انهزمنا.. شعار لنهاية حرب أهدرت دماء الأميركيين في أفغانستان

انهزمنا.. شعار لنهاية حرب أهدرت دماء الأميركيين في أفغانستان

واشنطن – أنهت الولايات المتحدة وجودها العسكري عمليا في أفغانستان بعد نحو 20 عاما ولم تتمكن خلالها من القضاء على خطر الإرهاب وحركة طالبان المتشددة التي أعادت سيطرتها على الكثير من المواقع الاستراتيجية في البلاد وسط ضعف شديد للحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن.

أثّر الانسحاب كثيرا على الأفغان، لكنه أيضا ترك ندوبا لدى الجنود الأميركيين الذين أرسلوا لقتال حركة متشددة عادت بقوة منذ بدء الولايات المتحدة تنفيذ خططها لإنهاء أطول حرب في أفغانستان، وفتح هذا الأمر باب التساؤلات بين هؤلاء الجنود حول جدوى الحرب والعناء الذي تكبدوه بلا نتيجة.

يقول جيسون ليلي وهو جندي عمل في مشاة البحرية الأميركية بأفغانستان والعراق “مئة في المئة انهزمنا في الحرب. كان الهدف كله هو التخلص من طالبان ولم نفعل ذلك. وستسيطر طالبان” في إشارة إلى تحقيق الحركة المتشددة الكثير من الانتصارات أمام الحكومة الأفغانية وسيطرتها على مناطق واسعة من البلاد.

وكان ليلي جنديا من قوات العمليات الخاصة في مشاة البحرية وشارك في العديد من المعارك في العراق وأفغانستان خلال أطول حروب الولايات المتحدة، ويعبر عن حبه لبلاده وهو يمعن التفكير في قرار الرئيس جو بايدن بإنهاء المهمة العسكرية الأميركية في أفغانستان في الـ31 من أغسطس.

ويبدي الجندي الأميركي اشمئزازه من الساسة في بلاده وفزعه من الدماء التي سالت هدرا وما تبدد من أموال، فقد سقط رفاقه قتلى وأصيب آخرون بعاهات في الحربين اللتين يقول ليلي إن النصر فيهما لم يكن ممكنا، وهو الأمر الذي دفعه إلى إعادة التفكير في بلاده وفي حياته.

يقول الرئيس الأميركي جو بايدن إن على الشعب الأفغاني إن يقرر مستقبله بنفسه وإنه لا يتعين على أميركا أن تضحي بجيل آخر في حرب لا يمكن تحقيق النصر فيها.

وفجرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على واشنطن حربا استمرت قرابة 20 عاما وأدت إلى سقوط أكثر من 3500 قتيل من جنود الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 47 ألف مدني أفغاني وما لا يقل عن 66 ألفا من الجنود الأفغان ونزوح أكثر من 2.7 مليون أفغاني عن البلاد، وذلك وفق تقدير مشروع “تكاليف الحرب” في جامعة براون وهو مشروع غير حزبي.

ويتساءل ليلي الذي كان على الخطوط الأمامية في الحرب العالمية على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان قرابة 16 عاما “هل كان الأمر يستحق ذلك؟ سؤال غبيّ كبير”.

ويوضح أنه سافر للقتال وهو يعتقد أن القوات كانت هناك لهزيمة العدو وتنشيط الاقتصاد وإنقاذ أفغانستان عموما. وأضاف أن القوات فشلت في كل ذلك.

وقال في مقابلة مع وكالة رويترز ببيته في غاردن غروف جنوب شرقي لوس أنجلس “لا أعتقد أن الأمر كان يستحق أن تزهق روح واحدة في الجانبين”.

وليلي ليس وحده فيما يدور برأسه من أفكار عن الانسحاب الأميركي بعد حرب استمرت قرابة 20 عاما. فالكثير من الأميركيين يفكرون في الأمر. ويمكن لآرائه هو وغيره من قدامى المحاربين أن تفيد البلاد في استجلاء ثمن دخول الحرب والدروس المستفادة في أفغانستان.

وأفكار ليلي لا تعبر سوى عن رأيه. وتختلف آراء بعض قدامي المحاربين مثلما تختلف تقديرات الأميركيين عموما في حرب أدت إلى تحسن وضع حقوق المرأة وأسفرت في 2011 عن قيام جنود البحرية الأميركية بقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في باكستان.

ويحظى الانسحاب الذي أمر به بايدن بتأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وقد أظهر استطلاع للرأي من تنظيم رويترز/إبسوس يومي الـ12 والـ13 من يوليو الجاري أن حوالي ثلاثة فقط من كل عشرة ديمقراطيين وأربعة من كل عشرة جمهوريين يعتقدون بضرورة بقاء الجيش.

وشبّه ليلي وجنود آخرون في مشاة البحرية حاربوا في أفغانستان الأمر بحرب فيتنام. وقالوا إن الحربين لم يكن لهما هدف واضح واستمرتا في عهود عدد من الرؤساء الأميركيين أمام عدو شرس غير نظامي.

وممن يؤيدون ليلي في رأيه غوردان ليرد (34 عاما) وهو قناص سابق في مشاة البحرية تحدث عن الفترتين اللتين شارك فيهما في الحرب في العراق وأفغانستان التي يسميها ليرد وآخرون “فيتستان” تشبيها لها بفيتنام.

وقال ليرد الذي يقود الآن حملة لتحسين ظروف رعاية قدامى المحاربين “يصبح لديك فهم أعمق لمحنة المحاربين في فيتنام الذين عادوا إلى الوطن بأطراف مبتورة وتعرضوا إلى التجاهل التام”.

وخدم ليرد في وادي سانجين بإقليم هلمند، الذي دارت من أجله بعض من أشرس المعارك في أفغانستان، في الفترة من أكتوبر 2010 إلى أبريل 2011. وقال إن 25 فردا من وحدته سقطوا قتلى خلال عمليات في الأشهر الثلاثة وإنّ أكثر من 200 فرد أصيبوا بجروح.

وظل أعز أصدقائه ينزف بين ذراعيه حتى فاضت روحه. ويقول ليرد إنه أدرك أثناء وجوده في أفغانستان لماذا أطلق المؤرخون عليها اسم “مقبرة الإمبراطوريات”.

وغزت بريطانيا أفغانستان مرتين في القرن التاسع عشر ومنيت بواحدة من أسوأ هزائمها العسكرية هناك في العام 1842. واحتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان من 1979 إلى 1989 ورحل بعد مقتل 15 ألفا من جنوده وإصابة العشرات من الآلاف بجروح.

وقال ليلي إنه شعر بالخذلان بصفة خاصة بسبب قواعد الاشتباك الأميركية في أفغانستان حيث لم يكن مسموحا له ولغيره من الوحدات على سبيل المثال مهاجمة طالبان ليلا.

وجاءت نقطة التحول في تفكير ليلي عندما أخبره أسير من حركة طالبان أن الحركة ستنتظر خروج الولايات المتحدة وأنها تدرك أن الأميركيين سيفقدون إيمانهم بالحرب مثلما فعل السوفييت.

وقال ليلي “حدث ذلك في 2009. وها نحن في 2021. كان على حق”. ويوضح أنه عندما عاد من أرض المعركة، في كامل لياقته والوشوم تغطي جسمه بالكامل تقريبا، لم يستطع حتى النظر إلى العلم الأميركي لعدة سنوات إذ كان غاضبا لأن بلاده أرسلته وزملاءه إلى حرب لا يمكن الفوز فيها.

ويقول ليلي إنه تردد على عدد من أطباء الصحة النفسية غير أن أكبر شبكة دعم يستفيد منها هي زملاؤه من قدامى المحاربين.

وليلي الآن نائب رئيس مؤسسة “ريل ووريور” التي تتيح لقدامى المحاربين فرصة للانفصال عن معاناة التكيف من جديد مع الحياة المدنية من خلال تنظيم رحلات لصيد السمك لهم.

وأعرب أنه يشعر بخيبة أمل لأن الولايات المتحدة لم تتعلم فيما يبدو الدروس من فيتنام التي قُتل فيها 58 ألف جندي أميركي في حرب فشلت في منع استيلاء فيتنام الشمالية الشيوعية على شبه جزيرة فيتنام بالكامل.

ويضيف ليلي أنه “يجب أن نتحاشى الحرب بأيّ ثمن. لا تندفع وراء جعجعة الحرب.. وراء آلة جمع المال والعقود. كثيرون حققوا أموالا طائلة من هذا”، موضحا أن التخلص من شعور الغضب استغرق منه سنوات.

ومن أقران ليلي في العراق وأفغانستان تريستان ويمر وهو قناص في مشاة البحرية، حيث انتحر كيرنان شقيق ويمر الذي كان من جنود مشاة البحرية أيضا، في 2015 بعد أن مني بإصابة شديدة في الدماغ في العراق وقبل إرساله إلى أفغانستان.

والآن يدير ويمر (37 عاما) فعاليات لجمع التبرعات ينفذ فيها 22 قفزة بالمظلة في يوم واحد لزيادة الوعي بحوادث انتحار قدامى المحاربين. وقدرت وزارة قدامى المحاربين في 2012 أن 22 من المحاربين الأميركيين القدماء ينتحرون كل يوم.

العرب