صفقة بايدن – الكاظمي تتيح للولايات المتّحدة الحفاظ على موطئ قدم لقواتها في العراق

صفقة بايدن – الكاظمي تتيح للولايات المتّحدة الحفاظ على موطئ قدم لقواتها في العراق

إبقاء قوات أميركية غير مقاتلة على الأراضي العراقية يحقّق للولايات المتّحدة هدف ضمان الحفاظ على وجود عسكري في العراق لطالما بدت مصرّة عليه، كما يوفّر لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي فرصة الالتفاف على مطالبة الميليشيات بإخراج القوات الأجنبية، بينما تظهر إيران في خلفية المشهد في دور المسهّل لعقد الصفقة وضمان مرورها على تلك الميليشيات.

بغداد – بدأت المواقف والتصريحات السياسية التي أعقبت المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن تُجلي ملامح صفقة ثلاثية أميركية – عراقية – إيرانية تمكّنت الولايات المتّحدة بفضلها من تمديد بقاء قوّاتها على الأراضي العراقية تحت عنوان مقبول لكنه فضفاض يتمثل في “المهمّات غير القتالية”.

وتكفّلت إيران بضمان موافقة الميليشيات على هذه الصيغة بينما غنم الكاظمي من ورائها التهدئة التي ينشدها لاستكمال فترته الانتقالية وصولا إلى انتخابات أكتوبر التي قد تعيده مجدّدا إلى سدّة الحكم مع وعود أميركية بالدعم والمساندة، بما في ذلك طمأنته على مصير الأموال العراقية المودعة في البنوك الأميركية.

وكشفت ورقة كان يحملها بايدن بيده لدى لقائه الكاظمي، وقد يكون تعمّد إظهارها لعدسات المصوّرين، دور إيران في الصفقة حيث حملت عبارتين باللغة الإنجليزية تقول إحداهما “إيران تأخذ بعين الاعتبار وقف الهجمات” التي تشنها الميليشيات الشيعية على المصالح والقوات الأميركية في العراق، بينما تقول الثانية “الولايات المتحدة تستعد للرد على الهجمات”.

وتتناقض العبارة الثانية جذريا مع فحوى الاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الولايات المتّحدة بشأن سحب القوات الأميركية المقاتلة من العراق والإبقاء على قوات مساعدة للقوات العراقية في مجال التدريب والمعلومات الاستخباراتية.

ورأت مصادر عراقية أنّ الولايات المتّحدة نجحت أخيرا في انتزاع موافقة عراقية على إبقاء قوات لها في العراق والالتفاف على رفض الميليشيات المعلن من قَبْل بشكل صريح وقطعي لبقاء أي جندي أجنبي على الأراضي العراقية، وذلك باستخدام عنوان مدروس بشكل جيد ومتّفق عليه مع كلّ من بغداد وطهران.

واستندت المصادر في ذلك إلى ترحيب قوى عراقية موالية لإيران بإعلان الكاظمي وبايدن انتهاء المهمة القتالية للولايات المتحدة في العراق والترويج له كانتصار، رغم أنّه لا يلبّي ما كانت تلك القوى نفسها تطالب به وهو رحيل آخر جندي أميركي من البلاد.

واعتبر تحالف الفتح، وهو تحالف سياسي مشارك في البرلمان العراقي يشكّل الواجهة السياسية للحشد الشعبي، في بيان أن الإعلان عن “خروج القوات القتالية بشكل كامل خطوة إيجابية متقدمة باتجاه تحقيق السيادة الوطنية الكاملة”. كما شدّد التحالف على ضرورة أن تتم “متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشكل عملي”.

وأعلن بايدن الاثنين لدى استقباله الكاظمي أنّ الولايات المتّحدة ستنهي بحلول نهاية العام مهمّتها القتاليّة في العراق لتباشر مرحلة جديدة من التعاون العسكري مع بغداد.

وقال في حضور رئيس الوزراء العراقي “لن نكون مع نهاية العام في مهمّة قتاليّة في العراق”، موضّحا أنّ دور العسكريّين الأميركيّين هناك سيقتصر على تدريب القوّات العراقيّة ومساعدتها في التصدّي لتنظيم الدولة الإسلاميّة، دون تقديم أيّ جدول زمني أو معطيات دقيقة في ما يتعلّق بالقوات التي سيتمّ الإبقاء عليها.

وليس متوقعا أن يؤدي هذا الإعلان إلى تغيير جذري في الوجود العسكري الأميركي في البلاد. وفيما انسحبت معظم القوات الأميركية المُرسلة عام 2014 في إطار التحالف الدولي لمساعدة بغداد على هزْمِ تنظيم داعش خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لا يزال هناك نحو 2500 عسكري أميركي في العراق. وتُرسل الولايات المتحدة أيضا بشكل متكرّر إلى البلاد قوّات خاصّة لا تُعلن عن عديدها.

واعتبر الباحث والمحلل السياسي العراقي حميد الكفائي أنّ صيغة الاتفاق الأميركي العراقي تشي بأن الهدف هو إرضاء الفصائل التابعة لإيران في العراق.

وتساءل في تصريح لـ”العرب” عن معنى صيغة “إنهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية”، موضّحا أنّه “باستثناء الغطاء الجوي الذي وفره طيران التحالف الدولي للعراق أثناء الحرب على داعش، لم تكن هناك أي مهمات قتالية للقوات الأميركية، فالقوات العراقية هي التي اضطلعت بمقاتلة الجماعات الإرهابية على الأرض، بينما اقتصرت المساهمة الأميركية والدولية على التدريب وتقديم المشورة والمعلومات الاستخبارية”.

وأضاف الكفائي “من الواضح أن الكاظمي يريد إرضاء الفصائل المسلحة التي تدعي الانضواء تحت إمرته باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وصيغة إنهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية لا تعني كثيرا إن تعرضت هذه القوات إلى هجمات مسلحة لأنها سترد بقوة، والطيران الأميركي سوف يرد لأن مهمة أي دولة هي الحفاظ على مواطنيها ومصالحها”.

ولفت إلى أنّ “الفصائل المسلحة تأتمر بأمر الولي الفقيه الإيراني فإن أمرها بالهدوء فسوف تهدأ وإن أمرها بمهاجمة السفارات والبعثات الدبلوماسية والمعسكرات العراقية التي تؤوي جنودا أجانب فسوف تفعل”، معتبرا أنّ الطرفين العراقي والأميركي لم يتعاملا “بجد وبقوة مع سلاح الفصائل التابعة لإيران في العراق والتي تزعزع استقرار البلاد والمنطقة وتهدد السلام الإقليمي والدولي”.

ومن الميليشيات المرحّبة أيضا بإعلان الكاظمي وبايدن فصيل كتائب الإمام علي، أحد فصائل الحشد الشعبي. لكنّ الساحة لم تخل من رافضين لصيغة الاتّفاق حيث أعرب نائب الأمين العام لحركة النجباء، إحدى فصائل الحشد الأكثر تطرفا، في مقابلة تلفزيونية عن الرفض التام لأي وجود للقوات الأميركية في العراق. وهدد بـ”استمرار استهداف القوات الأميركية في العراق حتى بعد تغيير المسمى”.

واستهدف نحو خمسين هجوما منذ مطلع العام المصالح الأميركية في العراق. ولم تتوان الفصائل الموالية لإيران عن تكثيف ضغوطها مؤخّرا على الكاظمي فيما تواجه حكومته أزمات تتزايد تعقيدا في البلاد على المستوى المعيشي والاقتصادي.

ومن جهته رحّب الزعيم الشيعي المتنفّذ مقتدى الصدر بالإعلان معربا عن شكره لـ”المقاومة العراقية” ولرئيس الوزراء.

ويخدم هذا الترحيب الصورة التي يعمل زعيم التيار الصدري على نحتها لنفسه وتقديمها إلى العالم وعلى رأسه الولايات المتّحدة، وهي صورة رجل الدولة القادر على قيادة العراق.

كما رحب الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة على تويتر بنتائج الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، معتبراً أنها “مهمة لتحقيق الاستقرار وتعزيز السيادة العراقية”.

ويشكل العراق جزءا مهما من النطاق الاستراتيجي للولايات المتحدة حيث يبدو من غير الوارد أن تتخلّى عن البلد وتتركه للتأثير الإيراني في خضمّ ارتفاع مستوى التوتر بينها وبين إيران وإن كانتا لا تزالان منخرطتين في جهود إنقاذ الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني المبرم عام 2015. ولا يستبعد أن تكون تهدئة صراعهما على الأرض العراقية ذات صلة بتلك الجهود.

العرب