واشنطن تجنح للتهدئة في انتظار إيجاد صيغة لإبقاء القوات الأميركية في العراق

واشنطن تجنح للتهدئة في انتظار إيجاد صيغة لإبقاء القوات الأميركية في العراق

طغت نبرة التهدئة وتجنّب التصعيد ضد الميليشيات الشيعية في العراق على الخطاب الأميركي، قُبيل إطلاق جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي العراقي – الأميركي الذي يتّخذ من وضع القوات الأميركية في العراق محورا أساسيا له.

وأعلن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة جوي هود أنّ بلاده ليست في حالة حرب مع تلك الميليشيات، مضيفا “نريدها أن تتركنا وشأننا وتترك الشعب العراقي وشأنه”.

وجاء الموقف الأميركي بعد موجة تصعيد بين القوات الأميركية في العراق والميليشيات المعروفة بارتباطها الكبير بإيران، جسّدته ضربات جوية أميركية لميليشيات الحشد الشعبي في منطقة الحدود بين سوريا والعراق، أعقبها استهداف متكرّر من قبل الفصائل المسلحة لمواقع تمركز الجيش الأميركي على الأراضي العراقية والسورية، ولمقر سفارة الولايات المتّحدة في بغداد.

ويرجّح مراقبون أن تكون نبرة التهدئة الأميركية خيارا تكتيكيا خدمة لهدف أهمّ وأبعد مدى وهو إيجاد صيغة ما من خلال الحوار الإستراتيجي مع بغداد لإبقاء القوات الأميركية في العراق، والتي تضغط الميليشيات لدفعها إلى المغادرة ما سيعني للأميركيين إخلاء الساحة أمام إيران لاستكمال هيمنتها على البلد وربط أراضيه بأراضي سوريا المجاورة ضمن ممر طويل يصل طهران بضفة البحر المتوسّط عبر لبنان.

وتمثّل المساعدة على إعادة الاستقرار إلى العراق وإطلاق مساره التنموي شبه المتوقّف ورقة تفاوضية أميركية تلوّح بها واشنطن في الحوار الإستراتيجي سعيا إلى إيجاد صيغة مقبولة للحفاظ على حدّ أدنى من الوجود العسكري على أراضيه.وقال هود إنّ الجولة الرابعة من الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق ستعقد في غضون أيام قليلة لتعزيز العلاقات بين البلدين. وأضاف في لقاء افتراضي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى “نحن نشطون جدا في جهود إعادة الاستقرار إلى المجتمعات في العراق التي دمّرها داعش”.

كما حرص على التذكير بأن بلاده هي أكبر مانح لتنمية العراق من خلال برامج التنمية التابعة للأمم المتحدة، معدّدا أوجه المساعدات التي قدّمتها الولايات المتّحدة للعراق في هذا المجال.

وتعرّض هود لوضع حقوق الإنسان في العراق وما تعرّض له نشطاء الحراك الاحتجاجي هناك من عمليات خطف وتعذيب واغتيال، قائلا “لا يساورنا شك في أن الميليشيات المسلحة المعادية للديمقراطية تقف وراء هذه الأعمال الجبانة وتستهدف حقوق الإنسان والديمقراطية”.

وبحسب بيان للحكومة العراقية، وفي إطار الاستعداد للجولة الجديدة من الحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتّحدة، اجتمع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الخميس مع المنسق الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، وبحث معه “آليات انسحاب القوات المقاتلة من العراق والانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون الإستراتيجي لتعزيز أمن وسيادة العراق”.

كما تناول الطرفان “تطورات الأوضاع الإقليمية والتأكيد على حاجة المنطقة إلى تغليب لغة الحوار والتهدئة ودور العراق المتنامي في هذا الشأن”.

وفي أبريل الماضي اتفقت واشنطن وبغداد في ختام الجولة الثالثة للحوار الإستراتيجي على تحوّل دور القوات الأميركية والتحالف الدولي إلى دور استشاري تدريبي مع انسحاب القوات القتالية، وفق جدول زمني مرتقب.

ومنذ عام 2014 تقود واشنطن تحالفا دوليا لمكافحة تنظيم داعش الذي استحوذ آنذاك على ثلث مساحة العراق. ينتشر حاليا في العراق نحو 3000 جندي للتحالف بينهم 2500 أميركي.

وفي يناير 2020 صوّت البرلمان العراقي لصالح قرار يطالب بإخراج القوات الأجنبية بما فيها الأميركية من البلاد، إثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ورئيس هيئة أركان الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي.

ولا يحظى إخراج القوات الأجنبية من العراق بإجماع كافة الأطراف والقوى السياسية، فحماس الأحزاب والميليشيات الشيعية للمسألة يقابله اعتراض قوى سنّية وكردية تخشى اختلال التوازن بالكامل لمصلحة ما يعرف بمعسكر إيران في العراق. أما القيادات السياسية التي تحاول مسايرة القوى الشيعية المتنفّذة، فتعلم مدى حاجة العراق للولايات المتّحدة في عدّة مجالات أمنية واقتصادية وتخشى أن تتأثر العلاقات بين البلدين بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.

وتبعا لذلك يرجّح أنّ حكومة الكاظمي تخوض الحوار الاستراتيجي مع إدارة جو بايدن على أساس إيجاد صيغة توافقية لبقاء القوات الأميركية، ولذلك يتم طرح عناوين من قبيل: بقاء قوات قتالية بغرض التدريب وتقديم الاستشارة للقوات العراقية، وهو أمر يستبعد أن تقبل به القوى العراقية الموالية لإيران التي تطالب بسحب كامل للقوات الأميركية من العراق.

وغير بعيد عن ذلك أكّد الرئيس العراقي برهم صالح خلال استقباله ماكغورك الخميس أنّ “أمن العراق وحماية استقراره وسيادته الكاملة عنصر لا غنى عنه في استقرار وسلام المنطقة”.

وورد في بيان صادر عن الرئاسة العراقية أنّه خلال اللقاء وقع تناول “العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة وسبل تعزيزها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية في إطار الحوار الاستراتيجي القائم بين البلدين وفقا للمصالح المشتركة واحترام السيادة”، مشيرا إلى أن الطرفين شدّدا على “ضرورة مواصلة العمل في مكافحة الإرهاب واستئصال جذوره في كل المنطقة”.

صحيفة العرب