عدن – يجد المجلس الانتقالي الجنوبي صعوبة في تفكيك هياكل حزب الإصلاح الإخواني بسبب عملها تحت عناوين مختلفة بينها جمعيات وأنشطة خيرية لإبعاد الشبهات عنها، في وقت ينظر إليها المجلس على أنها خلايا نائمة يمكن أن تتحرك في أيّ لحظة لتهديد الاستقرار في عدن.
وتولى المجلس الانتقالي إغلاق مقر جمعية الإصلاح الخيرية، بمديرية دار سعد محافظة عدن، وأصدر قرارا بمنع الجمعية من “ممارسة أيّ نشاط بالمديرية، بعد رصد أنشطة مشبوهة قامت بها”.
و”قضى القرار بعدم التعامل مع الجمعية وإغلاق مقرها ومنع دخولها أيّ مرفق حكومي وإخراجها من المديرية، ومنع كافة الجمعيات والمنظمات والمبادرات المرتبطة والمتعاونة معها”.
ويتوقع أن تكون هذه الإجراءات خطوة أولى ستتبعها خطوات مماثلة في باقي مديريات عدن الثماني من أجل تفكيك النفوذ الخفيّ للإخوان في اليمن. ويخشى المجلس أن تكون هذه الجمعيات غطاء للتحريض أو يتم من خلالها التجهيز لاستهداف الأمن في العاصمة عدن.
وأعاد التراشق الإعلامي والسياسي بين المجلس الانتقالي الجنوبي وأطراف في الحكومة اليمنية بعد عودة هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني إلى حضرموت، تسليط الضوء مجددا على صراع خفي بين الطرفين للاستحواذ على النصيب الأكبر من كعكة المناطق المحررة في جنوب اليمن.
وبينما أبدى الانتقالي رفضا حاسما لعقد جلسات المجلس في وادي حضرموت على اعتبار أن ذلك يمثل استفزازا للجنوبيين وخروجا عن جوهر التوافق الذي تضمنه “اتفاق الرياض”، تمضي الشرعية قدما في بسط نفوذها على محافظات جنوبية لم يتمكن الانتقالي من حسم الصراع حولها.
جماعة الإخوان النافذة في الشرعية تتّبع نفس التكتيك القديم القائم على الاختباء خلف الشرعية
ووفقا لمراقبين ينظر المجلس الانتقالي إلى تحركات الشرعية في المحافظات الجنوبية بوصفها أنشطة لحزب الإصلاح الإخواني الذي يناصبه العداء والذي يتهمه بالتسلل إلى جنوب اليمن تحت عباءة الحكومة اليمنية ومؤسساتها.
كما يتهم الانتقالي الحكومة الشرعية بأنها خاضعة لسيطرة حزب الإصلاح، بما في ذلك الجيش الوطني الذي خاض المجلس معه العديد من المواجهات، قبل أن يتمكن من حسم المعركة لصالحه وتحجيم نفوذ الشرعية ومن خلفها الإخوان في العاصمة المؤقتة عدن، ليبسط المجلس سيطرته عمليا في أعقاب المواجهات العنيفة التي شهدتها المدينة في أغسطس 2019 وانتهت بطرد القوات الحكومية التي تمكّنت بدورها من السيطرة على محافظة شبوة وإنهاء نفوذ الانتقالي فيها عبر ما كان يعرف بقوات “النخبة الشبوانية”.
ووفقا لمراقبين يمنيين يحمل الصراع بين الانتقالي والحكومة اليمنية أبعادا أخرى، فإلى جانب جماعة الإخوان التي تحرك دفة العداء باتجاه المجلس المطالب بالانفصال، تقف قوى جنوبية أخرى معظمها من المحسوبين على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي موقفا معاديا للانتقالي يستمد جذوره من الصراع المناطقي القديم في جنوب اليمن الذي طالما عملت بعض القوى السياسية النافذة في الشمال منذ العام 1990 على توظيفه في خضم المحاولات المستمرة لكبح جماح التيارات والقوى المطالبة بفك الارتباط وعودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
ويؤكد المراقبون أن جماعة الإخوان النافذة في الشرعية مازالت تتّبع نفس التكتيك القديم القائم على الاختباء خلف مؤسسات الدولة في مواجهاتها السياسية والعسكرية وتصدير شخصيات جنوبية لمواجهة المجلس الانتقالي، والعمل على استراتيجية طويلة النفس لتضييق الخناق على المجلس وتأليب التحالف العربي عليه، إضافة إلى خلق بؤر توتر في مناطق سيطرته.
ويشير هؤلاء إلى أن المجلس تمكّن من تحجيم نشاط الإخوان فعليا في محافظات بعينها مثل عدن والضالع ولحج وجزء من أبين، لكن تلك المناطق ما تزال تشهد نشاطا خفيا لهذه الجماعة التي تدير خلايا نائمة وتعمل على تأجيج الاحتجاجات الشعبية تحت عناوين خدمية ومطلبية أحيانا ومناطقية وقبلية أحيانا أخرى.
واستطاع الإخوان بعد مواجهة أغسطس 2019 تعويض خسارتهم لعدن التي كانت تشهد حالة توازن هش بين قوات الانتقالي وقوات الحكومة، من خلال إحكام السيطرة على محافظة شبوة بشكل كليّ وإنهاء أيّ حضور عسكري للانتقالي هناك بعد تصفية وجود “النخبة الشبوانية”، ليتسع الأمر بعد ذلك إلى تضييق الخناق على أيّ تواجد أو تأييد قبلي أو اجتماعي لأنصار الانتقالي وقمع أيّ أنشطة أو تظاهرات يقومون بها.
ويخشى جنوبيون من المؤيدين للمجلس الانتقالي من نقل تجربة الإخوان في شبوة التي أحكموا السيطرة عليها بقبضة أمنية وقمعوا كل محاولات التمرد الشعبي والقبلي على سلطاتهم فيها، إلى محافظات جنوبية أخرى لم يحسم الصراع عليها بشكل كامل ومازالت تتأرجح في المنطقة الرمادية بين الحكومة ومن خلفها حزب الإصلاح وبين المجلس الانتقالي، كما هو الأمر في محافظتي حضرموت والمهرة اللتين كثفت الحكومة اليمنية من وجودها السياسي والعسكري فيهما خلال الآونة الأخيرة بشكل لافت.
ويحظى الانتقالي بحضور شعبي وعسكري جزئي في جنوب محافظة حضرموت أو ما يعرف بساحل حضرموت ومدينة المكلا، عاصمة المحافظة، بينما تسيطر قوات المنطقة العسكرية الأولى التي تضم في معظمها قوات شمالية وكانت تتولى حماية حقول النفط ومنشآته منذ ما قبل اندلاع الحرب اليمنية، على معظم المناطق في “وادي حضرموت” ومدينة سيئون التي استضافت اجتماع هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني في الأيام الماضية، على الرغم من تحذيرات شديدة اللهجة أطلقها قادة في المجلس الانتقالي.
ويعتبر المجلس مثل هذا الاجتماع تكريسا لسياسية الأمر الواقع لسيطرة الشرعية ومن خلفها حزب الإصلاح على منابع النفط في شمال حضرموت ورسم ما يشبه هلال السيطرة الإخوانية على المحافظات الغنية بالنفط والغاز من مأرب وحتى حضرموت مرورا بشبوة.
وعلى ذات المنوال تبسط الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي سيطرتها على محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان، في ظل غياب شبه تام لأيّ نفوذ أو قواعد شعبية لكل من حزب الإصلاح أو المجلس الانتقالي، حيث تذهب الولاءات في هذه المحافظة في الغالب – وفقا لمصادر محلية – لصالح شيوخ القبائل والزعامات التقليدية، غير أن معلومات تتحدث عن استقدام قيادات إخوانية لعناصر حزبية من محافظات أخرى بهدف المشاركة في التظاهرات المناوئة للتحالف العربي حينا والمعادية للانتقالي حينا آخر.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي قد حسم في يونيو 2020 صراعا متصاعدا للسيطرة على محافظة أرخبيل سقطرى بينه وبين الحكومة اليمنية، انتهى بفرض قوات تابعة للمجلس سيطرتها على المراكز الحكومية في المحافظة وإخلائها من العناصر التي يتّهمها المجلس بالتبعية لجماعة الإخوان.
وتزايدت المخاوف لدى الحكومة اليمنية وجماعة الإخوان جراء تقدم الحوثيين باتجاه محافظة مأرب التي تمثل آخر معاقل الشرعية في شمال اليمن، وهو ما يفسر وفقا لمصادر مطلعة تسارع وتيرة الصراع للاستحواذ على المحافظات المحرّرة في الجنوب.
العرب