تجد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نفسها أمام اختبار حقيقي، إما الاستمرار في خطط الإدارات السابقة في التعامل مع أخطار الإرهاب والميليشيات الموالية لإيران أو الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط من دون إيجاد حل لمشكلاتها المتفاقمة.
وأثار الانسحاب الأميركي من أفغانستان موجة تساؤلات خلال الأشهر الأخيرة بشأن جدوى الاستراتيجية الأميركية، التي بدأت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، في ظل بقاء التهديدات الإرهابية في تلك المنطقة والشرق الأوسط عموما.
ويمثل تحدي تصاعد هجمات الميليشيات العراقية الموالية لإيران ضد القوات الأميركية الاختبار الأكثر وضوحا في القدرة على تحديد سياسة الرئيس بايدن وطريقة تعامله مع تهديدات الميليشيات المتزايدة في العراق وسوريا، وإضرارها بالمصالح الأميركية في المنطقة.ويفتح تصاعد تلك الهجمات الباب أمام تساؤلات بشأن السيناريوهات المتوقعة من إدارة بايدن لمواجهة الميليشيات وقادتها الذين لا يتوقفون عن إرسال تهديدات مباشرة
لواشنطن، ومطالبتها بسحب قواتها من العراق.
وشهدت المنطقة قبل أيام قليلة سلسلة من الهجمات المتجددة ضد الأهداف الأميركية. واستهدف دبلوماسيون وجنود في العراق وسوريا في ثلاث هجمات بالصواريخ وبطائرة مسيرة، بالإضافة إلى إطلاق 14 صاروخا على الأقل تجاه قاعدة عين الأسد العسكرية التي تستضيف قوات أميركية.
ولم يكن هذا الهجوم الأول من نوعه ضد قاعدة عين الأسد الواقعة وسط الصحراء والتي تؤوي جنود التحالف المناهض للجهاديين ومعظمهم من الأميركيين، لكن حجم العملية غير مسبوق، بالإضافة إلى هجمات أخرى على قاعدة أميركية في سوريا.
ويقول مايكل نايتس المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن قيام إدارة بايدن ولعدة مرات بضرب الميليشيات في العراق وسوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية يفوق ما قامت به إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2020 بأكمله.
وتخطط إدارة بايدن لخفض قواتها في منطقة الشرق الأوسط مع بدء استكمال عملية الانسحاب من أفغانستان التي تشهد الآن فوضى أمنية واسعة على خلفية سيطرة حركة طالبان المتشددة على مناطق واسعة في البلاد، بالإضافة إلى نقل معدات عسكرية متطورة من تلك المنطقة.
ويرى نايتس أن “الإبقاء على قوة صغيرة تركز على مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا بديلا عن الانسحاب الكامل من شأنه أن يعود بالفائدة على الخصوم مثل تنظيم الدولة الإسلامية والمتشددين الإيرانيين”.
ويقول إن الإدارة الأميركية عالقة في حلقة مفرغة تقوم على استخدام الضربات الصغيرة طفيفة الأثر في محاولة لردع الميليشيات وسط تجنب التصعيد، ويشير في هذا السياق إلى أن “أنصاف الحلول” لا تحقق النتائج المرجوة بإنهاء تهديدات الميليشيات.
جو بايدن يسعى للتأكيد أنه لا يقل حزما عن سلفه دونالد ترامب
لكن على الجانب الآخر أظهر بايدن أن استراتيجيته لا تختلف كثيرا عن سلفه ترامب في ملاحقة الميليشيات المتهمة بالوقوف وراء الاعتداءات الأخيرة والمتصاعدة في العراق.
ويقول مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن هدف الضربات الأميركية ضد الميليشيات هو بمثابة رسالة مفادها أن الولايات المتحدة في عهد بايدن لم تتخل عن حزمها تجاه تلك الميليشيات المدعومة من إيران، خاصة بعد تصعيد تلك الهجمات وتوظيف الطائرات المسيرّة لاستهداف القواعد الأميركية.
ويرى المركز في تقرير حول التطورات الأخيرة في العراق أن بايدن يسعى للتأكيد أنه “لا يقل حزما عن سلفه ترامب الذي وجه بتصفية قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد أبومهدي المهندس”.
ويوضح أنه “إذا كان ترامب يضع خطا أحمر لإيران يتمثل في مهاجمتها إذا قتل أي جندي أميركي، فإن بايدن قد وضع خطا أحمر جديدا، وهو الرد على الهجمات على القواعد الأميركية، حتى ولو لم يترتب عليها سقوط أي جنود أميركيين”.
أما نايتس، الذي عمل عن قرب داخل العراق في السنوات الماضية، فيرى أن “الضربات الأميركية لم تكن مبتكرة أو جريئة بما يكفي للتأثير على حسابات قادة الميليشيات”.
ويقول إن قادة الميليشيات لديهم نتيجة واحدة يخشونها فعلا وهي مقتلهم. ولا يدعو المحلل السياسي الأميركي إلى استخدام هذا “الخيار الأكثر تطرفا”، لكنه يرى أن على الإدارة الأميركية أن تبدأ بالتلميح إليه.
وظهر قادة الميليشيات من بينهم عبدالعزيز المحمداوي الذي يعد واحدا من أرفع المسؤولين عن ميليشيات الحشد الشعبي في جنازة رمزية لقتلى الضربات الأميركية في 29 يونيو الماضي في بغداد.
ويضيف “كان الخوف واضحاً عند رؤية قادة الميليشيات وهم يتفرقون ويخافون ويبتعدون عن الأنظار بعد قيام الولايات المتحدة بقتل سليماني والمهندس” في غارة جوية أوائل العام الماضي.
صحيفة العرب