لبنان: الوقوف أمام الهاوية!

لبنان: الوقوف أمام الهاوية!

بعد قرابة تسعة أشهر من المماحكات السياسية قدّم رئيس الوزراء اللبناني المكلّف سعد الحريري تشكيلة حكومية جديدة إلى الرئيس ميشال عون تضم 24 وزيرا، معتبرا أن حكومته المأمولة، إذا تشكلت، ستعمل «على وقف الانهيار» متمنيا جوابا إيجابيا من عون «لكي نبني على الأمر مقتضاه» كما قال.
جاءت مبادرة الحريري الأخيرة بعد زيارة قام بها إلى القاهرة التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في محاولة لتأمين دعم عربيّ إضافيّ لمسعاه، وهي خطوة تنبّه، من ناحية، إلى نأي السعودية بنفسها عن المشهد اللبناني، رغم زيارة السفيرتين الأمريكية والفرنسية إليها، والتي كانت تشكّل حجر رحى في المعادلة اللبنانية، توازن الوجود الإيراني والسوري، كما تذكّر بالنفوذ المصريّ القديم الذي كان أحد مواقع صناعة السياسة اللبنانية منذ خمسينيات القرن الماضي.
تصريحات عون، التي تبعت دعوة في المحكمة الابتدائية اللبنانية تشكك في أهليته للرئاسة، أشارت إلى أن «الحكومة مقبلة» وكررت حديثا غير مقنع عن أن «لا غطاء سياسيا لمرتكبي جريمة تفجير المرفأ» ويمكن اعتبار زيارة موفد رئاسي فرنسي له تصب في اتجاه الضغط لقبول تشكيل الحكومة، وعلى المقلب الآخر للمسألة فقد تداولت مواقع لبنانية رأي أحد المصادر الصحافية المحسوبة على «حزب الله» والذي يؤكد أن السيناريو سيتجه إلى رفض جديد من عون للتشكيلة الحكومية يتبعه اعتذار الحريري من دون تسمية بديل له.
دارت المفاوضات السياسية حول تشكيل الحكومة اللبنانية مرارا وتكرارا حول امتلاك الرئيس اللبناني وفريقه السياسي «الثلث المعطّل» ورغم أن أطراف فريق الرئيس اعتبرت ذلك عملا شرعيا لاستعادة سلطة الرئاسة التي تم إضعافها بعد اتفاق الطائف، وأن الأطراف السياسية الأخرى اعتبرتها افتئاتا على مقام رئاسة الوزراء، فإن جميع المولجين بالقضية اللبنانية قرأوا ذلك على أنه تمكين لصهر الرئيس، جبران باسيل، الذي حل مكانه في قيادة «التيار الوطني» كخطوة تمهيدية للحلول مكانه، لاحقا، في مقعد الرئاسة.
يتعلّق الأمر لدى الحريري بامتلاكه سلطة القرار على الحكومة التي ينوي تشكيلها، وهو أمر اكتسبه رؤساء الحكومات اللبنانيون ويعتبر التنازل عنه انقلابا على تسوية الطائف التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية، كما يتعلّق بمنع «الصهر الملك» من التحكم بقرار الحكومة كما يعتقد كثيرون أنه يتحكم بقرار الرئاسة.
يجري كل ذلك في الوقت الذي يعلم الطرفان أن لبنان هو تحت السيطرة الفعلية لإيران، وهو ما يفسّر استعانة باسيل «بصديقه» الأمين العام لـ«حزب الله» لترجيح موقفه في مواجهة الحريري، والقوى الدولية التي تشترط حكومة فاعلة توازن الأوضاع الاقتصادية والسياسية اللبنانية السائرة بسرعة نحو انهيار وتفكك وفوضى.
رغم ما يبدو أنه وصول لجميع الأطراف إلى «نهاية السكّة» فلا شيء حقيقيا يدعو للتفاؤل بإمكان ترجيح الساسة اللبنانيين، لمصلحة البلاد على مصالحهم الخاصة، رغم أن لبنان يسير، من دون هوادة، نحو هاوية سوداء، سيغرق ظلامها الجميع.

القدس العربي