يميل اللاجئون السوريون في فيينا، والذين يقدر عددهم حالياً بأكثر من 75,000 شخص، إلى رؤية المفاوضات النووية في وطنهم الجديد على أنها فوز محتمل لإيران، الداعم الأساسي للأسد، إلا أنهم مع ذلك يشيرون إلى طرق أخرى محتملة لتقويض نظامه من الداخل. ومن وجهة نظرهم، لا يزال النظام عرضة لاتساع الخلافات السياسية، والتذمر القومي بين ضباط الجيش، والمخاوف الأمريكية الإسرائيلية المتزايدة بشأن الهيمنة الإيرانية.
في فيينا، التي اشتهرت مؤخراً باستضافة المفاوضات النووية الإيرانية، هناك أيضاً عدد كبير من المنفيين السياسيين واللاجئين السوريين، والذين يقدر عددهم حالياً بأكثر من 75,000 شخص. وفي الأسبوع الماضي، أتيحت لي الفرصة – نادراً في هذه الأوقات من وباء “كوفيد-19” – للاجتماع على انفراد هناك مع بعض الناشطين المناهضين للأسد في ذلك المجتمع. ولقد ذُهلت عندما وجدت أنهم لم ييأسوا، على الرغم من الصعاب التي يمكن أن يواجهوها والتي تبدو طويلة المدى.
وفي حين يميل هؤلاء اللاجئون السوريون إلى رؤية المفاوضات النووية في وطنهم الجديد على أنها فوز محتمل لإيران، الداعم الأساسي للأسد، إلا أنهم مع ذلك يشيرون إلى طرق أخرى محتملة لتقويض نظامه من الداخل. ويكمن أحد هذه السيناريوهات في العناصر المنشقة الرفيعة المستوى في الجيش السوري، التي يزعمون أنها تشعر بالاستياء المتزايد من هيمنة إيران و«حزب الله». كما يدّعون أن هذه العناصر قد تكون مستعدة لعقد صفقات مع روسيا، والنخب العلوية، والأكراد السوريين، وحتى مع البلدان المجاورة أو قوى خارجية أخرى – كل ذلك من أجل التخلص من الأسد وأصدقائه الأجانب الشيعة. لكنهم لن يتحركوا بدون نوع ما من الإشارات من الخارج، ويفضل أن يكون ذلك من واشنطن.
والسوريون الذين تحدثت معهم ليسوا حالمين؛ فهم يقرون بأن هذا الهدف بعيد المنال، ومسار تحقيقه مليء بالعقبات الشاقة. وبادئ ذي بدء، سيؤدي الاتفاق النووي الإيراني مجدداً إلى رفع العقوبات، مما يمنح طهران شريان حياة اقتصادية متجددة للمساعدة في تمويل تدخلاتها الخارجية، ولا سيما في سوريا. وليس هناك شك في أن الولايات المتحدة، وعلى خلاف الاتفاق الأصلي لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2015، قد لا تمنح إيران هذه المرة مطلق الحرية في سوريا من أجل تسهيل المفاوضات النووية.
ومع ذلك، يرى هؤلاء الناشطون السوريون أن سياسة إدارة بايدن تركز بشكل رئيسي على البعد الإنساني للأزمة السورية المستمرة. ويعتبرون ذلك خطأ جسيماً. ويرجع ذلك إلى أن أي مساعدة، كما يشيرون، ستعود بالفائدة حتماً على آليات إيصالها: أي إما على نظام الأسد، أو على الجيش التركي/المقاتلين الإسلاميين الذين يسيطرون على إدلب ومناطق حدودية أخرى، أو على كليهما. وهم يجادلون بأن جماهير السوريين داخل البلاد وخارجها لن تجني سوى القليل من هذا الإغاثة – وعلى حساب حريتهم.
ووفقاً لمصادري السورية، كانت هذه المصادر من عام 2011 إلى عام 2015، منخرطة بنشاط في عمليات الإغاثة عبر تلك الحدود. وقد مكنها ذلك من تهريب أدلة دامغة على استخدام الأسد الواسع النطاق للأسلحة الكيميائية والتعذيب وغيرها من الجرائم الخطيرة. ولكن بعد ذلك، جعلتها وكالة الاستخبارات التركية تغادر فوراً، مما سمح لعملائها الإسلاميين فقط بمواصلة العمل بين السكان السوريين، وإن كان ذلك بوجود تغطية ظاهرية من المؤسسات الشرعية للأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية. وعلى نطاق أوسع، يُنظر إلى تركيا الآن على أنها منشغلة تماماً باسترضاء روسيا ومهاجمة الأكراد، وليس بالإطاحة بالأسد.
أما بالنسبة للمعارضة الشعبية السورية التي كانت قوية ذات يوم، يعترف هؤلاء الأعضاء السابقون بأنها تعرضت للتهميش، وأن بقاياها استولت عليها جماعة «الإخوان المسلمين» أو غيرها من الجماعات الأصولية التي لا تحظى بشعبية. وهم يتأسفون اليوم، لأن التأييد للأسد أصبح أكثر انتشاراً، أو على الأقل أكثر علنية، حتى بين الشتات السوري. لذلك، على الرغم من استمرار الاحتجاجات العامة المتفرقة في المحافظات النائية مثل درعا أو السويداء، إلّا أن احتمالات العودة إلى انتفاضة وطنية ضخمة ضئيلة للغاية.
وفي الوقت نفسه في إسرائيل، حيث نظر البعض أحياناً إلى المعارضة السورية بتعاطف، تحوّلت المواقف الرسمية نحو التركيز على هدف واحد هو التكتيكات الأمنية. ويعني ذلك ببساطة: الدفاع عن الحدود الشمالية للبلاد، ومهاجمة الانتهاكات العسكرية الإيرانية الأكثر تقدماً على الجانب السوري منها. ومن الناحية الواقعية، لم تعد الجهات التي أتواصل معها في المنفى السوري تتوقع أي دعم إسرائيلي لقضيتها، حتى الدعم غير المباشر عبر الضغط من أجلها في واشنطن.
وبالنظر إلى هذه القائمة القاتمة من العقبات، لماذا إذاً لا يزال نشطاء المعارضة السورية هؤلاء يرون بصيص أمل؟ إليكم ردودهم على ذلك: أولاً، يزداد انقسام نظام الأسد مع وجود انشقاقات داخلية على مستويات عالية، كما يشهد على ذلك مثال رامي مخلوف. ثانياً، تشير جهات اتصالاتهم المباشرة المستمرة من الداخل إلى وجود أكثر من مجرد تذمر عادي بين بعض ضباط الجيش السوري، ويعود ذلك جزئياً إلى الدوافع القومية المذكورة أعلاه، وجزئياً إلى ضغط الضائقة الاقتصادية الرهيبة في البلاد حتى على القلة المفضلة.
ثالثاً، على الرغم من أسئلتي المتشككة، إلا أنهم يرون فرصة لدق إسفين بين روسيا وإيران في سوريا. ويقولون إن روسيا تهتم بالدرجة الأولى بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي لا يتطلب موافقة الأسد الشخصية. وعلى النقيض من ذلك، ترى إيران أن سوريا جزء لا يتجزأ من استراتيجية ثورية توسعية ومعادية لإسرائيل وإسلامية أكثر طموحاً موجهة من طهران، والتي يُعتبر فيها الأسد والمعسكر المرافق له متعاونين أساسيين معها. وبالتالي، فهم يجزمون، يمكن للمرء أن يتخيل انفصالاً عن السبل، إذا كان من الممكن استبدال الأسد بمجلس عسكري سوري يكون على استعداد لاستيعاب التطلعات الروسية المحدودة ولكن ليس التطلعات الإيرانية المروعة لذلك البلد.
أما السبب الرابع الذي يجعل هؤلاء الناشطين السوريين الرصينين يتشبثون بالأمل، ربما يكون أكثر الأسباب إثارة للقلق. فإذا استمرت الأمور في مسارها الحالي غير الحاسم، فهم لا يتوقعون أن يكون الجمود هو النتيجة النهائية، بل سيكون تحوّل تدريجي لسوريا إلى بؤرة أمامية كاملة للانتقام الإيراني في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، قد يحظى هذا المشروع طويل الأمد بقبول شعبي كافٍ لجعل سوريا مجدداً لاعباً حقيقياً، وليس مجرد لاعب خطابي، في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران.
ومن الواضح أن كل ذلك من شأنه أن يعرّض إسرائيل والأردن وربما أطرافاً أمريكية أخرى حليفة وصديقة في المنطقة المجاورة للخطر، ناهيك عن ميزان القوى العام في الشرق الأوسط وتداعياته على المنافسة العالمية بين القوى العظمى. ويقول هؤلاء المحللون السوريون إن شبح مثل هذا السيناريو الأسوأ قد يجعل بعض اللاعبين المعنيين على الأقل يغيرون رأيهم بشأن السماح للأسد بالبقاء في دمشق إلى أجل غير مسمى.
وكما قال أحد مضيفي في طريقنا إلى المطار في رحلتي للعودة إلى واشنطن، “الآن، بصراحة، هل تعتقد حقاً أنه يجب السماح للأسد بالموت بسلام بعد ثلاثين عاماً في السلطة، كما فعل والده من قبله؟ وبغض النظر عما فعله بنا أصلاً، فإن ما يمكنه فعله لسوريا، وللمنطقة بأسرها، هو ما يجب أن يدفعنا جميعاً إلى اتخاذ إجراء قبل فوات الأوان”
ديفيد بولوك
معهد واشنطن