قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ”العربي الجديد”، إن مسار المفاوضات بين القاهرة وأنقرة لإعادة تطبيع العلاقات بشكل كامل بينهما، يشهد حالياً فترة من “التعطيل التكتيكي” من الطرفين، مما يؤدي إلى إرجاء اتخاذ خطوات أخرى للتقارب الفعلي، وذلك على خلفية مستجدات عدة. أبرز هذه المستجدات تكرار إبداء الإمارات وفرنسا انزعاجهما من الأجواء الإيجابية التي ميّزت المباحثات “الاستكشافية” بين القاهرة وأنقرة في الفترة الأخيرة، إضافة إلى عدم إبداء تركيا مرونة في ملف التواجد العسكري في ليبيا، والذي يمثّل حساسية خاصة بالنسبة لمصر، حتى مع تحسن العلاقات الواضح مع الحكومة الليبية الحالية وابتعادها خطوات عن الدعم اللامحدود لمليشيات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر.
مشاركة مصر بإدانة التحرك التركي الأخير في قبرص تأتي في سياق رفع القاهرة تكلفة التقارب الثنائي
ومن الناحية الأخرى، ذكرت المصادر أن من خلفيات هذا الأمر ضيق تركيا من الضغوط المصرية الجديدة على طرابلس لمراجعة الأوضاع المستقرة مع أنقرة، وتكرار التصريحات الرسمية المصرية عن ضرورة خروج القوات التركية من ليبيا. وأضافت المصادر أن مشاركة مصر في إدانة التحرك التركي الأخير في قبرص وإعادة فتح منطقة فاروشا في قبرص، تأتي في سياق رفع القاهرة تكلفة التقارب الثنائي، وفي الوقت نفسه توجيه رسالة طمأنة إلى اليونان وقبرص المدعومتين من الاتحاد الأوروبي واللتين طالما لعبتا أدواراً لصالح النظام المصري على ساحة الاتحاد بمساندة من فرنسا.
وزير التجارة التركي محمد موش (الأناضول)
اقتصاد دولي
تركيا تسعى لتطوير العلاقات الاقتصادية مع مصر
وأوضحت المصادر أن مصر تعي جيداً أن التقدم الذي تحقق في ملف التعامل مع الإعلام المعارض من الأراضي التركية هو “تقدم هش وقابل للتراجع في أي لحظة طالما لم يتم إبعاد الإعلاميين وقيادات جماعة الإخوان المسلمين من الأراضي التركية”. وعلى الرغم من عدم تمسّك مصر بترحيل السواد الأعظم من هؤلاء واقتصار مطالبتها بتسليم عدد محدود من المطلوبين المتهمين الرئيسيين في مجموعة من قضايا تمويل أنشطة “الإخوان” قبل وبعد 2013، إلا أن مصر تتمسك بإيصال رسالة إلى تركيا مفادها ضرورة وقف أي مساندة للجماعة، مع ترحيبها بالتقدّم الذي حصل في هذا الملف. وترغب مصر في أن يسير التقدم في الملف الليبي بموازاة التفاهم في ملف “الإخوان” والمعارضين، حتى لا تسنح -من وجهة نظرها- الفرصة للتراجع التركي عما تم الاتفاق عليه سلفاً.
وتتمسك تركيا بتواجدها العسكري في عدد من القواعد غربي ليبيا، باعتباره أثراً طبيعياً لاتفاقيات سياسية مع الحكومة في طرابلس، شأنها شأن باقي النتائج التي ترتبت على الاتفاقيات الثنائية مع حكومة الوفاق السابقة، طالما لم تلغها الحكومة الحالية، التي يعكس أداؤها التفاهم المصري التركي الحالي.
تطالب مصر بالبدء في جدولة انسحاب العناصر التركية من ليبيا خلال العام الحالي
وبحسب المصادر، فإن شروط مصر للقبول بالتواجد العسكري التركي في ليبيا مع استمرار التفاوض الإيجابي لتطبيع العلاقات، ما زالت تتمثل في الالتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعدم إدخال أسلحة جديدة إلى الأراضي الليبية، والبدء في جدولة انسحاب العناصر التركية خلال العام الحالي، فضلاً عن إبداء الجدية في وقف جلب العناصر الأجنبية (المرتزقة)، والمضي قدماً في إعادة المقاتلين غير الليبيين إلى أراضيهم، “وهو ما أبدت فيه تركيا مرونة أكبر من باقي الشروط” بحسب المصادر، ارتباطاً بسابقة إجلائها معظم المرتزقة السوريين والتونسيين، بحسب بيانات حقوقية سابقة.
ومنذ أسبوعين تقريباً، أشاد وزير الخارجية المصري سامح شكري بما تحقق من وقف بعض أنشطة المعارضين الإعلامية من أنقرة، قائلاً إن جولات استكشافية أخرى ستعقد بين الطرفين، من دون تحديد موعد للقاءات المقبلة، في وقت كان من المنتظر فيه بحسب الأجواء الإيجابية في المفاوضات السابقة والاتصالات التي جرت سابقاً، أن يُعقد لقاء على المستوى الوزاري خلال الصيف الحالي، وأن يسافر وفد مصري إلى أنقرة.
العربي الجديد