ماذا بعد اتفاق “أوبك+” هل تعود الأسواق إلى التوازن؟

ماذا بعد اتفاق “أوبك+” هل تعود الأسواق إلى التوازن؟

أثار فشل اجتماع “أوبك+” مطلع الشهر الحالي مخاوف من احتمالية فقدان التحالف السيطرة على الأسواق النفطية، ولكن الأعضاء تغلبوا على الخلافات وتوصلوا إلى اتفاق عادل يدعم استقرار أسواق النفط حتى نهاية 2022. في وقت بدأت فيه الأسعار سلسلة تراجعات بما يصل إلى 6 في المئة أثناء التعاملات، وهو ما يثير المخاوف إزاء فائض في المعروض من الخام بينما تتزايد الإصابات بكوفيد-19 حول العالم. وهبطت عقود خام برنت القياسي العالمي 5.5 في المئة إلى 69.55 دولار للبرميل، في حين هوت عقود الخام الأميركي أكثر من 6 في المئة إلى 67.42 دولار للبرميل.

ورأى متخصصون نفطيون في تصريحات لـ “اندبندنت عربية”، “أن الاتفاق يلبي تطلعات الأسواق وتوقعات نمو الطلب، إذ سيُفرج عن 5.6 مليون برميل بحلول مايو (أيار) 2022، مع تعديل الأساس المرجعي للسعودية وروسيا والإمارات والعراق والكويت، وأن التحالف، المكون من 23 دولة، لا يزال يبدي حذره بزيادات تدريجية شهرية لا تتجاوز 400 ألف برميل يومياً، لمراعاة الآثار العكسية المحتملة للجائحة وظهور سلالات جديدة قد تؤدي إلى فرض قيود الإغلاق مرة أخرى”.

التحديات باقية

وذكرت وكالة “بلومبيرغ” في تقرير، “أنه ومع الافتراق عاد تحالف (أوبك+) للتوافق، لكن التحديات ستبقى مستمرة”، وبحسب متخصصين “فإنه مجرد أن تمر أزمة كورونا، قد تظهر مشكلة هيكلية في المنظمة من جديد، تتمثل في صعود وفرة النفط واستيعابه في الأسواق. في الوقت ذاته ستبقى متحورات الوباء العالمي أحد أبرز التحديات التي ستواجه الدول المنتجة في ظل ضبابية النمو الاقتصادي العالمي”. بينما أشارت “بلومبيرغ” إلى معدلات الاستهلاك العالمي من النفط، إذ ذكرت أن العالم استخدم 173 مليار برميل خلال السنوات الخمس الماضية، وفقاً لأرقام شركة “بي بي”.

ولا تزال الاحتياطات المؤكدة تزداد بشكل طفيف، لتصل إلى 1.73 تريليون برميل في نهاية عام 2020. لكن حتى لو زاد الطلب بخط مستقيم من 96.5 مليون برميل يومياً هذا العام إلى 150 مليون برميل يومياً عام 2040، فإن الاحتياطات ستغطي ذلك مرتين تقريباً.

واتفق وزراء منظمة الدول المصدِّرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، الأحد، على زيادة إمدادات النفط من أغسطس (آب) المقبل لتهدئة الأسعار التي صعدت إلى أعلى مستوى في عامين ونصف العام، مع تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا.

وخلال الاجتماع الوزاري الـ19 للتحالف، جرى الاتفاق على رفع خط الأساس لإنتاج “أوبك+” من 43.8 إلى 45.5 مليون برميل يومياً اعتباراً من مايو 2022. حتى يُعاد كل الإنتاج المتوقف إلى السوق. إذ جرى رفع خط الأساس لإنتاج السعودية وروسيا في اتفاق تخفيضات الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل لكل منهما من مستوى 11 إلى 11.5 مليون برميل يومياً اعتباراً من مايو 2022.

كما جرى تحديد خط أساس إنتاج الإمارات عند 3.5 مليون برميل يومياً بدلاً من 3.17 مليون حالياً، وزيادة خط الأساس لإنتاج الكويت والعراق بـ150 ألف برميل يومياً، اعتباراً من مايو 2022.

وكانت هذه الصفقة معلقة منذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، في أعقاب مطالبة الإمارات بتغيير شهر الأساس الخاص بها، من أجل الموافقة على تمديد اتفاقية تخفيضات الإنتاج إلى ما بعد أبريل (نيسان) 2022.

وبحسب نتائج الاجتماع، سيُتخلص تدريجياً من التعديل على الإنتاج بنحو 5.8 مليون برميل يومياً في سبتمبر (أيلول) 2022، على أن تعمل المجموعة على تقييم تطورات السوق وأداء الدول المشاركة في ديسمبر (كانون الأول) 2021.

انفوجراف.png
بالأرقام… اتفاق “أوبك+” (اندبندنت عربية)

الأسعار حققت ارتفاعات

وكانت أسعار النفط قد ارتفعت بأكثر من 50 في المئة هذا العام، إذ أدى طرح اللقاح في الاقتصادات الرئيسة مثل الولايات المتحدة إلى تسريع الانتعاش من الوباء. وأخيراً حذرت وكالة الطاقة الدولية، التي تتخذ من باريس مقراً لها، في تقريرها الشهري الأخير، من أن سوق النفط “ستضيق بشكل كبير”، ويُحتمل أن يلحق الضرر بالانتعاش الاقتصادي دون إنتاج إضافي من “أوبك+”.

وذكر البيان الختامي للاجتماع الوزاري الـ19 لـ”أوبك” وغير الأعضاء في منظمة “أوبك+”، “أن هناك حالة من التعزيز المستمر لأساسيات السوق، إذ أظهر الطلب على النفط علامات واضحة على التحسن وتراجعت مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، واستمر الانتعاش الاقتصادي في معظم أنحاء العالم بمساعدة برامج التطعيم المتسارعة”.

وأوضح أن الاجتماع رحب بالأداء الإيجابي للدول الأعضاء في إعلان التعاون لـ”أوبك+”، إذ بلغ الالتزام باتفاقية الإنتاج بين الدول الأعضاء ما نسبته 113 في المئة خلال يونيو الماضي (بما في ذلك المكسيك) ما يعزز اتجاه الامتثال العالي من قبل الدول الأعضاء.

اتفاق عادل

من جهته، قال المتخصص في شؤون النفط محمد الصبان، “إن الاتفاق الأخير يعتبر عادلاً ومناسباً ويلبي تطلعات الأسواق في الفترة الراهنة ويستمر حتى نهاية 2022”. وأضاف، “إن زيادة الإنتاج شهرياً بمقدار 400 ألف برميل يومياً تعكس حالة الحذر في تخفيف زيادات الإنتاج، في ظل ارتفاع إصابات كورونا وتحور الفيروس وظهور سلالات جديدة مثل متحور دلتا والاتجاه إلى إغلاق الأسواق مرة أخرى وفرض قيود السفر، مما يضعف الطلب العالمي على النفط”. وتابع، “كانت هناك مخاوف كبيرة بألا يخرج التحالف باتفاق. أما الآن فتم حل المشاكل وأصبح هناك توافق بين أعضاء التحالف”.
وذكر الصبان أن تحرك الإمارات دفع الكويت والعراق إلى زيادة حصتيهما، مؤكداً “أنه لم يكن هناك اعتراض على طلب الإمارات إلا أن الطلب جاء بوقت متأخر من الاجتماع الأخير مطلع يوليو (تموز)، الأمر الذي حفز دولاً أخرى للمطالبة بتعديل الأساس المرجعي لها أيضاً، وهو ما تسبب في تأجيل الاجتماع لدراسة القرار”. وكشف أن اتفاق “أوبك+” الأخير يعد انتصاراً للتحالف، ويثبت قوته ووحدته في إدارة أسواق النفط.

وأكد، “الاتفاق الجديد يلبي احتياجات الأسواق، إذ إن التخفيض الذي يتجاوز 5.5 مليون برميل سيُنتهى منه في مايو 2022 وسيكون هناك تعديلات في حصص الإنتاج، مع توقعات التعافي من تداعيات الجائحة بحلول نهاية العام الحالي واستمرار تحسن الطلب”.

نتائج إيجابية

من جهته، وصف طارق الرفاعي، مدير مركز “كوروم” للدراسات الاستراتيجية في لندن، نتائج اجتماع “أوبك+” بأنها ستكون إيجابية للأسواق النفطية، مضيفاً، “الاتفاق برفع التخفيضات والعودة للإنتاج كما كان قبل الجائحة سيتم تدريجياً وخلال أكثر من عام، أي بحلول سبتمبر 2022 في ظل مخاوف لدى دول التحالف من تأثير قراراتها بشكل مباشر في أسواق النفط والمال حول العالم”.

وأوضح الرفاعي، “أن صدور نتائج استهلاك النفط في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي التي أظهرت استهلاكاً قياساً على الخام بسبب نمو الاقتصاد الأميركي خلال الستة أشهر السابقة، الذي أدى إلى ارتفاع الطلب على النفط في أكبر اقتصاد في العالم، وفي المقابل هناك انخفاض ثلاثة في المئة في واردات الخام إلى الصين، ما انعكس على خفض النمو الاقتصادي لها، الذي لا يزال ينمو، ولكن ليس بالمستويات السابقة نفسها في الأشهر السابقة، فكان لا بد من قيام تحالف (أوبك+) بموازنة هذين العاملين على اعتبار أن أكبر اقتصادين في العالم، أميركا في مرحلة نمو قوية والصين في مرحلة تباطؤ نسبياً”.

وأشار إلى “أن أسعار الخام ارتفعت بقوة في العام الماضي من مستوى الأربعينات إلى 75 دولاراً لخام برنت في الأسبوع الماضي، وتتجه نحو 80 دولاراً للبرميل وهذا المستوى ستتخطاه الأسواق خلال هذا العام ما سيؤثر في نمو الاقتصاد العالمي، فكلما ارتفعت الأسعار أثر ذلك في النمو الاقتصاد العالمي، بخاصة في بعض الدول ذات النمو الضعيف في الوقت الراهن مثل بعض دول أوروبا والهند ودول أميركا الجنوبية”.

وأضاف مدير مركز “كوروم” للدراسات الاستراتيجية في لندن، “أنه إذا ما شهدت الأسواق ارتفاعاً مستداماً والوصول إلى توقعات بعض البنوك الاستثمارية العالمية فوق 85 أو 90 دولاراً خلال هذا العام سيعد ذلك سلبياً على النمو الاقتصادي العالمي، ما يدفع تحالف (أوبك+) إلى موازنة جميع هذه العوامل في اتفاق سياسة الإنتاج حتى نهاية العام الحالي”.

دعم الاستقرار

وقال المتخصص في الشؤون النفطية خالد بودي، “إن ما قررته أوبك من زيادة تدريجية في إنتاج النفط بواقع 400 ألف برميل يومياً اعتباراً من الشهر المقبل يدعم استقرار الأسواق والأسعار ويبعث رسالة طمأنة للأسواق بأن تحالف (أوبك+) متماسك ولن يرفع إنتاجه من النفط إلا في حدود ما تم الاتفاق عليه، مما يحد من القلق بخصوص ضخ كميات من النفط بشكل غير منضبط، مما يؤدي إلى حدوث فوائض في السوق تضغط على الأسعار”.

وتوقع بودي، “أن تشهد الأسعار استقراراً حول المستويات الحالية حتى نهاية السنة المقبلة”، مضيفاً، “أن ما يدعم تماسك الأسعار أيضاً توقعات انفراج لجائحة كورونا مع نهاية هذا العام، مما ينتج عنه عودة الكثير من الأنشطة الاقتصادية إلى مستويات من التشغيل قريبة من نظيرتها قبل الجائحة، وبالتالي زيادة الطلب على النفط نتيجة زيادة مستوى النشاط الاقتصادي”.

غالب درويش

اندبندت عربي