مفزعة وغير مسبوقة إحصائيات الجوع وسوء التغذية التي تضمنها تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) الذي صدر مؤخراً بالتعاون مع أربع منظمات أممية أخرى هي برنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف). والأرقام الصادمة الأولى تفيد بأن 10٪ من سكان العالم أي قرابة 768 مليوناً عانوا من الجوع خلال سنة الأساس 2020، وأن أكثر من 2.3 مليار أو 30٪ من سكان الأرض افتقروا إلى الغذاء السليم على مدار السنة. وبعض النتائج الكارثية على مستوى الأطفال ترصد إعاقات بمعدل 149 مليوناً لمن هم في أعمار أقل من خمس سنوات، والانقسام على مستوى الجنس يشير إلى أن الجوع يضرب 11 امرأة مقابل 10 رجال.
هذه حقائق تنذر بأن التعهد الشهير، الذي قطعته الأمم المتحدة عبر برامج التنمية المستدامة بوضع حد للجوع على مستوى عالمي في سنة 2030، يظل بعيد المنال في ضوء المعطيات الراهنة التي زادت من وطأتها العواقب الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد ـ 19، وانعدام المساواة في استراتيجيات التعاون الدولي أو التقصير الفاضح الذي اتسمت به سياسات العديد من الدول المتقدمة لمواجهة الجائحة. فالتقرير يوضح أن خارطة الجوع ونقص التغذية على نطاق العالم تتوزع بمعدلات 418 مليوناً في آسيا، و282 مليوناً في أفريقيا، ونحو 60 مليوناً في أمريكا اللاتينية والكاريبي، وهذه أرقام تعيد التذكير بالشرخ القديم بين شمال العالم وجنوبه.
والجوع عند الملايين يعني أيضاً التخمة عند القلة من أغنياء العالم ومترفيه، ففي أحدث تقرير لها رصدت منظمة «أوكسفام» الدولية ارتفاع ثروات أغنى 10 أشخاص على مستوى العالم بمقدار 413 مليار دولار، أي ما يفوق أكثر من عشرة أضعاف حاجة الأمم المتحدة ضمن نطاق المهام الإنسانية المختلفة. وليس أقل إثارة للقلق ما تسجله المنظمة من تزايد الإنفاق العسكري بقيمة 51 مليار دولار، أي ما يكفي لتأمين أكثر من ستة أضعاف الرقم الذي تعلن الأمم المتحدة أنها في حاجة إليه لمجابهة الجوع. وكل هذا من دون إغفال الحقائق المروعة حول استخدام التجويع كسلاح في الحروب، وما يرتبط به من قطع الطرق أمام المساعدات الإنسانية المختلفة بما في ذلك الأغذية، وهذه هي الحال في اليمن وسوريا وجنوب السودان ومواقع أخرى كثيرة على امتداد خرائط الجوع.
وهذه الاعتبارات وسواها تبرهن أن الجوع والتجويع فيروس قاتل بدوره، بل لعله أشد فتكاً من فيروس كوفيد ـ 19 حسب إحصائية مرعبة تقول إن 11 شخصاً يقضون كل دقيقة بسبب الافتقار إلى الحد الأدنى من التغذية، أياً كان المعيار العلمي والغذائي المتفق عليه لتوصيف حالة الجوع. وإذا كانت أشكال التعاون الدولي والأممي قد تعثرت في إيجاد أنجع الطرائق لمواجهة الفيروس الثاني، فمن المؤسف أنها أكثر تعثراً في معالجة الفيروس الأول وذلك رغم عشرات المؤتمرات والتوصيات والتعهدات في الماضي وفي هذه السنة أيضاً.
القدس العربي