيلة مرشّحة للارتفاع بسبب وجود العشرات من المصابين بحروق بليغة.

وفي أول تعبير تلقائي عن الغضب خرجت أعداد من سكان الناصرية للتظاهر أمام المستشفى وهم يهتفون “السياسيون حرقونا”.

وأمام خوف المسؤولين والسياسيين من تحمّل تبعات الكارثة نشطت عملية التنصّل من المسؤولية ونِسْبَتها إلى طرف مجهول و”أياد خبيثة”، مثلما ورد في بيان لتحالف سائرون التابع للتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي سبق له أن أعلن بشكل صريح طموحه للفوز بالانتخابات البرلمانية المبكّرة المقرّرة لشهر أكتوبر المقبل وتشكيل الحكومة القادمة.

لكنّ تعثّر القطاع الصحي وتكرار الحوادث المميتة في مؤسّساته وكذلك تعثّر الكهرباء ما فتئا يلحقان خسائر فادحة بسمعة الصدر ويسقطان صورة رجل الإصلاح والمحارب الشرس للفساد التي يعمل باستمرار على نحتها لنفسه، ذلك أنّ القطاعين المتعثّرين اللذين ينخرهما الفساد على نطاق واسع هما من حصّة تياره وفق مبدأ المحاصصة الذي يقضي بتوزيع الوزارات وإدارات الدولة بين الأحزاب المشاركة في الحكم.

برهم صالح: فاجعة مستشفى الحسين وابن الخطيب نتاج للفساد

واتّهم التيار في بيانه “الأيادي الخبيثة” بالتسبب في حريق مستشفى الناصرية، مطالبا “الحكومة الاتحادية بأن تأخذ دورها الحقيقي في حماية أرواح المواطنين”، ومعتبرا أن “أقل ما يمكن أن تقوم به هو كشف الأيادي الخبيثة التي تسببت بهذه الكارثة الإنسانية ومحاسبتها”.

ولا يختلف هذا البيان كثيرا عما كان قد أورده صالح محمّد العراقي الذي يوصف بأنّه “وزير الصدر” إثر تفاقم أزمة الكهرباء وتواتر عمليات تفجير أبراج نقل الطاقة، حيث سارع في منشور عبر تويتر إلى الدعوة إلى مظاهرة مليونية “من أجل إعادة الطاقة الكهربائية المنهوبة منذ سنوات طوال إلى عموم العراق بدل أن يتمتع بها الفاسدون من هنا وهناك”.

وقال الرئيس العراقي برهم صالح إنّ “فاجعة مستشفى الحسين في ذي قار وقبلها مستشفى ابن الخطيب في بغداد نتاج للفساد المستحكم وسوء الإدارة الذي يستهين بأرواح العراقيين ويمنع إصلاح أداء المؤسسات”.

وأضاف صالح في تغريدة أنّ “التحقيق والمحاسبة العسيرة للمقصرين هما عزاء أبنائنا الشهداء وذويهم”، مؤكدا أنه “لا بد من مراجعة صارمة لأداء المؤسسات وحماية المواطنين”.

وفيما لم يعلن رسميا عن أسباب الحريق ذكرت وسائل إعلام محلية أنه ناجم عن انفجار بمخزن أنابيب الأكسجين. وتحولت أسقف وجدران الوحدة التي أنشئت قبل أشهر قليلة بجوار المستشفى لعزل مرضى كورونا إلى ركام تغطيه آثار الدخان. واحتاجت فرق الإطفاء إلى ساعات لإخماد الحريق.

وكان المشهد في المكان مؤلما بعد منتصف ليل الاثنين مع ملابس وأغطية متناثرة. وقد توجه إلى المكان متطوعون من السكان محاولين إنقاذ المرضى وإخلائهم بين ألسنة اللهب.

وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مؤلمة أحدها لشرطي يذرف الدموع بعدما إنهار عند سماعه بوفاة اثنين من أقاربه في الحريق.

وشهدت عدة مناطق في ذي قار صباح الثلاثاء مواكب تشييع لضحايا قضوا في الحريق. وتم في أحد هذه المواكب تشييع ست ضحايا من عائلة واحدة هم امرأتان وثلاثة أشقاء وابن عمهم في قضاء الدواية شرقي الناصرية.

وفيما لو صحّت رواية انفجار أسطوانات الأكسجين كسبب لاندلاع الحريق تكون هذه المأساة نسخة طبق الأصل من تلك التي وقعت في مستشفى ابن الخطيب في بغداد نهاية أبريل الماضي ونجمت أيضا عن سوء تخزين أسطوانات الأكسجين التي يستخدمها مرضى كورونا.

وأثارت الكارثة ردود أفعال غاضبة على الفور حيث خرج المئات من المحتجين في الناصرية وتعالت صيحاتهم متهمة المسؤولين بالفساد والإهمال.

وقال شاب من المحتجين “على الدولة اتخاذ التدابير اللازمة في الأماكن التي تتعلق بها حياة الناس والتصدي للفاسدين لوضع حد لهذه المآسي”.

وعقب حادثة الاثنين أوقف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مدير دائرة صحة ذي قار ومدير مستشفى الناصرية كما أعلن حدادا وطنيا لمدة ثلاثة أيام.

إلا أنّ هذه التدابير لن تكون كافية للحد من غضب العراقيين الذين يعيشون هذه الأيام معاناة شديدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في طقس شديد الحرارة.

وقال ياسر البراك الأستاذ في جامعة الناصرية “مرة أخرى يثبت السياسيون فشلهم في إدارة البلاد فما إن نستفيق من مأساة يذهب ضحيتها أناس أبرياء حتى نصحو على مأساة جديدة تزيد محنة الإنسان العراقي”.

وتجددت الاحتجاجات في مدينة الناصرية صباح الثلاثاء وأغلق خلالها السكان طرقا مؤدية إلى الكثير من المستشفيات وعلقوا لافتات كتب عليها “مغلق بأمر الشعب” مطالبين بنقل المرضى إلى مستشفى جديد يضم 500 سرير افتتحه الكاظمي في يونيو الماضي لكنه مازال غير مستخدم حتى الآن.

وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق ردود أفعال تظهر اليأس المنتشر، من بينها تغريدة تقول “كل شهر نفس الفظاعة في العراق، يمكنني أن أنسخ وألصق تغريداتي فقط”.

العرب