هل يستطيع قيس سعيّد إصلاح الاقتصاد سريعا؟

هل يستطيع قيس سعيّد إصلاح الاقتصاد سريعا؟

تونس – انخفضت أمس الاثنين، السندات بالعملة الصعبة الصادرة عن المصرف المركزي التونسي، انخفاضا حادا عقب قرار الرئيس قيس سعيّد إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان 30 يوما بعد الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.

وأعلن متحدث باسم صندوق النقد الدولي -نقلا عن وكالة رويترز- استعداد الصندوق لمواصلة مساعدة تونس في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا وتحقيق “انتعاش غني بالوظائف” واستعادة الوضع المالي المستدام.

وأضاف المتحدث -وفق المصدر ذاته- أن تونس “ما زالت تواجه ضغوطا اجتماعية واقتصادية غير عادية، بينها تداعيات أزمة كورونا التي تسببت في خسائر فادحة في الأرواح وتطلعات التونسيين إلى نمو أعلى وزيادة بالوظائف”.

وارتفع عجز ميزان المعاملات الجارية إلى 7.1 % من الناتج المحلي الإجمالي السنة الماضية، في وقت تسعى فيه تونس للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بـ 4 مليارات دولار لمدة 3 سنوات للمساعدة على تحقيق استقرار وضعها المالي.

اختبار
ويواجه قيس سعيّد اختبارا في قدرته على إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في غضون الشهر الذي حدده له الفصل (المادة) “80” من الدستور، عقب حله الحكومة وتجميده البرلمان.

وحتى يتمكن من إصلاح الخلل الاقتصادي، يرى الخبير الاقتصادي محمد ميموني، أن على رئيس الجمهورية إعادة نسق إنتاج الشركات الاقتصادية العمومية الكبرى إلى سالف عهده “وهو ما يستوجب توافقا تاما مع منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل بإجراء عقد اجتماعي معها لفترة معينة، تضع فيه حدا لكل التحركات الاحتجاجية داخل هذه المؤسسات”.

كما على سعيّد -بحسب ميموني- “إعادة توازن الميزان التجاري (الصادرات والواردات) الذي يشهد الآن اختلالا تاما ورد الاعتبار لقيمة الدينار التونسي المنهار مقارنة بالعملة الصعبة (الدولار واليورو)، وإشراك القطاع الخاص في الإستراتيجية التي سيتبعها الرئيس خلال هذه الفترة عبر آليات قانونية تضمن مساهمة هذا القطاع في إصلاح الوضع الاقتصادي مقابل امتيازات جبائية”، يضيف للجزيرة نت.

“وعود لا غير”
ويرى ميموني، أن سعيّد ورغم علاقاته الداخلية خاصة مع المنظمات الوطنية وأهمها الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف وحتى علاقاته الخارجية، “فمن شبه المستحيل أن يفي بوعده بتحقيق إصلاح اقتصادي شامل خلال شهر، لأن المنظومة الاقتصادية التونسية منهارة تماما ويبقى الأمر من باب الوعود لا غير”.

أما الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، فشدد على أن “الخلل الاقتصادي لتونس والوضع المالي الذي يمر بأسوأ حالاته كانا موجوديْن قبل اتخاذ قيس سعيّد قراراته الأخيرة وهي حقيقة لا بد من التذكير بها”.

ويوضح -في حديث للجزيرة نت- أن تونس كانت تعيش أوضاعا سياسية صعبة جدا منذ 10 سنوات، وتدهورت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى حد أنها لم تتمكن من الدخول في إصلاحات اقتصادية جدية.

وكشف سعيدان أن تونس كانت -وقبل قرارات سعيّد- متعثرة في دفع أجور الوظيفة العمومية، وسددت قرضا بـ 500 مليون دولار قبل أيام بنسبة فائدة تصل إلى 2.5% “بأسوأ طريقة ممكنة”، عبر اقتراض الحكومة الخميس الماضي 1.4 مليار دينار من البنوك التونسية التي اقترضتها بدورها من البنك المركزي، على أن يكون تسديد هذا الدين خلال 3 أشهر فقط بنسبة فائدة تبلغ 6.52%.

“حلول خطيرة جدا”
واعتبر أن ذلك دليل على أن “الحلول الطبيعية للتصرف في الدين الخارجي انعدمت تماما وأصبحت الحكومة تلجأ إلى حلول خطيرة جدا”.

ويضيف أن المحادثات التي انطلقت منذ مايو/أيار الماضي مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لم تتقدم قيد أنملة وبقيت متعثرة، لأن الصندوق قدم سؤالا إلى السلطات التونسية لم تستطع الإجابة عنه وهو “هل لديكم في تونس حكومة قادرة فعلا على تحقيق الإصلاحات التي تقدمتم بها في الوثيقة التي أتيتم بها إلى واشنطن في نهاية أبريل/نيسان الماضي؟”.

ويعتبر سعيدان أن ما حدث في تونس (قرارات سعيّد) هو “دخول في مرحلة جديدة قد تمكّن البلاد من تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة، وذلك مرتبط بالإجراءات والقرارات التي سيتم اتخاذها في الساعات والأيام القادمة”.

رسائل طمأنة
ويشير إلى أن المطلوب الآن من سعيّد هو طمأنة الأسواق المالية الدولية بأسرع وقت ممكن “وهذا ممكن إنجازه” والاتصال وعلى جناح السرعة بكل الدول الصديقة والشقيقة لمحاولة تأمين موارد مالية بالعملة الصعبة، تمكن الدولة التونسية من طمأنة الأسواق المالية الدولية، على أنه يتم تسديد القروض بصفة طبيعة وأنه لا وجود لمبرر لهذا الهلع، وفق تقديره.

كما على رئيس الدولة “تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، تبعث رسالة طمأنة مهمة جدا للخارج مفادها أن الشغل الشاغل للسلطة التونسية في المستقبل القريب هو إنقاذ الاقتصاد”.

ويشير سعيدان إلى ضرورة أن يلعب البنك المركزي دورا مختلفا كمستشار مالي ناصح، في محاولة إنقاذ الاقتصاد من تبعات جائحة كورونا “بعد إفلاس أكثر من 70 ألف مؤسسة اقتصادية وخسارة عشرات الآلاف من الوظائف”.

ويختم الخبير الاقتصادي، “لا تكمن الأهمية في التركيز على مدة الشهر التي حددها سعيّد لأنه بإمكانه التمديد، بل الأهم أنه في حال اتخاذ إجراءات طمأنة كافية خلال شهر فسيتم وضع البلاد على السكة الصحيحة، وعندما تستشعر الأطراف الأجنبية والشركاء وجود نية صادقة ومحاولة جدية لإنقاذ الاقتصاد، فستحقق تونس هدفا مهما جدا”.

المصدر : الجزيرة