دشنت إيران الخميس أول مرفأ نفطي على خليج عُمان، بعيدا عن مضيق هرمز في خطوة تظهر أن طهران تريد أن تخرج من حالة التوتر في المضيق، وأن تنجو بنفطها من أيّ توتر يمكن أن يحدث هناك بسبب الشعارات التي يرفعها المسؤولون الإيرانيون بمناسبة ودون مناسبة.
ولا تريد طهران بهذه الخطوة أن تهرب فقط من تهديدات أميركية محتملة باستهداف سفنها، ولكن بالأساس هي لا تريد أن تكون ضحية نفسها يوم تقرر إغلاق المضيق كخطوة انتحارية يمكن أن يقدم عليها المتشددون الذين يسيطرون على المؤسسة العسكرية.
ووصف الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني افتتاح المرفأ النفطي الجديد، الواقع في ميناء جاسك إلى الجنوب من مضيق هرمز، بأنه “يوم تاريخي كبير للشعب الإيراني”.
ودأب المسؤولون الإيرانيون على إطلاق تهديدات بإغلاق مضيق هرمز، يجتمع في ذلك الإصلاحيون والمتشددون. وتدخل هذه التهديدات في سياق التهويش لاسترضاء الجمهور المتشدد في الداخل الذي ما زال يتبنى شعارات ثورة الخميني، والذي قد ينقلب على النظام لو تخلى عنها. كما تهدف إلى شحذ همم الحركات الموالية لها في المنطقة لتستمر بتنفيذ عملياتها.
وضاح الطه: ميناء الطوارئ لن يعفي نفط إيران من العقوبات
وضاح الطه: ميناء الطوارئ لن يعفي نفط إيران من العقوبات
ويقول المراقبون إن إيران تظل متمسكة بمنع أي تصعيد بقطع النظر عن مصدره أو ظروفه، وهي لا تتجاوز الخطوط الحمراء لمنع مواجهة لن تكون في صالحها، وهي لا تريد أن تكون ضحية نفسها يوم تقرر إغلاق المضيق.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن إنشاء مرفأ خارج مجال التوتر في المضيق محاولة من طهران للابتعاد عن مجال الاشتباك مع الولايات المتحدة خاصة بعد الضربات التي وجهتها إدارة الرئيس جو بايدن للميليشيات في العراق، وتأكيدها أن الحوار حول الاتفاق النووي لا يعني التسليم بالمزيد من النفوذ الإيراني في المنطقة وتهديد الأمن الإقليمي وأمن الملاحة وحركة تصدير النفط.
وتعتقد إيران أن التهديد بإغلاق مضيق هرمز أو اتخاذ خطوة عملية أولية بهذا الاتجاه سيؤديان إلى اضطراب في سوق النفط العالمية وارتفاع في أسعار الطاقة، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإجراء مفاوضات فورية مع إيران تقدم خلالها بعض التنازلات من بينها تخفيف العقوبات المفروضة عليها.
وفهمت طهران، ولو متأخرا، أن الأميركيين وبقطع النظر عن اسم الرئيس، لن يقبلوا بأيّ حركات إيرانية يمكن أن تهدد مصالحهم بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال استهداف مواقع حيوية للحلفاء.
ومن شأن هذه الخطوة أن تجنب إيران مواجهة قد تمس من صورة شعاراتها الثورية، وأن تظهر للإيرانيين قبل غيرهم أنها شعارات للاستهلاك المحلي خاصة أن الولايات المتحدة لم تتوان منذ ثورة 1979 في الرد على التهديدات الإيرانية.
وشهد مضيق هرمز أحداثا كثيرة، حيث سعى كل من العراق وإيران خلال حربهما بين عامي 1980 و1988 إلى عرقلة صادرات نفط البلد الآخر في ما عرف في ذلك الوقت بحرب الناقلات.
وفي يوليو 1988 أسقطت البارجة الحربية الأميركية فينسينس طائرة إيرانية مما أسفر عن مقتل 290 شخصا هم جميع من كانوا على متنها. وقالت واشنطن إنه حادث بينما قالت طهران إنه هجوم متعمد. وفي مطلع العام 2008 قالت الولايات المتحدة إن الزوارق الإيرانية هددت ثلاث سفن تابعة للبحرية الأميركية في المضيق.
وبعد سنتين تعرضت ناقلة النفط اليابانية إم ستار لهجوم في المضيق. وأعلنت جماعة متشددة تعرف باسم كتائب عبدالله عزام، المرتبطة بتنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن الهجوم.
إثر ذلك هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز ردا على عقوبات أميركية وأوروبية استهدفت إيراداتها النفطية في محاولة لوقف برنامج طهران النووي. وصادرت سفن إيرانية سفينة حاويات في المضيق وأطلقت طلقات صوب ناقلة ترفع علم سنغافورة قالت طهران إنها دمرت منصة نفطية إيرانية.
وفي مايو 2019 هوجمت أربع سفن بينها ناقلتا نفط سعوديتان قبالة ساحل الإمارات قرب الفجيرة خارج مضيق هرمز، ووجهت لإيران أصابع الاتهام بالوقوف وراء تلك الهجمات.
سالم بن عسكر اليامي: اللجوء إلى ميناء جاسك لن يخفف التوتر بشأن تصدير النفط
سالم بن عسكر اليامي: اللجوء إلى ميناء جاسك لن يخفف التوتر بشأن تصدير النفط
ولا تبدو أيّ احتمالات واقعية لإقدام إيران على إغلاق المضيق، وهي أكثر العارفين بتداعيات تنفيذ ذلك على اقتصادها الضعيف، وأن خطوة كهذه ستكون سببا في مشاكل وردود فعل قد تهدد بقاء النظام الذي يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية داخلية، آخرها الاحتجاجات الواسعة في الأحواز بشأن أزمة المياه.
واعتبر الباحث في العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية سالم بن عسكر اليامي، في تصريح لـ”العرب”، أن لجوء إيران إلى ميناء جاسك لن يخفف التوتر الذي يؤثر على صناعة وتصدير النفط في الدول الخليجية العربية، بقدر ما هو وسيلة جديدة للتحكم في الممرات المائية التي تمر منها هذه السلعة الحيوية.
من جهته أكد وضاح الطه، المحلل الاقتصادي وعضو المجلس الاستشاري في معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار، أن هذه الخطوة رمزية دعائية أكثر من كونها واقعية و عملية لأن الميناء جاسك المستهدف للتصدير يحتاج إلى بنية تحتية ضخمة قادرة على استيعاب قدرة تصديرية تصل إلى مليون برميل يوميا.
وأضاف الطه، في تصريح لـ”العرب”، أن الميناء البديل أو “ميناء الطوارئ”، الذي لجأت إليه إيران كي لا تعاقب نفسها في حال أنها تجرأت على إغلاق مضيق هرمز، لن يعفيها من العقوبات التي تطال الدول المستوردة للنفط الإيراني وليس طهران فقط!
ويربط مضيق هرمز الخليج ببحر العرب والمحيط الهندي، ويعتبر ممرا رئيسيا للنفط والتجارة بين الخليج ودول آسيوية. وإلى جانب إمدادات الخام تمرّ عبر مضيق هرمز مواد تجارية غير نفطية بالمليارات من الدولارات، ما يجعل من المضيق أحد أهم الطرق الملاحية في العالم.
وأعادت واشنطن في العام 2018 فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، إثر قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب الأحادي لبلاده من الاتفاق حول برنامج إيران النووي.
وأفقدت العقوبات إيران غالبية مستوردي نفطها الذي كان يشكل مصدرا أساسيا لإيراداتها المالية. وفي ظل العقوبات لا تكشف طهران رسميا عمّا إذا كانت تواصل عمليات التصدير.
وتتهم الولايات المتحدة إيران بالتحايل على العقوبات المفروضة على قطاع النفط من خلال تصدير الخام إلى دول مثل الصين وفنزويلا وسوريا، وقد أعلنت أكثر من مرة توقيف ناقلات تحمل نفطا إيرانيا متجهة نحو دول أخرى.
صحيفة العرب