موسكو والمصالحة بين دمشق وأكرادها

موسكو والمصالحة بين دمشق وأكرادها

قبل نحو أسبوعين، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أكراد سوريا إلى الحوار مع حكومة دمشق، وعدم الرضوخ لمحاولات فرض نزعات انفصالية.

وبعد أيام من ذلك، لفت المبعوث الرئاسي الروسي الخاص لسوريا، ألكسندر لافرنتييف، نظر أكراد سوريا إلى “الاتعاظ” من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، داعيا إلى تنظيم حوار بين أكراد سوريا والحكومة السورية، متحدثا عن “حلول وسط”، وضرورة الخروج باتفاقيات محددة.

التصريحات الروسية هذه أعادت الانتباه إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به موسكو على خط دمشق-الإدارة الذاتية للأكراد في شمال شرق سوريا، وإمكانية تحقيق مصالحة بين الطرفين، خاصة أن الأكراد سارعوا بالترحيب بتصريحات موسكو، مبدين استعدادهم للحوار، وأكدوا أن الحوار وحده كفيل بتحقيق الحل السياسي للأزمة السورية.

بداية، لا بد من القول إن أي حوار من شأنه أن يسهم في عودة الاستقرار إلى سوريا وتحقيق المصالحة بين أطراف أزمتها، يبقى هدفا ساميا للسوريين، الذين اكتووا بنار الحرب ودمارها.

وعليه، فإن الحوار بين دمشق وأكرادها يحظى بأهمية خاصة، لأسباب لها علاقة بالتعايش السلمي، وبناء المستقبل، ومواجهة التحديات الناجمة عن الاحتلال التركي لمناطق واسعة من شمال سوريا وشرقها.

وهنا تبرز أهمية الدور الروسي كطرف ضامن للحوار بين الجانبين، لا سيما أن موسكو نجحت في عقد تفاهم أمني عسكري بينهما عقب الاحتلال التركي للمنطقة الممتدة بين “رأس العين” و”تل أبيض” بعمق أكثر من ثلاثين كيلومترا، وهو تفاهم أفضى إلى انتشار القوات السورية النظامية في عدد من المناطق الحدودية مع تركيا، كما عزز الدور الروسي الميداني في شرق الفرات، عقب انسحاب القوات الأمريكية من هناك.

مع الاعتراف المسبق باختلاف الرؤى بين الحكومة السورية والأكراد، فإن ثمة توافقات ومحددات ربما تساعد على حوار منشود بين الطرفين، ومن هذه المحددات اتفاق الطرفين على أهمية وحدة الأراضي السورية، وأهمية توحيد الصفوف في مواجهة المخاطر التركية، لا سيما أن تركيا تتبع سياسة “تتريك” واضحة للمناطق التي احتلتها خلال عمليات أسمتها “درع الفرات- غصن الزيتون- نبع السلام”، والتي اتخذت صور أطماع لها في شمال سوريا، كما اتبعت استراتيجية للبقاء الدائم هناك.

طبيعة العلاقة بين دمشق والأكراد تأخذ طابع المصالح المشتركة، في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تشهدها البلاد، حيث النفط ومصادر الطاقة موجودة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، فضلا عن أن العلاقة بينهما لم تشهد طوال سنوات الأزمة السورية صداما مسلحا على غرار ما جرى في مناطق أخرى.

ثمة تقاطعات كبيرة بين حكومة سوريا وأكرادها، منها محاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها “داعش” وباقي الفصائل، التي تدور في فلك تركيا، وتتصدرها “جبهة النصرة”، وثمة من يرى أن الحوار بين الطرفين بات ضرورة استراتيجية سورية في المرحلة المقبلة.

ولا يخفى على أحد أن الأكراد يعيشون هاجسين، الأول احتمال الانسحاب الأمريكي المفاجئ من سوريا، وهو ما سيتركهم أمام مصير مجهول، والثاني هاجس التهديدات التركية المتواصلة وإمكانية حصول صفقة تركية-أمريكية جديدة، في ضوء تقدم الرئيس التركي بمقترح تأمين الحماية لمطار كابول الأفغاني، بعد الانسحاب الأمريكي.

في المقابل، تدرك دمشق أن الأزمة السورية باتت أزمة دولية وإقليمية، وأن أي تحرك عسكري باتجاه شمال سوريا أو شرقها يجب أن يأخذ هذا العامل بعين الاعتبار، دون أن يعني ما سبق عدم وجود إمكانية الحوار مع الأكراد، خاصة في ظل الدور الروسي، الذي ينشد الحوار بين الطرفين، وهنا ينبغي التركيز على المبررات التي تمنع الحوار بينهما حتى الآن، إذ هي مبررات تكاد تنحصر في إصرار دمشق على توجيه اللوم للإدارة الذاتية للأكراد وتأكيدها تبعية هذه الإدارة لأمريكا، فيما تعلل الأخيرة ذلك بـ”العقلية المركزية المفرطة للحكومة السورية ورفضها التعدد القومي والاعتراف بخصوصية الإدارة”، التي قدمت تضحيات كبيرة أثمرت هزيمة “داعش” والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

أمام هذا الواقع المتداخل، ثمة من يرى أن روسيا، التي تتمتع بنفوذ قوي في سوريا، هي الوحيدة المؤهلة لرعاية حوار بين دمشق والأكراد، وإن مثل هذا الأمر قد يتعزز في ظل السياسة المتبعة من قبل واشنطن وموسكو، بعد لقاء بايدن-بوتين في جينيف، وتفاهم الجانبين في مجلس الأمن بخصوص آلية إدخال المساعدات الدولية إلى سوريا عبر المعابر الخارجية، والمضي الأمريكي في سياسة الانسحاب العسكري من الخارج، والحديث الصريح عن عدم النية في تغيير النظام السوري، وجميع المعطيات السابقة هي عوامل مهمة في معركة الدفع بالحوار بين الجانبين إلى أرض الواقع.

وعليه، تتوجه الأنظار إلى الدور الروسي، ومدى جديته في الضغط على دمشق والأكراد لتحقيق حل مقبول يحقق لهما تطلعاتهما، حل يحافظ على وحدة الأراضي السورية ويحقق للأكراد هويتهم القومية في إطار دولة تعددية ديمقراطية.

مثل هذا المسار بات يشكل مصلحة سورية استراتيجية، وفي الوقت نفسه مصلحة روسية، بعيدا عن التعامل مع هذه القضية في إطار المناكفة مع تركيا ضمن سياسة تعزيز الأوراق، أو منافسة النفوذ الأمريكي في شرق سوريا.

ولعل كتابة قصة نجاح روسية كاملة في سوريا تحتاج إلى ترجمة الدعوة للحوار بين دمشق وأكرادها على طاولة مفاوضات تنتهي إلى اتفاقات محددة، كما قال “لافرنتييف”، اتفاقات تقرب السوريين من إيجاد حل سياسي لأزمة بلادهم، وتكون منطلقا لاستعادة الاستقرار والسلام والبدء بإعادة الإعمار، تطلعا إلى المستقبل.

خورشيد دلي

العين الاخبارية