يحمّل التونسيون حركة النهضة مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بسبب فشلها في إدارة شؤون البلاد منذ عشر سنوات وسط دعوات متصاعدة إلى إزاحتها من السلطة عبر التظاهر في الشارع، ما يثير قلق الحركة وتخوفها من سيناريو الخروج من المشهد السياسي.
تونس – وجه المشاركون في الاحتجاجات التي اندلعت الأحد في تونس، شعاراتهم نحو حركة النهضة حيث شكل مطلب اسقاطها واخراجها من المشهد السياسي واحدا من أهم المطالب على عكس الاحتجاجات السابقة التي كانت تركز على انتقاد ضعف أداء الحكومة والمنظومة الحاكمة بشكل عام منذ اسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وصبّ المحتجون في مختلف الولايات جام غضبهم على مقرات الحركة التي تعرضت لأعمال عنف ما يعكس إدراكا لمسؤولية النهضة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تعيشها البلاد.
وساعد دخول حركة النهضة طيلة السنوات الماضية في تحالفات حكومية وتوافقات على إبعاد الأنظار عنها باعتبارها الحزب الحاكم.
وأدانت الحركة الأحد الاعتداء على مقراتها، واصفة المحتجين بـ”مجموعات فوضوية وعصابات إجرامية”.
غازي الشواشي: كل من يتخوف من هذه التحركات من المؤكد أن لديه ما يخفيه
وقالت الحركة الإسلامية في بيان لها إن “هذه العصابات الإجرامية التي يتم توظيفها من خارج حدود البلاد ومن داخلها للاعتداء على مقرات الحركة ومناضليها وإشاعة مظاهر الفوضى والتخريب خدمة لأجندات الإطاحة بالمسار الديمقراطي وتعبيد الطريق أمام عودة القهر والاستبداد، وما الحملة الإعلامية المسعورة لبعض المواقع الإعلامية الأجنبية والمحلية المحرضة على العنف إلا دليل قاطع على ذلك”.
واعتبرت أن المتظاهرين تعمدوا ترهيب المتواجدين داخل مقراتها وتهديدهم، متوجهة بالشكر لأجهزة الأمن في تونس على التصدي للتجاوزات، داعية كل الأطراف السياسية والمنظمات وأنصار الديمقراطية ودولة القانون إلى إدانة هذه الاعتداءات والتشديد على المتابعة القضائية لكل المتورطين.
واقتحم المحتجون الأحد مقرات لحركة النهضة في ثلاث ولايات، إذ شهدت عدة مدن وقفات احتجاجية للمطالبة بإسقاط حكومة هشام المشيشي، وحل البرلمان وتغيير النظام السياسي، كما اقتحم المحتجون في ولاية توزر مقر الحركة وحرقوا محتوياته بالتزامن مع اقتحام مقرات الحركة في ولايتي القيروان وسيدي بوزيد.
ويبدو أن مطالب الشارع التونسي انتقلت من ضرورة استقالة المشيشي نظرا إلى سوء إدارته للأزمات الاجتماعية والصحية، إلى المنظومة السياسية برمتها والتي تمثلها حركة النهضة بالأساس.
وتستشعر النهضة خطورة تصاعد الأصوات المنادية بخروجها من الحكم وإسقاط المنظومة السياسية التي ظهرت منذ 2011، حيث تدرك قياداتها وقواعدها جيدا أن سقوط المنظومة يعني بالضرورة خسارة الحركة لمكانها في السلطة.
وترى أطراف سياسية معارضة أن التظاهر حق مكفول دستوريا للتعبير الشعبي ضد ممارسات السلطة، مفسرين قلق الغنوشي ومن ورائه النهضة بتواصل تمسكهم بالسلطة.
وأفاد أمين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن “حق التظاهر مكفول دستوريا، وهو آلية من آليات التعبير خصوصا وأن أوضاع التونسيين اليوم وصلت إلى أدنى مستوياتها، وهناك حالة من الاحتقان أمام حكومة فاشلة ووضع وبائي خطير”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “من حق التونسيين أن يحتجوا ويتظاهروا، وكل من يتخوف من هذه التحركات من المؤكد أن لديه ما يخفيه”.
ورغم تفشي فايروس كورونا والإجراءات الأمنية المشددة استجاب العديد من التونسيين إلى دعوات التظاهر، حيث رأى كثيرون في ذلك إمكانية لإحداث تغيير حقيقي في تونس.
وفضلا عن الأزمة الاقتصادية والصحية التي تعيشها تونس تشهد البلاد أزمة سياسية محتدمة بين رؤوس السلطة، فبينما يرى الرئيس قيس سعيد أن خيارات الحكومة فاشلة وأنها خاضغة لضغط اللوبيات، يعتبر رئيس الحكومة هشام المشيشي ومن ورائه الحزام السياسي للحكومة الذي تقوده النهضة خيارات صائبة تخدم مصالح البلاد.
ويرى مراقبون أن احتجاج التونسيين ضد حركة النهضة نتيجة طبيعية لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ويؤكد هؤلاء على أن الحركة تناور سياسيا في كل مرة لحماية موقعها وصناعة القرار السياسي في الحكم.
وقال النائب المستقل بالبرلمان حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب” إنه “من الطبيعي جدا أن يحتج التونسيون على تراكمات منذ عشر سنوات وصلت بالبلاد إلى مرحلة غير مسبوقة تفاقمت من خلالها نسب الفقر والبطالة وارتفع عدد الوفيات بسبب الجائحة الصحية، فضلا عن التراجع الكبير في الحقوق والحريات”.
وأضاف “النهضة تتخوف من التحركات الاجتماعية لأنها تسببت في تردي الأوضاع ونحن الآن في مفترق طريق، والحركة لا تهمها مصلحة البلاد، بل تسعى لحماية مصالحها، وما يقع اليوم يمكن أن تكون له تداعيات كبيرة”.
وتابع “هذه بداية انطلاق نحو مسار التغيير والإصلاح، والنهضة تعي جيّدا أن الوعي الشعبي بالتغيير والنزول إلى الشارع يعني تهديدا حقيقيا لمكانة الحركة في السلطة”.
حاتم المليكي: النهضة تتخوف من التحركات الاجتماعية لأنها تسببت في تردي الأوضاع
وتتزامن هذه الاحتجاجات مع ذكرى اغتيال السياسي محمد البراهمي (25 يوليو 2013). وفضلا عن تردي الأوضاع المعيشية والصحية للتونسيين، حمّلت أحزاب سياسية الحركة مسؤولية تلك الاغتيالات.
وفي بيان لها في الذكرى الثامنة لاغتيال الشهيد محمد البراهمي حمّلت حركة الشعب حركة النهضة المسؤولية كاملة عن الاغتيالات والعمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد.
وحذرت حركة الشعب الحكومة ممّا وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية من تردّ يهدد البلاد بخطر الإفلاس نتيجة الخيارات الاعتباطية وغير الشعبية ولعل آخرها المصادقة على قانون الإنعاش الاقتصادي خدمة للفاسدين والمهربين، وفق نص البيان.
وأغلقت السلطات التونسية كافة مداخل العاصمة وقامت بتشديد الإجراءات الأمنية وتركيز الحواجز تحسبا لاحتجاجات مرتقبة مساء الأحد تطالب بإسقاط المنظومة الحاكمة التي تقودها حركة النهضة وحل البرلمان.
وفي شارع الحبيب بورقيبة (أكبر الشوارع الرئيسية بالعاصمة تونس) وساحة مقر البرلمان بمنطقة باردو انتشرت سيارات الشرطة وعززت السلطات الحواجز ونشرت أعدادا كبيرا من قوات الأمن في محيط البرلمان، كما قامت بتفتيش السيارات والتدقيق من هويات أصحابها.
وسجلت تونس السبت أعلى حصيلة وفيات بالفايروس بلغت 317 حالة منذ بدء تفشي الجائحة بالبلاد في مارس من العام 2020.
العرب