خطة غريفيث واتفاق الرياض: ملفان متعثران يواجهان المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن

خطة غريفيث واتفاق الرياض: ملفان متعثران يواجهان المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن

انطلاق مرحلة جديدة من التحركات الأممية في اليمن جاء في فترة زمنية يمر الملف اليمني خلالها بمنعطف حرج نتيجة لتصاعد المواجهات العسكرية بين قوات الحكومة اليمنية والحوثيين بعد فشل التوصل إلى اتفاق حول خطة المبعوث الأممي المنتهية مهامّه مارتن غريفيث لوقف إطلاق النار وتعثر تنفيذ اتفاق الرياض الموقّع بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهما الملفان اللذان سيلقيان بظلالهما على عمل المبعوث الأممي الجديد هانز جروندبرغ.

عدن – مدد مجلس الأمن الدولي مهمة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة في اليمن المعروف اختصارا بـ”أونمها” لعام جديد، بالتزامن مع إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعيين الدبلوماسي السويدي هانز جروندبرغ مبعوثا خاصا إلى اليمن خلفا للبريطاني مارتن غريفيث.

ويأتي ذلك بينما يشهد الوضع الميداني في اليمن تطورات عسكرية في جبهة مأرب، بالتوازي مع تعثّر تنفيذ اتفاق الرياض الموقّع بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وأكدت مصادر محلية في محافظة مأرب تجدد المواجهات في عدد من جبهات المحافظة الاستراتيجية التي يسعى الحوثيون لإحراز انتصار عسكري فيها قبل الذهاب إلى أي مشاورات نهائية حول الأزمة اليمنية.

وعن التطورات الميدانية في مأرب أكد الصحافي اليمني عبدالوهاب بحيبح في تصريح لـ”العرب” أن جبهات مراد جنوبي مأرب تشهد معارك ضارية، حيث شنت قوات الجيش الوطني والمقاومة وبإسناد جوي من طيران التحالف العربي هجوما واسعا على جبهات رحبة وعلفا استعاد خلاله الجيش الوطني مديرية رحبة وسيطر على مركزها بعد معارك عنيفة.

وأشار بحيبح إلى أن الميليشيا الحوثية تكبدت خلال المواجهات خسائر كبيرة ولجأت إلى تنفيذ ما يمكن وصفه بهجمات انتحارية لاستعادة ما فقدته من مواقع.

ويترافق التصعيد العسكري في مأرب والتوتّر السياسي في جبهة المناهضين للحوثي مع تداعيات اقتصادية، تسببت في انهيار قيمة العملة اليمنية (الريال) أمام العملات الأخرى في المحافظات الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، وتسارع حالة التدهور المعيشي والخدمي في تلك المناطق.

كما تترافق التطورات المتسارعة في الملف اليمني مع تحولات إقليمية ودولية كبيرة يرجح خبراء انعكاسها بشكل مباشر على طريقة التعاطي الدولي والأممي مع الأزمة اليمنية خلال الفترة القادمة، بعد تولي المبعوث السويدي الجديد مهام عمله في ظل ما تكشف عنه التصريحات والمواقف الأميركية والأوروبية من عجز عن تحقيق أي اختراق في مسار وقف الحرب اليمنية نتيجة الفشل في إقناع الحوثيين أو الضغط عليهم للقبول بخطة وقف إطلاق النار واستئناف مشاورات السلام.

ويذهب مراقبون إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تراجعا في الدور الأميركي والبريطاني الذي كان يتولى الملف اليمني في مجلس الأمن لصالح دور غربي ينسجم مع رؤية الاتحاد الأوروبي للأزمة اليمنية التي ينظر إليها في سياق الحوار مع النظام الإيراني ضمن مباحثات استئناف العمل بالاتفاق النووي التي تشهدها فيينا.

ومع تراجع الجهود الأميركية والبريطانية المتعلقة بدفع الحوثيين للقبول بخطة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار برزت خلال الآونة الأخيرة العديد من المواقف والتصريحات الدولية المتعلقة باتفاق الرياض الموقّع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية سعودية والتلويح بممارسة ضغوط على الطرف المعرقل للاتفاق.

وتصف مصادر سياسية الاهتمام الدولي المتزايد بالاتفاق بأنه محاولة لتعويض حالة الفشل المزمن التي رافقت جهود الدفع بعملية السلام بين الشرعية اليمنية والحوثيين طيلة السنوات الماضية.

ويشير الباحث السياسي اليمني سعيد بكران إلى أن أبرز التحديات التي ستواجه المبعوث الأممي الجديد تتمثل في انعدام الثقة بأهمية الجهود الأممية، خاصة بعد رحلة طويلة للمبعوثين الأمميين منذ جمال بنعمر وحتى مارتن غريفيث.

وقال بكران، في تصريح لـ”العرب”، “لا يوجد تفاؤل شعبي ولا رسمي ولا من أطراف الصراع بإمكانية إحداث المبعوث الجديد لأي اختراق، وهذا هو التحدي الحقيقي بالنظر إلى وجود حلقة مفقودة بين جهود المبعوثين الأمميين وبين وصول جهودهما إلى النجاح ربما تكمن في الآلية التي تُعتمد لتعريف الصراع وتحديد أطرافه”.

وفيما يتعلق باتفاق الرياض وإمكانية إحراز أي تقدم في هذا المسار بعد تعيين المبعوث الجديد أضاف بكران “يبدو بوضوح أننا ذاهبون إلى التدويل بعد انسداد الأفق بين الشرعية والانتقالي وتزايد حالة انعدام الثقة بين الطرفين، حيث تبدو الشرعية كمن أرغم على الاعتراف بطرف ترى هي أنه غير موجود وأنها قادرة على سحقه عسكريا خلال ساعات رغم فشلها سابقا لعام كامل في معارك الشيخ سالم في إحراز أي تقدم عسكري باتجاه زنجبار على الأقل”.

ويرى رئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى أن المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن جروندبرغ يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي لمحاولة تجاوز مشكلة صعوبة التئام فريق واحد يمثل الأطراف المتعددة التي تقاتل ضد الحوثيين، قبل أن يبدأ بتحديد موقف من نوايا الحوثيين تجاه السلام، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا بتطبيق بقية بنود اتفاق الرياض.

ويضيف مصطفى في تصريح لـ”العرب” أنّ من “المتوقع أن يستمر الحوثيون في استخدام تكتيكهم التقليدي نحو العملية السياسية عبر توظيفها كأداة حربية لكسب الوقت أثناء تصعيدهم العسكري خاصة تجاه مأرب. وما لم تكن الأطراف المناهضة للحوثيين مستعدة لتشكيل وفد تفاوضي واحد لملاقاة الحوثيين فإن أي ضغوط على هؤلاء للذهاب إلى السلام لن تكون فاعلة مع عدم إمكانية إقامة مشاورات وتحديد موعد انعقادها نظرا لعدم جهوزية الطرف الآخر. كما أن بدء المبعوث الجديد مهمته بالاقتصار على مشاورات مع الحوثيين من جهة ومع الشرعية من جهة أخرى كطرف مناوئ للحوثيين واستثناء بقية الأطراف المناوئة للحوثيين سيوصله إلى النتيجة ذاتها التي وصل إليها سلفه غريفيث وسيكون من الصعب عليه بعدها العودة إلى تصحيح آلية عمله بعد استنزاف الكثير من الوقت كما سيكون من الصعب عليه إعادة ترتيب كراسي الطاولة التفاوضية من جديد”.

ويشير رئيس مركز فنار إلى أن استكمال تطبيق اتفاق الرياض سيكون أولوية لجروندبرغ إذا أراد البدء من نقطة تمكنه من تحقيق تقدم في مهمته، خاصة وأن احتمال عودة الاقتتال بين طرفي اتفاق الرياض قد يضيف عقبة جديدة أمام مهمته التي ستأخذ وقتا لحلها ومعالجة الآثار التي قد تترتب عليها.

وفي تفسير لحالة الاهتمام الدولي الجديد باتفاق الرياض يضيف مصطفى “الجانب الذي يهم المجتمع الدولي أكثر في ملف تطبيق اتفاق الرياض مرتبط بالجهود الدولية في الحرب على الإرهاب مع تزايد المخاطر من عودة الجماعات الإرهابية للظهور في مناطق التوتر والنزاع بين طرفي اتفاق الرياض”.

العرب