قبل ثلاثة أعوام، وبعد عام من وصول دونالد ترمب إلى مقعد الرئاسة الأميركية، قطع كثيرون بأن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب، وحين صدر كتاب الأميركي مايكل وولف المعنون “نار وغضب”، أشارت صحيفة “اندبندنت” البريطانية إلى أن نسبة غالبة من المراقبين المحققين والمدققين من النخبة، وغيرهم من العوام، أضحوا جازمين بأن الحرب العالمية الثالثة مسألة وقت، وليست مجرد احتمالات يمكن أن لا تحدث.
على أن المثير هو أن ولاية ترمب اليتيمة قد انتهت، ولم تحدث القارعة النووية، والآن يعود الحديث عن تلك الحرب الكونية، على الرغم من وجود رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض، لا يميل إلى العنف ومع ذلك وجدنا صحيفة بريطانية أخرى، “الصن”، تحذر من خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، بعد دخول ثلاث غواصات نووية روسية البلطيق، ومناورات حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود، وقبل ذلك كانت البحرية الروسية ولأول مرة في تاريخها تذهب إلى مناورات بحرية في المحيط الهادي، أي أنها تدخل مجال نفوذ الجانب الأميركي من ناحية الغرب، مع ما يعنيه ذلك من إشارات لا تخطئها العين الأميركية.
والثابت أن أحاديث تلك الحرب لم تنطلق من عند المناورات فقط، بل ربما أججها صراع التسلح غير التقليدي، ذاك الذي انفلت من عقاله مرة متجددة في العقد الأخير، وبأسلحة نووية مخيفة، منها ما هو فرط صوتي، ومنها ما هو تقليدي مرعب من نوعية الصواريخ الروسية، “سارامات”، وقد أضيف إلى المخاطر نوع جديد من الغواصات الصاروخية القادرة على إحداث تسونامي في المياه، من فصيلة الغواصة الروسية “بوسيدون” غير المأهولة بالبشر، فيما الجانب الأميركي يكاد ينشر شبكة الليزر الخاصة به في الفضاء، في عودة ثانية لبرنامج حرب النجوم أو الكواكب، ذلك الذي وضع لبناته الرئيس الجمهوري رونالد ريغان عام 1983، ولا تتوانى الصين عن أن تلحق بالركب العالمي المسلح، فها هي ذي تصنع حائطاً من الصواريخ النووية تحت الأرض، بعدد يصل إلى عشرة آلاف صاروخ… هل يكفي ما تقدم لأن تكون الحرب العالمية الثالثة بالفعل على الأبواب؟
“ناشيونال إنترست” وشرارة الانطلاق المتوقعة
في أواخر عام 2019، كانت مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية الشهيرة، تنشر قراءة معمقة للبروفيسور روبرت فارلي، الكاتب والأستاذ بكلية الدبلوماسية والعلاقات الدولية في جامعة كنتاكي، وقد تناولتها وقتها بالنقل غالبية وسائل الإعلام الدولية، أشار فيها إلى خمسة أماكن بعينها، يمكن أن تكون موقعاً وموضعاً لقيام تلك الحرب.
في مقدمة تلك الأماكن يأتي الشرق الأوسط والخليج العربي، فمن جراء البرنامج النووي الإيراني وعدم قبول إسرائيل به، بل واستعدادها للقيام بضربات مكثفة للقضاء عليه قبل أن تصل طهران إلى سلاحها النووي، يمكن أن ينفلت العنف من عقاله، وتحدث تداعيات أوسع، تؤدي إلى تكرار سيناريو حرب السويس عام 1956، مع تدخل أميركي وروسي ويحتمل صيني هذه المرة، ومن غير مقدرة على التراجع كما حدث في منتصف خمسينيات القرن الماضي، بسبب إنذار أيزنهاور الشهير.
المكان الآخر الذي يتوقعه البروفيسور فارلي هو بحر الصين الجنوبي، الذي لا يقل سخونة عن سابقه، فالصين ماضية قدماً في بناء جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي، في حين ترى الولايات المتحدة أنها مياه دولية، مما يمكن أن ينتج عنه صدام عسكري، وبخاصة إذا اشتعل الملف التايواني بصورة أو بأخرى، الأمر الذي يقود في نهاية المشهد إلى فخ ثيوسيديدس دفعة واحدة.
المكان الثالث الذي يجرى الحديث عنه هو شبه الجزيرة الكورية، ذلك البلد الذي يستورد الفحم من الصين لتشغيل مفاعلاته النووية، ويعيش شعبه في حال أقرب إلى المجاعة، ومع ذلك باتت تتوافر لديه حزمة من الصواريخ النووية العابرة للقارات، والتي تزعج أميركا بنفوذها صباح مساء كل يوم، ما يجعل منها لغزاً استراتيجياً محيراً، وتزداد الحيرة من جراء قائدها الذي لا يمكن توقع أبعاد تحركاته وتصرفاته.
تبقى كذلك منطقة الهند وباكستان من المناطق المرشحة بقوة لصدام نووي، وقد ارتفعت احتمالات الصدام بعد أن اتخذ رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خطوتيه بإلغاء الحكم الذاتي الخاص بالجزء الذي تسيطر عليه الهند من إقليم كشمير، وتغيير سياسات الجنسية داخل بقية الهند.
ولا يوفر فارلي أن تكون تركيا، بصورة أو بأخرى سبباً مباشراً في صراع نووي، لا سيما إذا حاول أردوغان الاستيلاء على الترسانة النووية الخاصة بـ”الناتو” في تركيا.
تفتح قراءة المفكر الأميركي الأعين على تساؤل جوهري: هل كانت هناك بالفعل احتمالات سابقة لحدوث حرب عالمية ثالثة في العقود السابقة؟ وإذا كان العالم قد استطاع أن يتفادى حدوثها، فما الضامن لأن يصنع ذلك من جديد في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؟
فخ المواجهة الكونية وفرص نجاة سابقة
بالرجوع إلى دفاتر الحرب الباردة، تطفو على سطح الذاكرة من غير أدنى شك إشكالية الصواريخ الكوبية، التي نصبها الاتحاد السوفياتي في شبه الجزيرة الكورية، وهددت واشنطن بقصفها، قبل أن تسحبها موسكو، وإن حققت استفادة مباشرة من خلال سحب أميركا صواريخ مشابهة لها من تركيا.
في تلك الأيام الأحد عشر من عمر أزمة الصواريخ الكوبية، كان العالم على شفير أزمة حرب عالمية حقيقية.
وعلى الهامش من تلك الأزمة، والرواية هنا على ذمة زاريا غورفيت، من شبكة الإذاعة والتلفزة البريطانية، كادت تحدث مواجهة ما، بعد أن تسلل أحدهم إلى قاعدة جوية أميركية، ما أطلق صافرات الإنذار التي دفعت الطيارين الأميركيين إلى القفز إلى طائراتهم، والتحليق بها في السماء محملين بأسلحة نووية، وكانت المفاجأة أن من حاول اقتحام القاعدة الجوية، لم يكن سوى دب تسلق السياج من غابة مجاورة.
قبل ذلك وفي عام 1961، كادت مسألة مرور دبلوماسي أميركي من ألمانيا الغربية إلى ألمانيا الشرقية، تسبب صداماً عسكرياً بين الدبابات الأميركية ونظيراتها الروسية، قبل أن تنسحب الأخيرة ووراءها الأولى.
والمتابع لمرات الصدام التي كادت فيها الحرب العالمية الثالثة تنطلق، تستعيد الذاكرة أزمة حرب فيتنام عام 1965، ثم حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وما تردد عن نيات السوفيات إرسال قوات لمصر تواجه القوات الإسرائيلية، الأمر الذي كان سيواجه بقوات أميركية أوروبية على الأرض في أسرع وقت.
ولعل آخر المرات المعلن عنها، كانت تلك التي جرت بها المقادير عام 1983، عبر ما عرف بمناورات حلف الناتو المسماة “إيب آرتشر”، وكانت قد صممت لمواجهة تصعيد سوفياتي نووي، الأمر الذي دعا إلى فهم سريع لدى أعضاء قيادة الاتحاد السوفياتي بأن ما يجري هو تحضير لشن هجوم عسكري على موسكو بالفعل.
ويبقى السؤال المحير: هل يمكن للعالم المعاصر بأدواته التكنولوجية وآلياته المعلوماتية أن يتفادى الصراع العالمي كما حدث في القرن الماضي؟
الاختراقات السيبرانية والمواعيد المتوقعة
في واقع الحال باتت هواجس الحرب العالمية الثالثة أقرب من جراء تطور خطير لم يكن حاضراً زمن الحرب الباردة، فقد تغير شكل العالم، من التعاطي الواقعي إلى التعامل في الفضاء السيبراني.
في هذا الإطار تقفز كارثية الاختراقات السيبرانية، ويطرح البعض فكرة إمكانية الوصول إلى الترسانات العسكرية، سواء كانت التقليدية أو النووية، ومن غير أدنى مقدرة من الدفاع عن النفس.
هذا السيناريو الرهيب لم يعد غير قابل للتحقق، ذلك أنه يوماً تلو الآخر نستمع إلى اختراقات من هذا النوع، بعضها تسبب في ارتباك انتخابات رئاسية كما جرى في الولايات المتحدة عام 2016، وبعضها الآخر طال وزارتي الخزانة والتجارة في الداخل الأميركي، عطفاً على شكوك من دخول الهاكرز إلى بعض المواقع الأميركية العسكرية.
وفيما تبدو قصة اختراقات العالم الرقمي قائمة بذاتها، يختلف البعض حول الموعد الذي يمكن أن تنطلق فيه مثل هذه الحرب الكونية الثالثة.
خذ إليك على سبيل المثال السيناريو الذي تحدثت عنه مجلة The Critic في ديسمبر (كانون الثاني) 2019، فقد تخيلت أنه وبسبب تدهور العلاقات مع بكين في عام 2029، سوف تعلن جزيرة هونغ كونغ استقلالها، الأمر الذي لن تقبل به الصين بحال من الأحوال، وسوف تعتبر أنه سيناريو غربي لنزعها عن الصين الأم كما تدعي دوماً، ولهذا تسارع بفرض حصار قاتل وخانق على الجزيرة ومن فيها من جنسيات أجنبية، ما يجعل منهم رهائن بالفعل، ثم تطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بـ”الصين الموحدة”.
سوف ترفض واشنطن بلا شك التصرف الصيني، وتسارع بإرسال بعض من قوتها البحرية الضاربة المتمثلة في حاملات الطائرات النووية، وساعتها لن تجد الصين بداً من التعامل معها بأسلحتها الفتاكة المتدرجة من التقليدية إلى النووية، ومع تطور الاشتباكات يمكن أن نرى روسيا طرفاً فاعلاً، وبخاصة في ظل رؤية استراتيجية للتنسيق بين موسكو وبكين، انطلاقاً من مصالح مشتركة، مع الأخذ في عين الاعتبار أن كلاً منهما لا يريد لأحدهما أن يخرج منتصراً بقوة من مواجهة كتلك.
سيناريو آخر لتلك الحرب المتوقعة رسمه القائد السابق للقيادة العليا لحلف شمال الأطلسي، الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، ونشره في مجلة “تايم” الأميركية في شهر مارس (آذار) الماضي.
ستافريديس يؤكد أن الصين والولايات المتحدة تسيران في مسار تصادمي، ومن المرجح أن تجدا نفسيهما في وضع شبيه بالحرب الباردة في المستقبل القريب، وتوقع أن يقود ذلك إلى نشوب حرب طاحنة بين البلدين بحلول عام 2034، قد تستخدم فيها الأسلحة النووية.
هل هناك سيناريو غريب وعجيب لم يستمع إليه إلا نفر قليل من ذوي الدالة على البحث المعمق في ما ورائيات النظريات العسكرية، وبخاصة لدى رجالات الاستخبارات الذين يعملون في المناطق الرمادية، والمظللة، تلك التي لا تظهر على السطح إلا في مرات نادرة؟
اقرأ المزيد
هل كانت الحرب العالمية الأولى على وشك التوقف في 1915، كيف ذلك؟
الحرب العالمية الثانية أدخلت البشرية “عصر الجنون”
إشكالية قانونية في سعي جونسون إلى زيادة الأسلحة النووية
اليوم الدولي لإزالة الأسلحة النووية… تنوعت الاتفاقيات والموت واحد
الأسلحة النووية وعقيدة تصدير الثورة الإيرانية
جورج فريدمان وسيناريو حرب كونية 2050
من أشهر العقول الأميركية على الساحة طوال العقود الثلاثة الماضية يجيء جورج فريدمان، صاحب مؤسسة ستراتفور، التي تعرف في الداخل الأميركي بأنها استخبارات الظل.
أحد أهم مؤلفات فريدمان كتابه المعروف باسم “الأعوام المئة القادمة… استشراف القرن الحادي والعشرين”، وفيه تظهر للعيان رؤيته للمواجهة الأممية القادمة، والغريب أنها لن تجري مقاديرها بين أميركا وروسيا، أو أميركا والصين.
يقول فريدمان إنه بحلول منتصف هذا القرن، ستكون الولايات المتحدة قد استطالت ذراعها لتصل إلى أية نقطة في العالم من خلال طائراتها الفرط الصوتية والصواريخ التي ستكون قادرة على إطلاقها من منصات فضائية.
في ذلك الوقت ستكون واشنطن قادرة أيضاً من خلال هذه الأنظمة على فرض حصار بحري على كل من تركيا واليابان، إذا اقتضت الضرورة ذلك.
يقدم فريدمان توليفة قطبية غير ممكن تصورها في الوقت الحاضر، فيها ستكون الصين وأميركا في صف واحد، ومعهما بولندا التي ستكون دولة رائدة في أوروبا، وبجانبهما بريطانيا والهند، وفي المقابل تحالف من اليابان وتركيا.
وعند فريدمان أن الائتلاف الياباني التركي سيتعين عليه أن يضع خطة حرب يكون من شأنها تقليص القدرات الحربية للولايات المتحدة بصورة دراماتيكية، وتوفير الوقت الكافي لهذا الائتلاف لشن حرب على المصالح الأميركية.
في تلك المواجهة سوف تراهن واشنطن على مركباتها الفضائية، وهنا فإن الأتراك واليابانيين سوف يراهنون على منع الولايات المتحدة من السيطرة على الفضاء، ولكي يتم ذلك، على دولتي الائتلاف تحقيق ما يعتقد الأميركيون باستحالته، أي تدمير المركبات الحربية الفضائية.
سيفتح مثل هذا الإنجاز إن حصل، فرصاً أمام قوتي الائتلاف لإعادة رسم خريطة توازن القوى في المحيط الهادي وشرق آسيا، إضافة إلى المناطق المترامية الأطراف التي تحيط بتركيا.
يلفت فريدمان إلى أن اليابانيين سوف يجرون أبحاثاً في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين حول مشكلة كيف لهم أن يتعاملوا مع المركبات الحربية الفضائية الأميركية، وسيطورون برنامجاً فضائياً قوياً بعد 2020، قبل قيام الأتراك بمثل هذه النقلة بمدة طويلة لأن الأتراك سوف يركزون جل اهتمامهم خلال هذه الفترة على ما يحدث بالقرب من حدودهم.
يأخذ مسار الحديث عن تلك الحرب العالمية فصلين من كتابه، العاشر، والحادي عشر، ويلفت الانتباه إلى أمر غاية في الأهمية، ضمن سياق التغيرات الجيو استراتيجية في العقود الثلاثة القادمة، وهو عودة اليابان إلى سماوات الحياة العالمية القطبية، وهي عودة من الواضح أنها ليست سلمية، بل عسكرية، وهو أمر يمكن أن تسوقه الأقدار بالفعل إذا تنامت شوكة اليمين الياباني الذي يطالب بكتابة دستور جديد للبلاد، وطرد القوات الأميركية، وإعادة تكوين القوات المسلحة اليابانية، وهنا ليس سراً القول إن اليابان تمتلك التكنولوجيا اللازمة لصناعة القنبلة النووية، ويمكنها أن تحول مصانعها المدنية إلى مصانع حربية خلال ستة أشهر، مع العلم أنه خلال العقود الثلاثة القادمة سيكون العالم تجاوز النووي إلى ما هو أشد هولاً.
أما تركيا فمن الواضح أنها تسعى لأن تضحى رمانة ميزان في شرق آسيا، ولهذا تغزل على المتناقضات ما بين الشرق والغرب، تغازل الأميركيين تارة، وتتودد للروس تارة أخرى، وهي لا تثق في هؤلاء أو أولئك، وإنما يحدوها مشروعها الخاص لإعادة زمن الخلافة، الذي يبدأ من امتلاك ترسانة عسكرية، وهو أمر تبدو إرهاصاته حاضرة في العقد الأخير.
الحرب الثالثة أهي قدر مقدور وحتمي؟
وعلى الرغم من القراءات السابقة المتقدمة التي تسعى في طريق الحتمية التاريخية الجبرية لوقوع تلك الحرب، يعن لنا أن نسأل: هل الحرب العالمية الثالثة وكما يقال قدر مقدور في زمن منظور؟
يمكن القول وبموضوعية إنه إذا جنبنا حالات سخونة الرؤوس التي يمكنها أن تزج العالم في المحرقة النووية، والتي يمكن أن يدفع بها بعض القادة من فاقدي الوعي والعقل معاً، وإذا جنبنا كذلك ـوهو أمر لم يعد صعباًـ احتمالات وقوع أسلحة نووية في أيدي جماعات إرهابية، أو تنظيمات قومية شوفينية يمينية متطرفة، فإن الميل إلى إشعال حرب نووية يفقد بريقه عند الكثير من المحللين الاستراتيجيين، عسكريين أو مدنيين، وهذا ما يمكن أن يلمسه المرء في المحاولات الدؤوبة الجارية بين موسكو وواشنطن لإيجاد حالة من الاستقرار الاستراتيجي بين الدولتين الكبيرتين، ويما ينعكس على بقية بقاع وأصقاع العالم.
وبالقياس نفسه نجد رغبة متبادلة بين واشنطن وبكين في تجنب المواجهة، ولهذا تطفو فكرة التعاون الاقتصادي والتجاري، ومحاولة بلورة رؤية من التعاون تخدم شعوب الدولتين.
تقودنا لحظات العقلانية إلى القطع بأن أي حرب كونية قادمة لن تعرف منتصراً أو مهزوماً، كما حدث في نتيجة الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل سيكون الدمار والفوضى من نصيب الجميع.
وعلى الرغم من الصراعات الاقتصادية الظاهرة على السطح، فإن الكل يدرك أن أي اختلالات على صعيد أحوال الكوكب سوف تقود إلى تدهور مستوى حياة الشعوب برمتها، عوضاً عن فتح مسارب للتنمية والإعمار.
عرف العالم في العقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي نظاماً عالمياً مترابطاً أفرزته السوق العالمية، وجاءت العولمة لتعزز من تيار الليبرالية الجديدة.
كما أثبتت أزمة “كوفيد-19” أن العالم قد أضحى حارة كونية وليس قرية كما قال مارشال ماكلوهان في ستينيات القرن المنصرم، ومن هنا تتبدى للفاعلين الدوليين علامة مهمة على الطريق، وهي إما أن تعيش البشرية معاً، وإما تغرق سوية، وبخاصة في ظل وجود حرب عالمية من نوع آخر تتربص بالجميع.. ماذا عن ذلك؟
الحرب العالمية الإيكولوجية والشتاء النووي
بعيداً عن التقديرات الخاصة بالضحايا من البشر، فإن أي ضربات نووية ستخلف من ورائها كميات هائلة من الأدخنة نتيجة لاحتراق تلك المناطق.
الدخان المتصاعد بكثافة لم تعرفها البشرية من قبل سوف يرتفع بسرعة هائلة إلى طبقة الغلاف الجوي المعروفة باسم “سترانو سفير”، المحيطة بكوكب الأرض، وهناك ستظل عالقة لسنوات طويلة.
ولأن الكرة الأرضية باتت مصابة بعمق في حالة مناخها، ولأنها تشكو من ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث درجات حرارة الأرض سوف تتجاوز المعدلات الطبيعية في العقد القادم، لذا فإن أي صراع نووي سوف يكون الحكم النهائي على بقاء الجنس البشري على سطحه، وبخاصة بعدما تسمح تلك الأدخنة بحجب الشمس وأشعتها عن القسم الأكبر من كوكب الأرض، ما سيؤدي إلى شتاء قاتل في بعض المناطق، واحترار عالمي في مناطق أخرى، لتبقى الأرض مرشحة لانفجارات طبيعية لم تعرفها منذ زمن الطوفان العظيم.
وفي الخلاصة، إذا كان أفضل طريق للتنبؤ بالمستقبل هو صناعته، لذا يبقى أنفع وأرفع طريق لتجنب الحرب العالمية الثالثة هو تبيان كارثتها على الجنس البشري، ودفع العقلاء في طريق تخفيض احتمالات حدوثها وسواء كان ذلك في 2029 أو 2034 أو 2050.
إميل أمين
اندبندت عربي