هل تلمّح المقاومة إلى فك التصعيد؟

هل تلمّح المقاومة إلى فك التصعيد؟

على الرغم من تصاعد الهجمات على المواقع الأمريكية في العراق، إلا أن هناك العديد من المؤشرات على أن فصائل المقاومة تضع أسس لوقف التصعيد.

في أعقاب الضربات الجوية الأمريكية في 28 حزيران/يونيو، التي استهدفت ثلاثة مواقع لميليشيات متحالفة مع إيران في سوريا والعراق، انهال قادة المقاومة ووسائلها الدعائية بوابل من التهديدات ضد القوات الأمريكية في العراق. وفي إطار لغتها التصعيدية، تحدثت الميليشيات عن “تغيير المعادلة” – أي مساعي الميليشيات لطرد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق بالقوة. وجاء الخطاب مدعوماً بالأفعال: ففي نهاية حزيران/يونيو وبداية تموز/يوليو شنت الميليشيات هجمات على السفارة الأمريكية، على أربيل، وعلى “قاعدة عين الأسد الجوية” (مرتين) – رغم أن قسم العمليات الإعلامية الخاصة بالميليشيات بالغ في حجم الهجمات ووقعها في كل مرة. ولكن حتى مع هذا التصعيد من قبل الميليشيات، بدا أن قادة الميليشيات يمهّدون لفك التصعيد مع الولايات المتحدة. ويبدو من المرجح أن جولة التصعيد الحالية ستهدأ حالما تتمكن الميليشيات من الادعاء بأنها ردّت بشكل متناسب على الضربات الأمريكية، مما سيسمح لقادتها بإرضاء قواعد دعمهم.

وفي الواقع، لطّف قادة الميليشيات تهديداتهم بالدعوات إلى ضبط النفس، ففي 8 تموز/يوليو، قال أبو علي العسكري (اسم مستعار)، القيادي البارز في “كتائب حزب الله”، في بيان: “ندعو الإخوة في فصائل المقاومة العراقية لحفظ قواعد الاشتباك وعدم حرق مراحل المعركة مع العدو (الشكل 1)”. وبعد جولة من التصعيد في عدد الهجمات ضد القوات الأمريكية في العراق، يبدو أن أبو علي ترك المجال مفتوحاً أمام المزيد من ضبط النفس.كما أن أمين عام “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، جمع أيضاً بين الخطاب الناري واللغة الدالة على ضبط النفس. ففي خطاب متلفز بثّته قناة “العهد” (الشكل 2) في 29 حزيران/يونيو، وصف الخزعلي في البداية استراتيجية حرب الاستنزاف التي تتبعها المقاومة قائلاً: “عمليات المقاومة حريصة بقدر إمكانها على عدم إراقة دماء… كان التكتيك في المرحلة الماضية [قبل الضربات الجوية الأمريكية في 28 حزيران/يونيو] هو استنزاف قدرات العدو العسكرية”. ثم انتقل إلى التهديد بقتل العناصر الأمريكيين انتقاماً على مقتل جنود المقاومة بالضربات الجوية الأمريكية: “لن يكون الاقتصاص لدماء شباننا الغالية إلا دماء جنوده المحتلين”.

لكن بعد ذلك سارع قيس فوراً إلى التخفيف مجدداً من حدة لهجته، فتحدث عن استعداد المقاومة لفك التصعيد بعد الجولة الأخيرة من الهجمات من خلال الاستشهاد بـ “الآية 33” من “سورة الإسراء”: «ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا». وأضاف الخزعلي: “إذا تعلّمَتْ الإدارة الأمريكية الدرس، فليس لدينا مشكلة، يمكننا العودة إلى السياسة السابقة (تجنب القتل المتعمد للجنود الأمريكيين)”.

وأرسل هذان الزعيمان من المقاومة العراقية إشارة أخرى إلى استعدادهما لوقف التصعيد عبر إنكار أي دور لتنظيميهما في الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد. وجاء في بيان العسكري في 8 تموز/يوليو أن “المقاومة ترفض استهداف البعثات الدبلوماسية، وأن قرار المقاومة، هو عدم قصف حتى معسكر سفارة الشر الأمريكية (الآن على الأقل)”. وجاء بيان أبو علي بعد ساعات قليلة من تغريدة نشرها قيس الخزعلي وتضمنت الشعور نفسه: “بالنسبة إلى “الهيئة التنسيقية” لفصائل المقاومة إلى الآن لم تدخل السفارة الأمريكية ضمن معادلة الرد” (الشكل 3).

وفي أعقاب الغارة الجوية الأمريكية في 28 حزيران/يونيو، تعرضت الميليشيات العراقية لانتقادات من بعض أنصارها المتطرفين الذين طالبوا بعمل جاد ضد القوات الأمريكية في البلاد، وقد توفرت الأدلة بالفيديو على أن هؤلاء القادة يتعرضون للانتقاد من قبل قواتهم. لذلك يتوجب على الميليشيات أن تبدو وكأنها تنتقم لموت عناصرها. ولكن ذلك لا يستدعي بالضرورة قتل الجنود الأمريكيين والمخاطرة بضربات انتقامية من قبل الولايات المتحدة. فهذه الميليشيات بحاجة إلى إعطاء الانطباع بأنها انتقمت. ولهذا السبب كانت الشبكة الإعلامية الواسعة لفصائل المقاومة تعمل جاهدة على المبالغة بحجم هجماتها الأخيرة وفعاليتها.

وبالإضافة إلى إرضاء مناصريها، تعمل المقاومة أيضاً على التوفيق بين الأهداف التالية:

إنهاء حلقة الانتقام الفتاك: من الممكن أن تتجاهل الميليشيات الضربات الأمريكية غير الفتاكة، لكنها لا تتقبل الخسائر في الأرواح. لذلك تُلمّح الميليشيات إلى أنه يجب على الولايات المتحدة الرد على الأضرار المادية بأضرار مادية. وهذا ما يسعى قول الخزعلي “الدم مقابل الدم” إلى ردعه. وفي 9 تموز/يوليو، كشف منشور “صابرين نيوز” عن نية المقاومة في هذا الصدد، حيث أشار ما يلي: “تتجه المقاومة إلى… تغيير قواعد الاشتباك مع الاحتلال … كلما استهدفتم موقعاً واحداً لنا، سنستهدف جميع قواعدكم.”
أخذ احتياجات إيران الاستراتيجية بعين الاعتبار: على الرغم من أنه من المرجح أن تكون المقاومة العراقية قد نالت موافقة إيران على التصعيد الأخير في الهجمات، إلّا أن الميليشات ما زالت خاضعة على الأرجح لضوابط معينة تفرضها إيران بهدف تجنب عرقلة المفاوضات النووية مع الغرب.

حمدي مالك

معهد واشنطن